q
يبقى موقف مجلس الأمن في إيقاف المجزرة البشرية التي تتنافي مع كل القيم والمواثيق والعهود الدولية، حيث تجري وعلى مشهد الكل جرائم الإبادة البشرية والقتل العمد والتجويع والتهجير وتدمير المنشآت المدنية والمستشفيات والمدارس، في رسالة واضحة مفادها ان كل ما اتفقت عليه البشرية لا يلقى إي احترام...

ضمن نشاطاته الفكرية المتواصلة عقد ملتقى النبأ الأسبوعي، ندوة ناقش فيها مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات ورقة بحثية تحت عنوان: (الغرض من إنشاء المنظمات الدولية ومفهوم حماية الأمن والسلم الدوليين)، حضرها العديد من الباحثين والمختصين والاكاديميين والإعلاميين وأعضاء مجلس النواب العراقي، كتب الورقة وقرأها الباحث الدكتور حميد الهلالي وقال فيها:

"جاءت ولادة منظمات الأمم المتحدة ردا على المآسي التي شهدها العالم وبالذات بعد الحربين المدمرتين اللتين كادتا ان تقضيا على الوجود البشري، وبعدما خلفتا 70 مليون قتيل وأكثر من مائة مليون جريح ومعاق وأسير، وتدمير شامل لكثير من الدول منها على سبيل المثال أوروبا حيث تحولت إلى مدن خربه مدمرة تدميرا شاملا.

فقد كانت الحرب العالمية الأولى 1914- 1918 والتي بلغ عدد ضحاياها أكثر من سبعة عشر مليون قتيل وضعفهم من الجرحى والمعافين، صراعا دمويا بشعا وحالما حطت أوزارها عقدت الدول المنتصرة اجتماعا في نيويورك أفضى إلى تشكيل عصبة الأمم المتحدة، والغاية منها هي إرساء السلم وإحلال الأمن ومنع الحروب، لكن لسوء حظ هذه العصبة ان يتوافق إنشاؤها مع صعود نجم النازية، هتلر في ألمانيا والفاشية موسوليني في ايطاليا وأحلام الإمبراطورية اليابانية بالهيمنة، فقادوا العالم لحرب عالمية ثانية اشد فتكا وقتلا وتدميرا، ولم يسلم منها شعب ولم تسلم منها دولة ودفع العالم ثمنا باهظا لها ولأهوالها.

ولابد من التعريف بهاتين المنظمتين بشكل موجز:

أولا: عصبة الأمم (1920-1946)، سارعت الدول حال انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى عقد مؤتمر لتطوير قانون الحرب، ولتدعيم السلام بين الدول، وتوطيد الأمن، وبغية تحقيق هذه الغايات الأساسية للسلم العالمي.

ثانيا: منظمة الأمم المتحدة عام 1945م، كانت الحاجة ماسة إلى تدارك الوضع المأساوي الذي صحا عليه العالم، حيث ساد الخراب والدمار والموت، والماسي كل بقاع الأرض مما دعا دول العالم المجتمعة في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية في 25 ابريل إلى 26 يونيو من عام 1945م، إلى إبرام ميثاق لهيأة الأمم المتحدة والذي نص في ديباجته على تحريم اللجوء إلى القوة لتسوية المنازعات الدولية، وأصبحت الحرب لأول مرة غير مشروعة في ظل منظمة الأمم المتحدة.

وبغية تحقيق أهداف هذه المنظمة، ومقاصدها شكلت الهيئات اللازمة لذلك، فأنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة للإشراف على جميع ما يتصل بنشاط المنظمة، وهيأتها، وأنشأت مجلس الأمن الذي أنيطت به مسؤولية الإشراف على الأمن الجماعي، وحماية السلم الدولي، ومنع الاعتداء، وأنشأت المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي أوكل إليه بحث مسائل التعاون الدولي في الشؤون الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية.

مجلس الأمن التشكيل والأهداف

شكل مجلس الأمن من خمسة عشر عضو يتم اختيار هم وفق آلية محددة ولفترة سنتين ما عدا الدول الخمس ثابتة العضوية، والتي أعطي لها حق النقض الفيتو وهي كل من: (الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا) ومنحت صلاحيات كبيرة للمجلس لغرض حفظ الأمن والسلم الدوليين ولكن كانت قرارات المجلس أسيرة رغبات ومصالح الدول الكبرى المقاطعة فيما بينها حيث يظهر هناك اتجاهان متنافران الأول تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والثاني تقوده روسيا.

وفي حقيقة الأمر عكست قراراته طبيعة هذا الصراع المحتدم فثر سلبا على دول العالم الثالث ومثال ذلك قرار فرض الجائر على العراق وسوريا وليبيا وكوبا وإيران وغيرها من الدول... علما أن المتضرر الوحيد من الحصار هي الشعوب والمستفيد هي الحكومات التي دعمت موقفها وحولت الحصار إلى حالة تعاطف شعبي معها...

ضمانات الحماية التي يوفرها مجلس الأمن:

يوفر مجلس الأمن الحماية متعددة الأوجه غايتها إحلال السلام ودرء مخاطر الحروب ويحتكم

بذلك إلى:

أولا: اتفاقيات جنيف الأربع عام 1949 والبرتوكولان الإضافيان الملحقان بهم لعام 1977م.

وفرت الاتفاقيات الحماية الملزمة للمدنيين الخاصة وللجرحى والمرضى والعجزة والحوامل، والنساء والأطفال وكبار السن وحماية المنشآت المدنية والمستشفيات المدنية التي تقوم على رعاية المرضى والجرحى والعجزة والمسنين، من المدنيين والتي يترتب على انتهاكها جزاء دوليا متفق عليه السماح بمرور شحنات الأدوية والأغذية والمهمات الطبية ومستلزمات العيادات المرسلة إلى المدنيين، وألزمت الدول المتصارعة بما يلي:

1- ضرورة التفرقة بين السكان المدنيين والمقاتلين، ويفرض على الأطراف المتحاربة التمييز بين السكان المدنيين والأشخاص المقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، وذلك لتأمين احترام وحماية الأشخاص المدنيين والأهداف المدنية.

2- حماية السكان المدنيين ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، سواء كانت هذه العمليات دفاعية أم هجومية موجهة ضد الخصم أو في الأراضي التي تشن منها هذه الهجمات.

3- حظر الهجمات العشوائية التي تعتبر كذلك في حال عدم توجيهها إلى هدف عسكري محددة.

ثانيا: الحماية من خلال العهدين الدوليين للحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والتجارية. وقد نصا على مبادئ كثيرة وأولها حماية الأطفال اهتماما خاصاً.

ثالثا: الحماية من خلال الجزاءات التي فرضها مجلس الأمن وشملت:

1- جزاءات سياسية اقتصادية.. عارية.

2- جزاءات لفرض السلام مثل: راوندا (872) 1993) كوسوفو (1244) 1999 الصومال (قرار (814) 1991 الكونغو الديمقراطية.

رابعا: الحماية من خلال الاتفاقيات الثنائية والخاصة ومنها: اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية (1948م).

خامسا: الحماية من خلال المحاكم الدولية:

1-المحكمة الجنائية الدولية: قضية الرئيس السوداني عمر حسن البشير.

2- المحكمة الخاصة نورمبرغ: الجرائم ضد السلام.. جرائم الحرب. الجرائم ضد الإنسانية.

3- محكمة طوكيو: محكمة شكلت لمحاكمة القادة الإيطاليين الفاشست لمحكمة العدل الدولية هي الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة ويعتبر جميع أعضاء الأمم المتحدة أعضاء في هذه المنظمة م 92.

تقيم عمل مجلس الأمن ومن خلفه منظمة الأمم المتحدة: كل الوقائع والحوادث والحروب والنزاعات التي جرت في السابق وتجري الآن، وربما في المستقبل، لم يجر البحث فيها أو عن حلول لها، بما يستوجب العدل والحق، أو على قاعدة القانون الدولي، بل على قاعدة المعايير المزدوجة أي الكيل بمكيالين.

ويبقى موقف مجلس الأمن في إيقاف المجزرة البشرية التي تتنافي مع كل القيم والمواثيق والعهود الدولية وبالذات القانون الدولي الإنساني، حيث تجري وعلى مشهد الكل جرائم الإبادة البشرية والقتل العمد والتجويع والتهجير وتدمير المنشآت المدنية والمستشفيات والمدارس والعمارات، في رسالة واضحة مفادها ان كل ما اتفقت عليه البشرية لا يلقى إي احترام لدى هذا الكيان المارق والمشكلة الأكبر ان دعاة حماية حقوق الإنسان هم من يقدم الدعم المادي والمعنوي والعسكري الإسرائيلي، بل يدعوها البعض لتدمير غزة وقتل اهلها.. وأثبتت تجربة غزة أن الضعفاء هم من يجرون خلف هذه القوانين وان الدول الكبرى تفصلها حسب ما تريد ولا توجد شرعة دولية حقيقية في حقيقة أمرهم.

وهذه نماذج من قرارات مجلس الأمن 13 قرار رقم 672 لعام 1990 بتاريخ 12 أكتوبر يدين أعمال العنف التي ارتكبتها قوات الأمن الإسرائيلية في 8 أكتوبر من عام 1990 بالحرم القدسي الشريف، ما أسفر عن مقتل ما يزيد على 20 فلسطينيا، وإصابة 150 شخصا بجراح من بينهم مصلين. 14 قرارا.. رقم 681 لعام 1990 بتاريخ 20 ديسمبر يشجب قرار إسرائيل استئناف إبعاد المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

17 قرارا رقم 1860 لعام 2009 بتاريخ 8 يناير الخاص بوقف إطلاق النار بعد الهجوم على غزة في ديسمبر 2008.

18 قرارا رقم 2334 لعام 2016 بتاريخ 23 ديسمبر الذي حث على وضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية تحترمها إسرائيل بل توغل بانتهاكها.

العراق: على عكس ذلك أصدر مجلس الأمن جملة من القرارات الجائرة أدت إلى تدمير دول وأنظمة منها قرار فرض الحصار على العراق وإباحة التدخل بنيته الداخلية، والصمت عن الجرائم التي ارتكبت بحقه. حيث أصدرت الكثير من القرارات الجائرة بلغ عددها 53 قرار ومنها القرار 661 لسنة 1990 بفرض الحصار على العراق ولم يرفع حتى بعدما اذعن النظام لكل الشروط التي فرضت عليه وقرار 678.

سوريا: هبت هذه الدول الإصدار مجموعة من القرارات الظالمة على الشعب السوري، وحاصرته حصارا جائرا بحجة أن نظامه يرتكب انتهاكا لحقوق الإنسان، في حين غضوا النظر عن جرائم الإرهابيين الذين جاءوا بهم من كل الدول وناصروهم لقتل أبناء سورية بفكر شاذ ومنحرف ومجرم دوليا.

ليبيا: والأمر لا يختلف كثيرا عندما أصدر مجلس الأمن أسوء قراراته التي أصلت الضوء الأخضر القصف. ليبيا وإسقاط نظامه بحجج واهية بينما يقف الحقد والكراهية والثأر من نظام أبها خلف إصدارها حيث أصدرت القرار حيث أصدرت بتاريخ 17 مارس 2011 قرارها المرقم 1973 يقضي بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا وتنظيم هجمات مسلحة ضد قوات القذافي وكان لإصدار القرار رقم 1973 وفرض منطقة الحظر الجوي على ليبيا العديد من النتائج والتحولات الهامة في الصراع مع الحكومة الليبية بداية تمكنت عمليات قوات التحالف الدولي من إحباط الهجوم على بنغازي ودحرته بعد أن كانت محاصرة.

فأي سلام حققه قرار مجلس الأمن وأي احترام لحقوق الإنسان الذي لم يعد قائما في ليبيا بل هو أرقام تسخرهم المليشيات حسبما اقتظت مصالحهم ومشغليهم الدوليين.

من كل ما سبق نجد أن عالما يفتقد للعدل وتسوده لغة القوة، عالم قابل للانفجار في أي وقت، لذا نجد ان من المهم أن تجرى إصلاحات جذرية في هيكلية مجلس الأمن، وآلية عمله".

ومن خلال ما تقدم نطرح السؤالين التالين:

السؤال الأول: هل أدت منظمة الأمم المتحدة والأجهزة التابعة والأجهزة التابعة لها الأدوار التي أنشأت من اجلها أم لا، ولماذا؟

السؤال الثاني: ما البديل الناجع للتعويل عليه بحل الأزمات والنزاعات الدولية بشكل محايد؟

المداخلات

- الدكتور قحطان حسين طاهر؛ أكاديمي وباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

"المنظمات الدولية هي إحدى الفواعل المهمة والمؤثرة في النظام الدولي، ولها دور كبير جدا في تنسيق العلاقات والجهود الدولية، وتوحيد الرؤى والأهداف بقصد تحقيق هدف معين.

المنظمات الدولية هي تجمع لمجموعة من الدول اتفقت فيما بينها على تأسيس منظمة تتولى توحيد الرؤى لتحقيق هدف معين، إذن الشرط الأساس لتشكيل وتأسيس المنظمة الدولية هو وجود اتفاق مسبق فيما بين الدول تجمعهم مصلحة مشتركة، هذه هي الغاية من إنشاء المنظمات الدولية، هذه المصلحة المشتركة قد تتعلق بجانب الأمن، بمفهومه العسكري مرة، أو بمفهومه الثقافي أو الغذائي أو مرة يتعلق بأمن الطاقة.

إذن الأمن بمفهومه العام يكاد يكون الغرض الأساسي من إنشاء المنظمات الدولية، لكن هل أن هذه المنظمات – وهي متعددة ولعل منظمة الأمم المتحدة هي الأبرز والأكثر من حيث العضوية بين المنظمات الموجودة والعاملة حاليا في النظام الدولي- فهل أن هذه المنظمات حققت الهدف المرجو من إنشائها؟

طبعا لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال بهذه السرعة، لأنه يحتاج إلى تقييم عمل المنظمة منذ تأسيسها في عام 1945 ولحد الآن، لا يمكن أن نقول بأنها فشلت ولا يمكن أن نقول بأنها نجحت، الحقيقة الجواب يحمل الجانبين، فشلت في جوانب ونجحت في جوانب أخرى، هذا النجاح قد يكون نابع من وجود دعم لهذه المنظمات، وقد يكون دعم شامل لكل الدول، أو دعم من الدول الفاعلة في النظام الدولي، فأدى هذا الدعم لنجاح هذه المنظمة في تحقيق أهدافها وقراراتها.

لكن الفشل قد يكون وراءه أيضا عدة تحديات واجهت هذه المنظمة، أولى هذه التحديات التي تواجه المنظمة هي فقدان الثقة من قبل شعوب وحكومات الدول الضعيفة، لأنه بطبيعة الحال نعرف جيدا الظروف التي أدت إلى إنشاء منظمة الأمم المتحدة، التي تأسست عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، والذي أنشأها هي الدول المنتصرة في الحرب وهذه قضية معروفة.

إذن جاءت لتمثل رؤية وأهداف الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، بمعنى أنها تبنت مصالح هذه الدول ومن يخالف أو ما يهدد هذه المصالح لن يوضع في أجندة هذه المنظمة ولن يوضع في حسابات هذه المنظمة.

أولى التحديات أو المشكلات الهيكلية التي واجهت عمل المنظمة، هو فقدان الثقة بسبب سلطة اتخاذ القرار وبمن أنيطت؟، فعندما أُسست جعلت المنظمة مجلس الأمن هو الجهاز التنفيذي فيها، وكل قرارات الأمم المتحدة مرهونة بموافقة هذا المجلس، من يسيطر على اتخاذ قرارات هذا المجلس؟، إنها الدول الثابتة العضوية الخمسة المعروفة، ومن هو غير ممثل بهذه العضوية فإن مصالحه غير متحققة وغير مضمونة ضمن عمل مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة.

لهذا السبب برزت دعوات من هنا وهناك لإصلاح الأمم المتحدة وهيكليتها من حيث اتخاذ القرار، وخصوصا فيما يتعلق بدراسة عضوية مجلس الأمن الدائمة، وأتصور أن الموضوع الذي تم طرحه في وقتها كان مشروعا متكاملا، وضعه الأمين العام الأسبق بطرس غالي، لكن هذا المشروع لم يلق تأييدا من قبل الدول المهيمنة لأنها رأت فيه إضعافا لسلطتها وهيمنتها على قرارات الأمم المتحدة.

تحدي آخر هو توظيف هذه المنظمة من قبل الدول الفاعلة، في إطار النظام الدولي بقصد توظيفها لاتخاذ قرارات ضد دول مناهضة لهذه الدول الفاعلة، وقد لاحظنا هذا الموضوع فيما يتعلق بالعراق والقرارات المجحفة التي اتخذت بحق العراق، وأدت إلى إلحاق ضررا كبيرا بشعب العراق وأطفاله ونسائه من خلال فرض أعتى حصار إنساني شهدته الإنسان في التاريخ على شعب من الشعوب.

التحدي الآخر وهو أن الأمم المتحدة كمنظمة دولية، أنشأت من تحقيق هدف نبيل وسامٍ وهو حماية الأمن والسلم الدوليين، هذا الهدف بحد ذاته يحتاج إلى قوة عسكرية وجيش كبير من أجل فرض القرارات التي تصدر ضد الدول المعتدية التي تقوم بعدوان وعمل عسكري على دولة أخرى، لذا لم نلاحظ شيء اسمه جيش تابع للأمم المتحدة، لا يوجد هناك جيش مستقل خاضع لقيادة الأمم المتحدة بشكل مباشر.

وإنما يوجد في ميثاق الأمم المتحدة أنها تستطيع بالتعاون مع الدول الداعمة في مجلس الأمن أن تنسق الجهود العسكرية في هذه الدول وتشكل جيشا لغرض رد العدوان، ولكن هذا الجيش لا يمكن أن يكون تحت سلطة الأمم المتحدة، وإنما كما هو حاصل يكون خاضع لسلطة دولة أخرى وقيادة دولة أخرى قد تتبنى أهداف ليست أممية ولا إنسانية، وبالنتيجة لا يمكن أن نقول بأن الأمم المتحدة فشلت أو لم تفشل.

مفهوم الأمن الدولي هو مفهوم واسع جدا ومتعدد، أنا في رأيي المتواضع إنها كلمة حق يراد بها باطل، لأنهم عندما وضعوا ميثاق الأمم المتحدة وأقصد الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية، أرادوا الحفاظ على سلمهم وأمنهم ومطامعهم وما عدا ذلك فهم غير معنيين بهذا المفهوم وإنما مصالحهم فقط هي التي يأخذونها بنظر الاعتبار.

فقد يكون الأمن العسكري أو الغذائي، لكن السؤال ما هو البديل عن الأمم المتحدة، هل هناك فعلا مقترح مقدم ومتكامل يتضمن حل الأمم المتحدة وإيجاد بديل أكثر فعالية وأكثر قوة، أعتقد لم يحن الوقت لإيجاد منظمة أكثر شمولية وأكثر قوة وأكثر فاعلية في النظام الدولي يمكن أن تحل عن الأمم المتحدة، لتكون منظمة ذات شأن وقادرة على لعب دور في العلاقات الدولية.

وبالتالي مثلما أطاحت الحرب العالمية الثانية بعصبة الأمم، وحلتها، فمن الممكن أن تكون هناك حرب ثالثة هي فقط تكون القادرة على حل منظمة الأمم المتحدة وتأتي منظمة أخرى جديدة على أنقاضها.

- الأستاذ عدنان الصالحي؛ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

هل أدت الأمم المتحدة واجبها كما يجب؟، باعتقادي كلا لم تؤد واجبها كما يجب، رغم أنه هنالك محاولات لإصدار قرارات وقوانين تصب في مصلحة بعض الدول التي انتهكت أو التي تعرضت إلى إبادة، فالمحاولات موجودة والمشاريع تُطرَح، كما يجري حول موضوع غزة، لكن بالنتيجة هناك إرادة قوية مضادة، ظاهرا المشكلة ليست في الأمم المتحدة، وإنما المشكلة في تركيبة العالم التي كانت ثنائية وأصبحت أحادية القطب.

والآن يحاول الروس أن يشكلوا ثنائية القطب، هنالك جهة واحدة متحكمة في بوصلة الأمم المتحدة، وبالنتيجة بما أن هذه القوة لا يوجد لها توازن بالقوى الدولية، ستسير الأمور وفق ما تراه مناسبا لها أو لأتباعها، الأمم المتحدة لم يضعفها فقط الولايات المتحدة والمتحالفين معها وجعل بوصلتها ترتبك، وإنما هنالك الفساد أيضا دخل في هذا المضمار، وملفات النفط مقابل الدواء والغذاء التي أعقبت الحصار العراقي شكلت كارثة سيئة جدا معروفة للأوساط رغم أنهم حاولوا بقدر الإمكان عدم إظهار تفاصيلها لكنها ظهرت للعالم.

هذا جزء من ملفات كثيرة تتعلق في بلدنا، لكن كم هناك ملفات أخرى لابد أنها موجودة، إذن بما أنه دخلت هذه المفصلية في هذا الجزء، أحادية القطب ودخول الفساد في هذا الجانب، أعتقد هذه المنظمة ما عادت قادرة على أن تؤدي دورها في هذا الجانب، وخاصة إذا كانت القضية تمثل نظاما جديدا بإرادة دولية أحادية القطب.

إذن هذه المنظمة في الغالب متزعزعة ودورها ليس قويا وقراراتها ضعيفة حتى لو صدرت هذه القرارات، ولذلك لم تقم بالدور المطلوب منها نتيجة التركيبة الدولية وليس تركيبة المنظمة، أما الحل البديل فهو واضح، يحتاج الأمر إلى إعادة تنظيم أو مطلوب قوى جديدة تخرج في العالم، توازن القوة الأمريكية كالاتحاد الأوربي إذا كان له رأي آخر، أو دول الشرق الأوسط إذا كان لديها منظمة تمتلك مصادر الطاقة ومصادر التمويل ممكن أن تنشئ ضغط دولي جديد لإعادة تركيبة الأمم المتحدة، وأن تتحول القرارات داخل الأمم المتحدة إلى قرار للأغلبية، ومن الممكن أن تتحول هيكلية القرارات مثلا إلغاء الفيتو واعتماد التصويت بالأغلبية، كما يحدث في النظام البرلماني.

إذا تم تأسيس هكذا أمم متحدة ويراد لها أن تقوي نفسها يجب أن يكون هناك تحول جاد في تنفيذ قراراتها، أما إذا كانت الفكرة هي وجود (برستيج) فقط لهذا العنوان العريض، لتمرير القرارات المطلوبة فهذا يعني إن وضع الأمم المتحدة سوف يبقى على ما هو عليه.

- الدكتور خالد العرداوي؛ مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:

إن موضوع المنظمات الدولية موضوع معقد وشيّق في نفس الوقت، وعلاقته بالسلم والأمن الدوليين هو موضوع مهم، والأسئلة المطروحة أيضا حول تأدية الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها الأدوار التي أنشئت من أجلها، ولماذا وما هو البديل؟

طبعا عن قضية المنظمات الدولية هو محلي، وكان هناك كلام سابق عن الحكومة العالمية، وهذ الحديث استغرقوا فيه الفلاسفة والمفكرون السياسيون كثيرا، وأنه هنالك تقاطع كبير في السياسات العالمية والمصالح السياسية، وهذا يبقي العالم في حالة من الفوضى، والصراع على حساب حقوق الإنسان، على حساب السلم على مستوى العالم.

لذلك كان هناك حديث سابق عن قضية الحكومة العالمية، ونلاحظ أن الذين كانوا يؤيدون فكرة الحكومة العالمية هم الفلاسفة الذين يركزون على حقوق الإنسان، وتقييد دور الحكومات، ولذلك نلاحظ أن كانت ولو كانوا من الذين يؤيدون فكرة الحكومة العالمية، والذين عارضوا هذه الفكرة هم الفلاسفة الذين كانوا يؤكدون على فكرة سيادة الدولة، وترسيخ سيادتها، ولذلك كانت روسو من المعادين لفكرة الحكومة العالمية ونيتشة باعتبار أنه كان من الداعين لقضية الاصطفاء النوعي.

فمن خلال هذه الآراء المعارضة والمؤيدة، يمكن اكتشاف طبيعة الأبعاد السلبية والسياسية التي يمكن أن تنعكس عن إنشاء المنظمة الدولة، وحين نصل إلى مطلع القرن العشرين نجد أن هناك فكرة عن منظمة دولية أخذت طريقها نحو التطوير، بعد صراع دولي مدمر، يعني وصلت الدول في علاقاتها إلى حالة الحرب العالمية الأولى، بكل تأثيراتها، فبناءً على منجزات الحكومة العالمية أنشئت عصبة الأمم لكنها فشلت، ثم ظهرت الأمم المتحدة.

الأهداف التي كانت معول عليها لإنشاء المنظمة الدولية، أهداف عديدة ونبيلة حقيقة، وهي:

الهدف الأول: تحقيق التعاون الدولي: لأنه كلما يكون هناك سوء فهم بين الأطراف الدولية يكون الصراع هو الأكثر ترسيخا، وطالما نحن نقول في العلاقات الدولية إن الصراع حتمي، حتى لو في عالم مثالي، فأيضا سوف تحصل صراعات أيضا، لذلك سوف يأتي الهدف الثاني بعد تحقيق التعاون الدولي وهو:

الهدف الثاني: حل النزاعات السلمية بطرق سلمية، حتى لا تتحول هذه النزاعات إلى صراعات مدمرة.

الهدف الثالث: تحقيق العدالة الدولية: وكان الحديث عن فكرة العدالة أنها يجب أن تتجسد من خلال المنظمات الدولية، وأن هناك دولا صغيرة من الممكن أن تفترَس من الدول الكبيرة، فلابد أن يوجدوا إطارا دوليا ومؤسساتيا يحقق التوازن ويحقق الدالة الدولية.

لذلك إذا راقبنا المنظمة الدولية، نلاحظ أن مجلس الأمن هو السلطة التنفيذية، والجمعية العامة هي تقريبا السلطة التشريعية، والأجهزة القضائية تتمثل بمنظمة العدل الدولية في إطار القضاء الدولي.

الهدف الرابع: قضية الحقوق والحريات: فقد لوحظ أن قضية الحقوق والحريات قد انتهِكت في ظل غياب منظمة دولية، أو في إطار تنظيم دولي يحمي هذه الحريات.

الهدف الخامس: تحقيق الأمن والاستقرار الدولي: ويبدو أن بعد كل هذه الأهداف، أن هذا الهدف هو النهائي، فماذا يراد بالنتيجة، هو تحقيق الأمن والاستقرار الدولي، وبالنتيجة تعيش البشرية بسلام واستقرار مع بعضها.

لكن المنظمة الدولية سواء العصبة أو خليفتها الأمم المتحدة، فشلت في تحقيق أهدافها، لماذا فشلت؟، السبب هو سيطرة الأقوياء على قرارات المنظمة الدولية، القوى الكبرى، للأسف حتى اليوم في القانون الدولي هم الذين يشرعون القانون، ويضعونه بما يضمن مصلحتهم، ودائما الضعفاء لا يتم إنصافهم، وإنما التشريعات في الغالب تميل لمصلحة الأقوياء.

لانهم الذين يشرعون هذه القوانين، وهذا يشمل الجميع، فمثلا أنا اليوم أكاديمي إذا أردنا أن نشرع قانون الفئات فسوف أميل إلى فئتي، صحيح أم لا؟، فهذه حالة بشرية موجودة.

الجانب الآخر هو استمرار الصراعات، فمنذ تأسيس الأمم المتحدة من 45 إلى الآن كم من الصراعات حدثت على مستوى العالم؟، صحيح لم نصل إلى مستوى الحرب العالمية الثالثة، ولكن الصراعات مستمرة، وهذه الصراعات أهلكت الكثير من البشر، وهذا يعني لم يتحقق الهدف في حماية الأمن والسلم الدوليين.

والشيء البارز أن عمل المنظمة كان يرتكز على قاعدة حق القوة، وليس قوة الحق، وقد تطرق أحد المتداخلين عن قضية فلسطين، وما يقوم به الكيان الصهيوني، ونحن نعرف بأن المنظمة الدولية تعمل بإرادة الأقوياء وتسير على مبدأ حق القوة، وعدم تطبيق القرارات التي تصدر عنها وغير ذلك، هذه الأمور أوصلت المنظمة الدولية إلى أنها لم تحقق الهدف الكامل لها، ولكن هذا لا يعني أن هنالك خطوات إيجابية لها كما ذكر الدكتور قحطان حسين.

لكن في الوقت الحاضر ما هو البديل؟، أنا أعتقد لا يوجد بديل عن الأمم المتحدة في الوقت الحاضر، البديل هو إصلاح المنظمة من الداخل، وهناك دعوات فكرية وقانونية أيضا وحتى سياسية تدعو لإصلاح هذه المنظمة، ولذلك نلاحظ أن الهند تطالب بأن يكون لها مقعد دائم في الأمم المتحدة، وكذل اليابان تطالب بذلك، والبرازيل حتى تركيا طالبت بذلك.

لماذا تطالب هذه الدول بمقعد دائم في الأمم المتحدة، السبب هو شعورهم بأنهم مهمشون، وأنها قوة دولية كبيرة لكنها مهمشة، فإذا كانت قوة مثل الهند، والبرازيل، واليابان، يشعرون بأنهم مهمشون، فما بالك بدول مثل أرتيريا أو الصومال، لا شيء، كذلك دولة مالي أو غيرها، فالشعور بالتهميش يزداد حتما، وهذا يعني أن المنظمة الدولية اليوم لا بديل عنها ولكن في نفس الوقت هي تعاني من كثير من المشاكل.

وربما إذا استمرت هذه المشاكل التي تعاني منها الأمم المتحدة، كما أشار الدكتور قحطان حسين، فربما نحن ذاهبون باتجاه حرب عالمية ثالثة، وبالتالي يصبح مصير الأمم المتحدة شبيه بمصير عصبة الأمم، ولكن لا يعني ذلك أنه بعد الحرب العالمية الثالثة سيكون هناك بديل آخر ومنظمة جديدة، فربما نعيش شريعة الغالب ويحدث عندنا انتكاس تام في العلاقات الدولية، وليس حالة تطور أو نضج باتجاه تصحيح الأخطاء.

- الشيخ مرتضى معاش:

أبدا من الأسباب التي تقف وراء تأسيس منظمة الأمم المتحدة، وتقسيم الأدوار بين الشرق والغرب، فلماذا لم يستفد الغرب من نهاية الاتحاد السوفيتي، حيث أصبحت القيادة كلها بيد الغرب لوحده، وبذلك بشّر بمفهومين جديدين هما:

الاول مفهوم العولمة، حيث كان الهدف منه، نهاية التاريخ القديم، وبداية تاريخ جديد، وتأسيس نظام عالمي جديد منبثق من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، الثاني تطور الاتحاد الأوربي، كمنظمة متحدة تقترب من أن تكون منظمة دولية، أو حكومة قارّية قد تكود نموذجا لحكومة عالمية.

ولكن العالم وخصوصا الغرب بعد فترة من الزمن انقلب على العولمة، لأنها أصبحت مضرّة أكثر مما هي مفيدة، حيث تصاعدت النزعات العنصرية والعرقية، التي ادت إلى ظهور نزعات الهويات القومية والوطنية بقوة والمطالبة بالانغلاق على الداخل، وأدى ذلك إلى اختلال التجارة العالمية، مع العلم أن أساس العولمة قائم على تطوير قواعد التجارة العالمية بين الدول وانفتاحها وتكاملها، ولكن نفس الغرب انقلبوا على العولمة، لأنهم اعتبروا أن هناك دولا مثل الصين استفادت من قواعد التجارة ولم تستفد هي، فتم الانغلاق الداخلي على مصالحهم وقضاياهم المحلية، وجرى ذلك حتى على دول الاتحاد الاوربي.

بالنتيجة فإن نهاية العولمة هي نهاية نظام عالمي، كان يمكن أن يشكل وحدة عالمية أفضل، وأيضا نهاية مفهوم حقوق الإنسان الذي كانت تنادي به الدول الغربية، ويمكن ان تلاحظ ذلك أنه في آخر شهرين سقطت الليبرالية بمفهومها وادعاءاتها حول حقوق الإنسان وجوهرها، في أرمينيا عندما حدث تطهير جغرافي كامل، وسقطت الادعاءات أيضا في حرب غزة، فاثبتت الليبرالية بأنها زائفة وليست ليبرالية حقيقية كما يدّعون.

الإشكالية الأساسية هي في العقل الغربي الفوقي، فالعقل الغربي لا زال يعمل بمفهوم العوالم، العالم الأول، والعالم الثاني، والعالم الثالث، والعالم النامي، هذه العقلية الطبقية موجودة في العقل الغربي كعقل إقطاعي في حال هو يدعي أن الليبرالية تحررت من مفهوم الإقطاع الرأسمالي السابق، ولكنها بقيت موجودة في عمق الرأسمالية من خلال هذا تكريس التفاوت الطبقي الهائل، وتنويع أساليب الهيمنة وتجددها.

والإشكالية الثانية هو مفهوم السيادة بين الدولة والنظام العالمي، فلم تُحل هذه المشكلة، وأيضا العلاقة بين القانون الدولي والقوانين المحلية، لا يوجد لدينا شيء اسمه قانون دولي، بل لدينا قواعد تضعها الدول الكبرى لضمان مصالحها، فمصدر القانون بحد ذاته هو القانون الطبيعي الذي هو اساس القانون الوضعي المعمول به في كل الدول.

لكن القانون الدولي لا يوجد له أساس يعمل في ضوئه، وإنما هي مجرد قواعد سائلة، متغيرة لا قيمة لها حيث تقوم الدول العظمى بانتهاك هذه القوانين متى ما شاءت وحسب مصالحها المحلية والحزبية، لذلك على سبيل المثال لفهم العقل الغربي في قضية القوانين الدولية، قضية الكراهية والإرهاب، كما لاحظنا الحادثة التي جرت في أمريكا حين تم قتل الطفل المسلم كردة فعل على هجوم حماس، اعتبرت في الغرب حادثة كراهية، لكن هذه الحادثة أدت إلى ردة فعل أخرى حدثت في بلجيكا حيث قام شخص بقتل اثنين من المواطنين السويديين، فوصف كاتب بريطاني في صحيفة الاندبيندت هذا الحادث انه إرهابي، لاحظ هذه العقلية المتناقضة في التعامل مع هذه الأمور.

كذلك قضية حرق القرآن، ومعاداة السامية، فأي شيء يمس اليهود فهو من معاداة السامية بالنسبة لهم، وأي شيء يمس المسلمين فهو حرية تعبير، فهذه الازدواجية في العقل الغربي وخصوصا العقل الغربي الحديث، فالعقل الغربي القديم (أي في زمن الحداثة وما قبل الحداثة) كان له قواعد وعنده ثوابت، وقواعد أخلاقية، أما العقل الغربي الحديث في زمن ما بعد الحداثة فليس لديه قواعد أخلاقية ولا يؤمن بالأخلاق، ولا يؤمن بالعقل، بل يؤمن بالتغير الدائم وتفكيك كل الثوابت.

لذلك هو يعمل حسب ما يؤمن به كل فرد، لذلك لا يمكن أن نقول أن هناك شيئا أسمه ثوابت يمكن أن يتحصّن بها النظام العالمي، وتتحصن بها منظمة الأمم المتحدة.

بالإضافة إلى وجود عامل مهم جدا في قضية الأمم المتحدة والمصالح الموجودة، وهي مصالح الشركات الكبرى، التي لها نفوذ قوي جدا، سواء كانت شركات النفط، أو البنوك العالمية الكبرى، أو شركات الصناعة العالمية الكبرى، فهي الآن أكبر مساهم في اختلال العالم من ناحية ازمة تغير المناخ، وتصاعد التفاوت الاقتصادي بين الدول.

ان تنظيم التجارة يعد من أهم عوامل نجاح التجارة العالمية، من جهة جمع الأطراف وتعاونها، فهذه الشركات لها سطوة هائلة حتى على المؤتمرات التي تنظمها المنظمات الدولية مثل، كوب 28 الذي يعقد في الإمارات حاليا، حيث تعقده الأمم المتحدة كل عام لمواجهة الكوارث المناخية التي تتسبب بها صناعات الشركات الكبرى، لكن الأمم المتحدة لا يمكنها إيجاد التغيير والتحول لايقاف الانحدار المناخي لأن الشركات أقوى من الأمم المتحدة.

بالنسبة إلى الحلول أو البديل، فإنها تكمن فيما يلي:

أولا: تأثير الرأي العام: الدول تقدم مصالح الخاصة الداخلية المحلية على مصالح النظام العالمي، لأن هناك رأي عام لديها، والرأي العام هو الذي يتحكم بالانتخابات، بالنتيجة فإن الرئيس جو بايدن يريد أن يربح الانتخابات لأن اللوبي الصهيوني مؤثر جدا في الانتخابات، فليس مهما بالنسبة له أن يموت الأطفال في غزة، المهم هو أن يحقق مصلحته الانتخابية ومصلحة الحزب الديمقراطي، لذلك فإن الرأي العام فيه تأثير كبير في العالم، ولو أن خوارزميات شبكات التواصل والإنترنيت لها تأثيرها السلبي في توجيه النتائج، ولكن الرأي العام يؤثر كثيرا في فرض التغيرات على تفكير الدول، وبالنتيجة تتجه إلى أن تكون فاعليتها أكبر في منظمة الأمم المتحدة.

ثانيا: تنظيم قواعد التجارة العالمية: حيث إنها قد تكون مؤثرة كثيرة في عمل الأمم المتحدة، فإذا كانت هناك قواعد ناجحة في التجارة بين الدول، فهذا سوف يؤدي إلى مزيد من الاستقرار، وعدم وجود صراعات جيوسياسية، فالصراعات الجيوسياسية أغلبها تجارية، بسبب المحاولة للسيطرة على الأسواق. فإذا تم وضع قواعد تجارية بين الدول وتأسيس نظام تجاري متماسك، فإنه سوف يؤدي إلى تقوية الأمم المتحدة.

كذلك فإن حوكمة الشركات المتمردة على النظام العالمي، وقد أصبحت كارتلات كبيرة جدا اقوى من الدول والمنظمات الدولية، فإن الحوكمة سوف تدخل الشركات في إطار النظام العالمي القائم على التعاون والشراكة.

واخيرا: من الضروري تأسيس تحالفات ومنظمات إقليمية قوية بحيث تؤدي إلى التأثير في منظمات الأمم المتحدة وتكون قوة كبيرة ذات ثقل كبير في التوازنات الدولية وقادرة في التأثير على قرارات الأمم المتحدة.

- الباحث حسن كاظم السباعي:

لو أردنا أن نكون واقعيين فإنَّ منظمة الأمم المتحدة بذاتها ليس لها أي شأن أو قرار وإنما الشأن والقرار هو للقوى الكبرى المجتمعة فيها، وعلى هذا المبنى وُضع الحجر الأساس لتأسيس منظمة الأمم المتحدة؛ وهذا الحجر يسمى "حق الفيتو" لها، ولو لا هذا (الحق) لما كان لهذه المنظمة أن توجد من الأساس أو أن تقوم لها أي قائمة.

من هنا فإنّه وإن حصل سابقا أي دور إيجابي في سبيل السلام أو حلّ الأزمات والنزاعات الدولية فإنما جاء بسبب التنافس القائم بين تلك القوى الكبرى، وذلك ليس حبا للسلام أو كرها للحرب وإنما لفرض السيطرة وإثبات الوجود من قبل إحدى تلك القوى على الأخرى، ولولا هذا التنافس أو التدافع لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا!

وعليه فإنَّه لا يتوقع دورا أكثر من هذا من مؤسسة قامت أساسا لحفظ مصالح القوى الكبرى، ولذلك فإن ذاك الدور-أي صنع التوازن في القرارات الدولية يعتبر بالفعل دور إيجابي بناء على قاعدة "بعض الشيء أفضل من اللاشيء"!

لكن حينما اضمحلت إحدى تلك القوى المتمثلة بالاتحاد السوفيتي المنهار واحتكرت الولايات المتحدة الأمريكية القوى تضاءل هذا الدور بشكل ملحوظ، فرغم الفرح والسرور الذي عمَّ العالم نتيجة حذف المعسكر الشرقي في التسعينيات من القرن الماضي، إلا أنه سرعان ما أدرك الجميع ذلك الفراغ الذي أدى إلى تمركز القوة لدى الغرب نتيجة غياب التعادل النسبي؛ مما أدى إلى المزيد من أعمال العنف في العالم، هذا ناهيك عن غياب سائر القوى المؤثرة آنذاك كحزب المؤتمر الهندي مثلا أو منظمة عدم الانحياز، أو حتى بعض القوى الأوربية المستقلة حينها.

وفي هذا الصدد يحضرني مقولة لياسر عرفات حينما تعرَّض لانتقادات من قبل سائر الفصائل الفلسطينية بسبب تغيره الجذري من مناضل إلى مساوم فأجابهم: كان لنا أخ أكبر يدعمنا في أروقة المنظمات الدولية قد فقدناه الآن!

ويعني به الإتحاد السوفيتي حيث كان اللاعب الرئيسي في ملعب تعادل القوى.

ولا يخفى على أحد أن روسيا الحالية لا تمتلك وزنا مثل السابق في تسعينيات القرن الماضي فلا تحمل أيدولوجيا لتجذب من خلاله حركات التحرر، ولا نفوذا لتتحالف مع أنظمة موالية!، ناهيك عن انها وبسبب أزمتها مع أوكرانيا صارت في عداد الدول التي تحتاج إلى من يشفق عليها!

من هنا وبناء على ما جرى؛ أدى كل ذلك إلى أن يرتفع صوت واحد في الساحة الدولية وتخرس فيه الأصوات الأخرى!

ذلك على الرغم من أن قضية البحث عن العدالة أو منع جميع صور التمييز لا تزال موجودة على مستوى العالمي وبأعلى درجاتها سواء في المجتمعات أو الأنظمة، ومع ذلك وصل الأمر إلى درجة لا يوجد أي ذكر لميثاق الأمم المتحدة الذي كان يعتبر في بداية تأسيسها قفزة حضارية لحل أزمات العالم، بل وأصبح مجلس الأمن اليوم لا يتجرأ حتى أن يصدر قرار المطالبة بوقف إطلاق النار!

وعليه فإنه لا يمكن أن نتوقع من منظمة الأمم المتحدة وسائر الدوائر التابعة لها أن تؤدي حتى ذلك الدور التقليدي القديم أي دور توازن القوى والذي ينتج إلى أن تراقب كل قوة القوة المنافسة لها.

من هنا ومن أجل إعادة هذا الدور -الذي يسمح أحيانا بتنفس الصعداء- لابد من سدّ ذلك الفراغ الحاصل.

مثلا: يمكن للمعتقدات الدينية أن تملأ هذا الفراغ؛ ذلك لأنها الظاهرة الوحيدة التي لاتزال تؤمن بمفردات كالسلم والعدالة والإنسانية وإحقاق الحقوق كما انها لم تتلوث بـ (الثقافات) الدخيلة من خارج الإطار الديني والتي اصطبغت بصبغة دينية إلا أنها بعيدة كل البعد عنها.

فإن تحقق ذلك فإنه سيؤدي إلى نشر بعض الضياء من جديد في هذا الزمن الحالك.

- احمد جويد؛ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

لو أننا نرجع إلى قضية المنظمات الدولية فإنها اُنشئت في القرن العشرين بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، الغرض من إنشاء المنظمات الدولية عدم مجيء شخص مثل هتلر أو موسوليني أو غيرهم لأنه اجتاح جيرانه ويعبر إلى دول أخرى ويقتل ويهدم كيفما يشاء، وحاولوا أن يضعوا صيغة دولية عبر التحالفات لضبط هذه الحالات وقمع هذه الدكتاتوريات.

هذه كانت الفكرة وهي عبارة عن تحالفات دولية للدول القوية وفرض إرادات مغلّفة بغلاف جميل، هو غلاف الحفاظ على الحقوق والحريات، والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وهذه أهداف جيدة جدا، ومن ضمن الأجهزة التابعة للأمم المتحدة جهاز الأمن الدولي مجلس الأمن بأعضائه الخمسة الدائميين.

إذا أردنا تقيم نجاح هذه المنظمة من خلال علاقات الدول التي شكلت مجلس الأمن، فالعلاقة بين دول مجلس الأمن دائما هي علاقة متأزمة، في أزمة خليج كوبا كادت تصل إلى حرب عالمية ثالثة وحدثت الأزمة بين أعضاء مجلس الأمن الدولي أنفسهم، الذين من المفترض بهم أن يحافظوا على السلم والأمن الدوليين.

لكن ما حدث في العقود الأخيرة من ضعف لمجلس الأمن الدولي، هو التصرف الأحادي للولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبعد انهيار جدار برلين استغلت الولايات المتحدة ضعف غورباتشوف في وقتها، وأصدرت قرار حرب الكويت، وحينها امتنعت روسيا عن التصويت، وكان هناك موقف آخر للاتحاد السوفيتي الذي كان حليفا للعراق، حيث اضطر الاتحاد السوفيتي الامتناع عن التصوير ومرّر القرار.

في 2003 أيضا كان هناك قرار أمريكي بريطاني وحشدوا جيوش دول أخرى شكليا، هذه المنظمة أعتقد في الوقت الحاضر تمثل إرادات الدول القوية، وأي مصلحة لا تخرج عن المحاصصة بين هذه الدول، والمساومة حتى على اتخاذ القرارات، نتيجتها لا تبشر بخير من خلال ما يجري الآن في الحرب الأخيرة بغزة، واتخاذ قرارات ضد الفلسطينيين، وما شاهدناه في حرب أوكرانيا حيث قسموا العالم إلى قسمين، ولو أنكم تتذكرون حرب البوسنة بعد أن استمرت إلى تصفية كثير من المسلمين في هذه القارة، وخافوا من القتال في أوربا، وفي حينها تدخلت الأمم المتحدة.

لذا فإن موقف الأمم المتحدة ضعيف، ويمكن القول عنه بأنه موقف منحاز، لا يرقى إلى الأهداف السامية التي شرّع من أجلها، حتى ممثل المجلس الإنسان وكلمة ممثلة أمريكا فإن أغلب دول العالم أداروا ظهورهم أثناء إلقاء الكلمة لأنه لا يعتقدون بعدالة الأمم المتحدة أو حماية أمريكا لحقوق الإنسان.

في فترة من الفترات كانت السعودية فيها قمع كثير، ومع ذلك جعلوها عضوا في مجلس حقوق الإنسان، وهذه قضايا مبنية على المصالح والاقتصاد وغيره.

أما بخصوص البديل، فإذا كان هناك بديل فإن الدول تحاول أن تلعب بالورقة الاقتصادية، ومن الممكن الضغط بالإضافة إلى الرأي العام والقوة الاقتصادية، من الممكن المساومة عبر ذلك، وهذا ما ألمحت له بعض الدول أثناء المؤتمر الدولي في مصر، واعتبروا أن هذه الحرب إذا توسعت في فلسطين وغزة، فسوف تؤثر على الاقتصاد وتؤثر على امدادات الطاقة.

- حامد الجبوري؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:

لاحظت أن أغلب المداخلات ذهبت باتجاه الأمم المتحدة لكنني سوف أبتعد قليلا عن ذلك، وسوف أذهب باتجاه البنك الدولي، خصوصا إننا نعرف بأن أغلب الصراعات تعود إلى أسباب اقتصادية، فمجلس الأمن كما ذكر الأخوة المتداخلون بأنه أداة تنفيذية بيد الأمم المتحدة، حاليا إذا حدث صراع في أي دولة، إذا نرجع إلى السبب فسوف نجده جزء اقتصادي، فتتدخل الدولة بأجهزتها الأمنية المختلفة لتحقيق هذا الأمن، أو فرض الأمن.

وقد نلجأ إلى أسباب أخرى لتحقيق السلم والأمن، في تقديري الأمر لا يتعلق بالمستوى المحلي أو الدولي، يعني إذا لجأنا إلى خلق مؤسسات دولية فاعلة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتحقيق نوع من الاكتفاء الاقتصادي الذي يمثل هدف هذه المؤسسات وصنع رخاء اقتصادي مشترك، وتحسين مستوى المعيشة على المستوى العالمي لكل دول العالم، ومحاربة الفقر، في تقديري هذه الإجراءات سوف تقلل من انخفاض المستوى الاقتصادي وبالنتيجة سوف يحقق السلم والأمن الدوليين.

الاهتمام بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بالإضافة إلى منظمة التجارة العالمية، فهذا سوف يحقق نوعا من التوازن على مستوى البلدان، وبالنتيجة يحقق الأمن الدولي من دون استعمال إكراه أو قوة.

- الباحث حيدر الجراح:

أطرح السؤال التالي وأرجو تثبيته لديك، هل الاعتراض على السلوك أم على ما يترتب عليه؟، وهذا يتعلق بازدواجية المعايير، في 2003 كان العراقيون فرحانين لأن أمريكا سوف تغزو العراق، وحتى بعد 2003 نلاحظ الندوات والملتقيات وغيرها كلها تدور حول الدور الأمريكي في تحرير العراق من نظام صدام حسين.

وكانت هناك مؤتمرات تعقد قبل 2003، قلة كانوا ضد الغزو الأمريكي للعراق، الأصوات الرافضة كانت تتهم في وطنيتها، أنا أحد الناس الذين كانوا مبتهجين بالغزو الأمريكي، وأشعر بالعار لأنني فرحان بالغزو الأمريكي. لكن قبل تغيير النظام، يفتك بالنسيج الثقافي والاجتماعي والاقتصادي لهذا المجتمع.

فيما يتعلق بمصطلح عصبة الأمم المتحدة، فإن سبب نشوب الحروب هو لوجود قوانين تنشأ من العنف، لاحظ المفارقة هنا، فأنت تسن قانون فيه مادة عنيفة لكي تمنع الحرب، هنا سوف تقع في النقيض، كل حديثنا هنا عن المواثيق والقرارات والمنظمات على المستوى السياسي، لكن المنظّر لإنشاء عصبة الأمم ينطلق من الجانب الأخلاقي، بمعنى إذا انهارت الأمم المتحدة في لحظة تاريخية فارقة، إذا ارتفع الوعي لدى الشعوب سوف تتأسس مواثيق ومعاهدات بين الشعوب قبل الحكومات. فتكون هي الضامن الحقيقي لعدم نشوب الصراعات والحروب.

الحكومات بماذا تتصارع، إنها تتصارع بشعوبها، ولا تتصارع بقوى غير مرئية، فإذا كانت هذه الشعوب متفقة على نبذ الحروب وعلى نبذ العنف سنرى أن الحكومات سوف تختار طريق شعوبها.

- الدكتور حسين السرحان؛ أكاديمي وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

الحديث جرى عن الأمم المتحدة باعتبارها الفاعل الأكبر في النظام الدولي من جانب المنظمات، لكن بشكل عام يتضمن النظام الدولي منظمات دولية عالمية الانتماء ومنظمات إقليمية، وهذه المنظمات مختلفة ذات منحى سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، وبعض هذه المنظمات لديها أجهزة متخصصة كثيرة، عندما أسمع وأتابع وألاحظ المواقف الغربية في موضوع الغزو في غزة، الكل مؤيد له بريطانيا وأمريكا وحق الدفاع لإسرائيل عن نفسها، وهذا الدفاع مبني على العنف، ومعظم الدول المؤسسة لهذا النظام الدولي هي تدعم إسرائيل باستخدام العنف للدفاع عن نفسها.

كيف نفسر هذا الموضوع، ولنأت إلى الأمم المتحد ونذكر أحد الأمثلة، يوجد في هذه المنظمة ميثاق ومعاهدة دولية وهي إحدى القواعد الأساسية من القانون الدولي، مشكلة هذه القاعدة القانونية كما هي مشكلة كثير من القواعد القانونية الدولية، هي مشكلة الإلزام، هناك إلزام فيما يخص الفصل السابع، لكن أيضا مرهون بقرارات مجلس الأمن وهو الجهة التنفيذية الأساسية في الأمم المتحدة.

كما نحن نرى اليوم أن هذه المنظمات هي جزء من النظام الدولي تتأثر وتؤثر فيه، لكن من هو الذي يؤثر أكثر طبيعية التوازنات الدولية والإقليمية، أم المنظمات أكثر، من يؤثر في من، من يقود السلوك السياسي للدول المؤثرة والفاعلة إقليميا ودوليا، هل هي المنظمات الدولية أم مصالح الدول؟، كلا فإن التوازنات اليوم المبنية على مصالح الدول هي التي تقود المنظمات إلى حيث تشاء، وهذه مشكلة أساسية.

لذلك لم يعد بعد سنة 90 وحرب العراق وتحرير الكويت في وقتها، والغزو العراقي في 2003 والأحداث التي حدثت في يوغسلافيا وصربيا وغيرها، والصومال والسودان، وأحداث الدول الأفريقية، فصار التحول في النظام الدولي مع انتهاء القطبين، لذا نحتاج إلى أن تتحكم التوازنات الدولية بالنظام الدولي وليس المنظمات الدولة.

فهذه الانتقالة كانت مهمة وأساسية، ودفعت باتجاه المزيد من الصراعات والنزاعات على المستوى الدولي، هل بالإمكان أن نعول على التنظيم الدولي الذي تمثله المنظمات ونترك التوازنات الدولية، كلا لا أتصور أن هذا الموضوع ممكن، ولذلك أنا مع السؤال لماذا لا يمكن إصلاح هذا النظام الدولي، هل يمكن تغييره أو إصلاحه، كلا من الصعب جدا، لأن السبب هو التوازنات الدولية والإقليمية المبنية على أساس المصالح الإقليمية والدولية للفاعلين، حيث حلت محل التنظيم الدولي، أقصد بالتنظيم الدولي المنظمات الدولية الإقليمية والعالمية سياسية أو اقتصادية وغيرها، فهي مبنية على التعاون.

لكن هل هذا النظام الدولي الحالي المبني على التوازنات الدولية، لا حاجة له بهذه المنظمات، كلا، لن فلسفة هذه المنظمات تقوم على فلسفة التعاون، والتعاون ليس بالجانب الأمني فقط، وإنما يتحقق في الجانب الاقتصادي والثقافي والتربوي والاجتماعي وغيره. أوجه التعاون هذه تصنع نوعا من السلام والأمن بين الدول إقليميا ودوليا.

هناك رأي يُطرح أحيانا لماذا السعودية، وهي الأكبر لإنتاج النفط وكذلك العراق، فكل مواقف الدول العربية اليوم المطبعة مع إسرائيل وغير المطبّعة بما فيها العراق ما هو موقفها؟، العالم يتعامل مع حكومات والمؤسسات الدولية، الحكومة العراقية مثلا، في قمة 2002 للجامعة العربية طرح الملك عبد الله المبادرة العربية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وطرح حل الدولتين وهذا هو موقف العراق.

لنفترض اليوم عادت إسرائيل إلى حدود 67، وتم حل الدولتين والعاصمة هي القدس الشرقية، الحكومة العراقية بفواعلها الحالية توافق على ذلك أم لا توافق، هذه هي مواقف الدول العربية المطبعة وغير المطبعة، هل هناك نجاحات لهذا التنظيم الدولي؟

نعم توجد نجاحات، مثل قرار الغذاء مقابل النفط وهو قرار لو ننظر له أنه قرار غير ناجح لأنه أضر بمصالحنا، فهناك من ينظر له بأنه قرار ناجح، ذكر الأستاذ عدنان الصالحي قضية الأغلبية في مجلس الأمن، فالأغلبية الدولية ليست صحيحة.

- الدكتور خالد الخفاجي:

تحدث أمامنا متغيرات كثيرة، سياسية ودولية وأمنية، السؤال ما هي المنظمات الدولية، إنها عبارة عن هيئات ومؤسسات تكون المجتمع الدولي بشكل أساسي، وليس بشكل ثانوي، وتمثل إرادة الجماعة، لذلك أصبحت لها قوة إلزامية عندما أصبحت من أشخاص القانون.

أعتقد في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، ضعفت الدول، فانطلقت المناداة بتشكيل المنظمات الدولية، نلاحظ أن المداخلات اختلفت من حيث الآراء حول هذا الموضوع، مثلا سماحة الشيخ مرتضى معاش أشار إلى أنه لا يوجد قانون دولي، وأنا من خلال تجربتي التدريسية في المغرب أتذكر أستاذ بالقانون الدولي وله عشرات المؤلفات والكتب، ذكر في ذلك الوقت وقال إن القانون الدولي حبر على ورق.

فعندما نأتي وندقق في واقع القانون الدولي نجده فعلا حبرا على ورق، فماذا فعل القانون الدولي، وهو أصلا لماذا وُجِد؟، إنه وُجِدَ لتنظيم العلاقات الدولية على أساس الحقوق والواجبات بين الدول، فأين الحقوق وأين الواجبات وأين التنظيم.

الأهداف والغايات والمصالح التي تأسست من أجلها جمعيّتي العصبة والأمم المتحدة، هو هدف واحد وذلك لحفظ الأمن والسلم الدوليين، ولكن فشلت العصبة بمهامها عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، ثم ظهرت الدعوات لتشكيل الأمم المتحدة، وتم وصف فقرات التأسيس بأنها كُتبت بماء الذهب وبعضها فيها إلزام بالميثاق، لكن أعطني دولة ألزمت بقوانين وقرارات الأمم المتحدة، فقط الدول الضعيفة النامية التزمت، وأمامنا إسرائيل التي مضى على تمردها سبعون عاما وهي تصول وتجول بلا التزام بقرارات الأمم المتحدة.

إذن ببساطة نحن الآن نشهد الوضع السياسي، ونقرأ كبار فلاسفة ومفكري العالم ونجد أن جلستنا هذه هي من أعظم الجلسات، من خلال التوصيات التي تنتج عنا، فأقول إن الأمم المتحدة أثبتت فشلها، ويجب أن تُلغى، ولكن ما البديل؟، هناك إصلاح من الداخل، لكنه صعب جدا كما ذكر الدكتور خالد العرداوي، فالأفضل أن تُلغى، وتؤسَّس بحجة واحدة حيث يكون لها تأييد عالمي كبير، اليابان تركيا ألمانيا كل هذه الدول تريد الانضمام للقوى الكبرى وهي دول تستحق ذلك كونها دول قوية.

الشيء الأول والأساسي الذي استفادت منه الدول المؤسسة للأمم المتحدة، هو تقوية الرئيس، وتقوية الحكومات الاتحادية، وبدأوا يستغلون هذه المنظمة إلى يومنا هذا، أما حفظ قيمة الإنسان فليس الأمم المتحدة هي التي فعلت ذلك، وإنما حفظ قيمة الإنسان بدأت منّا أولا، من الإمام الحسين (عليه السلام) ومن هبوط سيدنا آدم إلى الأرض.

إن قانون حقوق الإنسان في الغرب ظهر قريبا في سنة 45، وهذه القيم أصلا هي قيمنا، لكننا أهملنا ذلك، أما الغرب فأخذها منا واعتمد استخدام القوة أيضا.

- النائب محمد جاسم الخفاجي؛ عضو مجلس النواب العراقي عن محافظة كربلاء المقدسة:

هناك إجماع على عدم فاعلية هذه المنظمات، ولو أننا نسأل هل هناك عدالة في العالم، الجواب لا توجد عدالة، وهؤلاء متصدين لتحقيق العدالة ويعملون ضدها، وهم يدعون نصرة الشعوب والمظلومين وكل هذه المسميات الرنانة، لكن لم يتحقق شيء من هذا بل على العكس نلاحظ الظلم والدمار والخراب والطبقية، على حساب الشعوب.

ولكن قد تكون هناك منظمات فاعلة فلا نريد أن نغبن حقها، ولكن بشكل عام هي عكس ذلك مثل منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كيف تشكل مجلس الأمن، وخاصة ما يتعلق بحق الفيتو المخصص للدول العظمى فقط، أو الدول التي انتصرت في الحربين الأولى والثانية، وأصبح لها حق النقض الفيتو، فهي محاولة لمحورية الإدارة لهذه الدول.

فهي عملية لإدارة موارد البلدان الضعيفة، وخلق قوى يصفها بعضهم بأنها قوى متوحشة، وأبسط مثال ما نعيشه اليوم حول قضية فلسطين، مع أن الصراع مستمر من القرن الماضي، ولا تزال هذه المنظمات فاشلة في وضع حد لهذا الصراع.

أما عملية الإصلاح فانها تكون من الداخل، لكن أعتقد أن هذه العملية صعبة ومعقدة جدا، لكن في حقيقة الأمر هناك منظمات غير فاعلة وأخرى فاعلة فيما يخص قضاياهم وما ينفعهم سواء الداخلية أو الخارجية، ولدينا أمثلة التعامل مع فلسطين أو أوكرانيا وغيرهما الكثير.

ثم ختم الدكتور حميد الهلالي هذه الندوة قائلا: يوجد هناك إلزام بحتمية موافقة ثلثيّ أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص قرارات مجلس الأمن، كما هو الحال مع دستورنا الذي لا يعدَّل إلا إذا اعترضت ثلاث محافظات حول فقرة معينة يراد تعديلها، وأكثرية الدول هي ضمن محور أمريكا، لذا رجعنا إلى النقطة الصفر، حيث لا يمكن تعديل أي قانون كما أشار الدكتور خالد الخفاجي، كما أننا نحتاج إلى معجزة لتغيير نظام الأمم المتحدة، ويبقى مجلس الأمن هو أداة للدول المتصارعة شئنا أم أبينا.

..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2023
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق