الهجمات الارهابية التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس وخلفت في حصيلة غير نهائية 129 قتيلا و352 جريحا وتبناها تنظيم داعش الارهابي وهي الأعنف في تاريخ فرنسا، لا تزال محط اهتمام دولي حيث تعددت مظاهر التضامن العالمي، وكما تنقل بعض المصادر اثر اعتداءات باريس الدامية التي ندد بها القادة السياسيون وباقي الشرائح في العالم باسره. هذه الهجمات وبحسب بعض المراقبين هي تحدي كبير للحكومة الفرنسية وباقي الدول الاخرى التي تخوض حملة عسكرية ضد التنظيم المتطرف في سورية والعراق، خصوصا وانها قد تعرضت لهجمات ارهابية اخرى في وقت سابق ولم تسعى لتفعيل اجراءاتها الامنية الداخلية، ويرى الخبير في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية، جان فرانسوا داغوزان، أن عدد الإرهابيين المحتملين الكبير في فرنسا أصبح يشكل تحدياً للسلطات الأمنية، ويعتقد المتخصص في الشؤون الأمنية أن التنظيم سيسعى الى تكثيف عملياته الارهابية التي شهدت تحول وتغير خطير، حيث سعى التنظيم الى اعتماد الهجمات الانتحارية التي لم يسبق حدوثا على الأراضي الفرنسية.

من جانب اخر اكد بعض الخبراء ان هذه الحرب قد تطول وتتوسع خصوصا وان بعض التقارير تكد ان لدى فرنسا أكبر عدد من المقاتلين المحتملين، الذين يغادرون بلادهم باتجاه العراق وسورية، وحتى الآن تم رصد 1800 شاب التحقوا بالمجموعات المسلحة، هؤلاء في العادة معزولون عن المجتمع، ولا يقومون بأي نشاط، ويجدون في الذهاب للقتال والموت نوعاً من المغامرة، هذا بالاضافة الى ان الحكومة الفرنسية قد سعت الى دعم بعض الجهات والجماعات المشبوهه وتحالفت مع دول تدعم الارهاب في سوريا والعراق بشكل مباشر في سبيل تحقيق مصالح ، لذا فما حصل هو امر متوقع ويمكن ان يتفاقم.

وفيما يخص اخر المستجدات فقد أكد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن فرنسا "في حالة حرب" و"ستضرب عدوها" المتمثل بتنظيم "داعش " بهدف "تدميره". وصرح فالس لقناة "تي أف 1" غداة اعتداءات باريس التي خلفت 129 قتيلا على الأقل "نحن في حرب، سنتحرك ونضرب هذا العدو" الجهادي "من أجل تدميره" في فرنسا وأوروبا وسوريا والعراق. وأكد أن الرد الفرنسي سيكون "بالمستوى نفسه لهذا الهجوم". ولفت فالس إلى أن "هذه الحرب تخاض على التراب الوطني وفي سوريا".

وتشارك باريس في التحالف الدولي ضد التنظيم في العراق منذ أيلول/سبتمبر 2014. وتشن أيضا منذ أسابيع غارات جوية على مواقعه في سوريا. ونبه رئيس الوزراء إلى أن على بلاده "أن تتوقع ردودا أخرى" من "الإرهابيين"، مذكرا بأنه قال مرارا منذ اعتداءات كانون الثاني/يناير أن "الخطر ماثل على الدوام".

امريكا

في السياق ذاته وصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما الهجمات التي وقعت في باريس وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها بأنها هجوم على العالم المتحضر وقال إن الولايات المتحدة ستعمل مع فرنسا على ملاحقة المسؤولين عنها. وقال أوباما "نقف إلى جانب الرئيس (الفرنسي فرانسوا) أولوند والشعب الفرنسي ونتضامن معهما في ملاحقة مرتكبي هذه الجريمة وتقديمهم للعدالة." من جانب اخر دعت هيلاري كلينتون خلال مناظرة للمرشحين الديموقراطيين الى الانتخابات الرئاسية الاميركية العالم الى الاتحاد "للقضاء على الفكر الجهادي المتشدد"، مؤكدة "اننا لسنا في حرب مع الاسلام بل مع المتطرفين العنيفين". وجرت المناظرة في دي موين بولاية آيوا (وسط) وشارك فيها اضافة الى كلينتون، الاوفر حظا للفوز ببطاقة الترشيح الديموقراطية لانتخابات البيت الابيض في 2016، كل من السناتور بيرني ساندرز ورئيس بلدية بالتيمور السابق مارتن اومالي.

وطغت على هذه المناظرة التلفزيونية الثانية للحزب الديموقراطي اعتداءات باريس وتداعيات الاستراتيجية الاميركية في سوريا، وقد استهلها المذيع بالطلب من المرشحين الوقوف دقيقة صمت حدادا على ارواح ضحايا الاعتداءات الانتحارية التي ادمت العاصمة الفرنسية. وقال المذيع "في هذا المساء فرنسا في حداد والامر نفسه يسري على اميركا، وبالتالي وقبل ان نبدأ (...) نطلب منكم الوقوف دقيقة صمت" تكريما لضحايا الاعتداءات.

من جهتها قالت كلينتون "علينا ان نكون مصممين على توحيد العالم والقضاء على الفكر الجهادي المتشدد الذي يحرك تنظيمات مثل داعش، التنظيم الارهابي العنيف والهمجي والعديم الشفقة". واضافت ان "الامر في هذه الانتخابات لا يتعلق بانتخاب رئيس فحسب بل يتعلق ايضا باختيار قائد اعلى للقوات المسلحة". واذ اعتبرت وزيرة الخارجية السابقة ان تنظيم داعش الذي تبنى اعتداءات باريس يمثل التهديد الارهابي الاول عالميا، اضافت ان هذا التنظيم الجهادي لا يمكن "وقف تمدده" بل "يجب دحره".

ولكن كلينتون حرصت على التأكيد على "اننا لسنا في حرب مع الاسلام بل مع التطرف العنيف"، رافضة على غرار الرئيس باراك اوباما استخدام عبارة "الاسلام المتشدد" التي يستخدمها المعسكر الجمهوري في الولايات المتحدة. وقالت "نحن في حرب ضد التطرف العنيف، نحن في حرب ضد اولئك الذين يستغلون الدين بهدف الوصول للسلطة وممارسة القمع". ولكن السيدة الاميركية الاولى سابقا استدركت بقولها ان "هذه لا يمكن ان تكون حربا اميركية علما بأن القيادة الاميركية اساسية لها". بحسب فرانس برس.

اما منافسها الابرز "الاشتراكي الديموقراطي" بيرني ساندرز فرد بالقول ان الولايات المتحدة تتحمل جزءا من المسؤولية عن ولادة تنظيم داعش لانها اجتاحت العراق في 2003، في هجوم مباشر منه على كلينتون التي صوتت يومها في الكونغرس لصالح السماح للرئيس في حينه جورج بوش الابن باستخدام القوة العسكرية ضد نظام صدام حسين. وقال ساندرز ان "الاجتياح الكارثي للعراق والذي عارضته بشدة زعزع بالكامل استقرار المنطقة وادى الى صعود تنظيمي القاعدة وداعش".

من جانبه اعرب المرشح الى الانتخابات التمهيدية الجمهورية للسباق الرئاسي الاميركي دونالد ترامب عن اسفه لاعتماد فرنسا قوانين صارمة لحمل الاسلحة، معتبرا ان هذه القوانين ساهمت في الحصيلة المرتفعة جدا للاعتداءات التي شهدتها باريس. وقال الملياردير الاميركي خلال مهرجان انتخابي في بومونت بولاية تكساس (جنوب) "عندما تنظرون الى باريس حيث قوانين حمل الاسلحة تعتبر من بين الاقسى في العالم تجدون ان ما من احد كان مسلحا الا الاشرار".

واضاف مخاطبا الآلاف من انصاره "ما من احد كان معه سلاح، وكانوا (الارهابيون) بكل بساطة يقتلونهم الواحد تلو الآخر". وتابع "قولوا ما تشاؤون ولكن لو كانوا مسلحين، لو كان اناسنا مسلحين، لو كان لديهم الحق بحمل السلاح لاختلف الوضع كثيرا كثيرا". وكان قطب العقارات ادلى بتعليق مشابه اثر الاعتداءات التي استهدفت في كانون الثاني/يناير مقر اسبوعية شارلي ايبدو الساخرة في باريس.

ايران

على صعيد متصل ندد الرئيس الايراني حسن روحاني باعتداءات باريس التي اعتبرها "جرائم ضد الانسانية"، مرجئا جولة على ايطاليا وفرنسا. وكتب روحاني في رسالة موجهة الى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند "باسم الشعب الايراني الذي وقع هو ايضا ضحية الارهاب، ادين بشدة هذه الجرائم ضد الانسانية واقدم تعازي الى الشعب الفرنسي والى الحكومة"، وفق ما نقلت وكالة ارنا الرسمية الايرانية. واعلن وزير الخارجية محمد جواد ظريف عبر التلفزيون الرسمي ان روحاني ارجأ جولته على ايطاليا والفاتيكان وفرنسا.

واضاف ظريف الذي شارك في اجتماع فيينا حول الازمة السورية ان "احداث باريس تثبت مرة جديدة ان الارهاب والتطرف تهديد دولي ومن الضروري قيام تعاون دولي لمكافحة هذه الظاهرة"، مؤكدا ان "الجمهورية الاسلامية الايرانية ستشارك في هذه المكافحة بشكل نشط". وتابع "ان الاعمال الارهابية تستوجب الادانة ايا كان شكلها.. وهذا الخطر لا يقتصر على منطقتنا وحدها (الشرق الاوسط) ولذلك يجب الا تفتصر مكافحتها على منطقتنا". بحسب فرانس برس.

وتؤكد ايران التي تدعم نظام الرئيس السوري بشار الاسد ان الاولوية لوضع حد للنزاع المستمر في سوريا منذ اكثر من اربع سنوات والذي اوقع اكثر من 250 الف قتيل تقضي بمكافحة المجموعات الارهابية. وتدعو من اجل ذلك الى تعزيز سلطة الاسد. وتجمع نحو ثلاثين شخصا امام السفارة الفرنسية في طهران ووضعوا ورودا واضاؤوا شموعا عن ارواح ضحايا اعتداءات باريس التي خلفت 129 قتيلا. ورفع بعضهم لافتات كتب عليها "انا باريس" و"العالم باسره في حداد".

سوريا وحزب الله

الى جانب ذلك حمل الرئيس السوري بشار الاسد السياسات الفرنسية "الخاطئة" مسؤولية تمدد الارهاب، في تعليق على الاعتداءات التي حدثت في باريس حسبما نقلت عنه وكالة الانباء الرسمية (سانا). وقال الاسد خلال لقائه وفداً فرنسياً برئاسة عضو الجمعية الوطنية النائب تييري ‏ماريانيان ان "السياسات الخاطئة التى انتهجتها الدول الغربية ولا سيما الفرنسية ازاء ما يحصل في منطقتنا وتجاهلها لدعم بعض حلفائها للارهابيين هي التى ساهمت في تمدد الارهاب ".

واعتبر الاسد ان "الإرهاب‬ هو ساحة واحدة في العالم وأن التنظيمات الإرهابية لا تعترف بحدود"، مؤكدا ان "الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس لا يمكن فصلها عما وقع في العاصمة اللبنانية بيروت مؤخراً وما يحدث في سوريا منذ خمس سنوات وفي مناطق أخرى". وشدد الاسد على "اهمية اعتماد سياسات جديدة والقيام باجراءات فاعلة لوقف دعم الارهابيين لوجستيا وسياسيا وصولا للقضاء على الارهاب". بحسب فرانس برس.

وشن ثمانية مسلحين على الاقل يضعون احزمة ناسفة اعتداءات على ستة مواقع في العاصمة الفرنسية في اعنف هجمات تشهدها اوروبا منذ الاعتداءات على قطارات مدريد العام 2004. واسفرت هذه الاعتداءات، التي تبناها تنظيم داعش عن مقتل ما لا يقل عن 128 شخصا واصابة 250 بجروح بينهم ثمانين في حالة حرجة.

كما ادان الامين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله "بشدة" اعتداءات باريس الدامية منددا ب"مجرمي" تنظيم داعش الذي تبنى الاعتداء. وقال في خطاب عبر التلفزيون "نعبر عن ادانة حزب الله واستنكاره الشديدين للهجمات الارهابية التي شنها مجرمو داعش في باريس" وكان نصرالله يتحدث بعد تفجيرين انتحاريين استهدفا الضاحية الجنوبية لبيروت معقل تنظيمه، واسفرا عن 44 قتيلا. واعرب عن "تضامنه" مع فرنسا، معتبرا ان منطقة الشرق الاوسط تعاني جراء "الزلزال" الذي احدثه التنظيم المتطرف.

دول عربية اخرى

من جهة اخرى دانت دول عربية عدة الاعتداءات التي استهدفت باريس مؤكدة تضامنها مع الشعب الفرنسي ورفضها لهذه "الاعمال الارهابية" ووقوفها الى جانب فرنسا في "مكافحة الارهاب" حتى القضاء عليه. وفي القاهرة، اعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية علاء يوسف ان "مصر تعرب عن ثقتها الكاملة في أن مثل هذه الأحداث الإرهابية لن تضعف عزيمة الدول والشعوب المحبة للسلام، بل ستزيدها إصرارا على مكافحة الإرهاب ودحره". واشار الى ان المطلوب "تكاتف جهود المجتمع الدولي في مواجهة آفة الإرهاب الذي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في مختلف أنحاء العالم دون تفريق".

واضاف ان الرئيس عبد الفتاح السيسي كلف السفير المصري في باريس "نقل خالص التعازي والمواساة للقيادة السياسية الفرنسية وحكومة وشعب الجمهورية الفرنسية في ضحايا هذه الحوادث الإرهابية الغاشمة، والتأكيد على تضامن مصر مع فرنسا ومساندتها للجهود الدولية المبذولة لمكافحة الإرهاب الذي لا يعرف حدوداً ولا دينا".

وفي عمان، قال وزير الدولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني "إن بلاده تقف مع الشعب الفرنسي الصديق في مواجهة هذه الاعتداءات الدامية والغاشمة والتي روعت المدنيين والأبرياء". واضاف في بيان ان الحكومة الأردنية "دائمة التواصل مع الحكومة الفرنسية في مواجهة الإرهاب والتطرف أياً كان مصدره"، مجددا وقوف بلاده "بكل قوة وحزم ضد التنظيمات الإرهابية التي باتت أعمالها الإجرامية تستشري في كل مكان وتستبيح الأرواح والممتلكات، ولا تراعي حرمة الدين والإنسانية والقيم والأخلاق". كما دعا "المجتمع الدولي إلى الوقوف والتعاون وتعبئة الموارد لمواجهة ظاهرة الإرهاب وقطع التمويل عن التنظيمات الإرهابية".

وفي الخليج، أعربت دولة الكويت عن استنكارها للهجمات "الإرهابية" التي استهدفت العاصمة الفرنسية، بحسب ما ذكرت وكالة الانباء الكويتية "كونا". وقالت الوكالة ان امير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بعث برقية تعزية إلى الرئيس الفرنسي أكد فيها "أن هذا العمل الإجرامي يتنافى مع كافة الشرائع السماوية والقيم الإنسانية". كما اكد "وقوف دولة الكويت مع الجمهورية الفرنسية وشعبها الصديق وتأييدها ودعمها لكافة الإجراءات التي تتخذها للحفاظ على أمنها واستقرارها وللتصدي لهذه الأعمال الإرهابية". بحسب فرانس برس.

بدورها أكدت وزارة الخارجية القطرية في بيان أن "الأعمال التي تستهدف زعزعة الأمن تتنافى مع المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية كافة". وجدد البيان "موقف دولة قطر الثابت من نبذ العنف بكافة صوره وأشكاله وأياً كانت مسبباته". كما دانت دولة الإمارات العربية المتحدة الاعتداءات. وبحسب وكالة انباء الامارات "واس"، أعرب الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات في برقية للرئيس الفرنسي "عن إدانة بلاده واستنكارها الشديد لهذا العمل الإرهابي". وأبدى تضامن الإمارات الكامل مع فرنسا "في هذه الظروف الصعبة ودعمها لكل ما يتطلبه الوضع لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه".

اضف تعليق