q
بعد 25 يوما من القصف المستمر الذي أدى إلى مقتل أكثر من 3,500 طفل وإصابة أكثر من 6,800 طفل بجراح. ويعني هذا مقتل أو إصابة أكثر من 400 طفل يوميا، لمدة 25 يوما متتالية. وشددت المنظمة على أن ذلك لا يمكن أن يصبح الوضع الطبيعي الجديد وفقدان أثر 1000 طفل...

في صورة لا تنسى وقديمة قدم البشرية تحتضن امرأة طفلا وهي جاثية، لكن هذه المرة وفي تحول بالغ الكآبة عن المعتاد المرأة تحتضن جثمانا صغيرا ملفوفا بالكفن بقوة في لحظة صمت وحزن عميق.

والمرأة المحجبة تدفن رأسها في الجثمان، الذي لم نعلم من الصورة في البداية إن كان لطفل إم لطفلة، فلا نعلم من هي. بحسب رويترز.

هذا الجثمان الصغير واحد من آلاف فقدوا أرواحهم في حرب إسرائيل وحماس. أغلبهم لن نعرف أسماءهم وسيخلف فراقهم حزنا لباقي العمر في قلوب ذويهم الذين لن نقابلهم أبدا.

تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن 20 طفلا في المتوسط يقتلون أو يصابون بعاهات مستديمة يوميا في الحروب على مستوى العالم في القرن الحادي والعشرين.

رأى مصور رويترز محمد سالم هذا المشهد في مشرحة مستشفى ناصر بخان يونس في جنوب قطاع غزة يوم 17 أكتوبر تشرين الأول حيث يبحث سكان عن ذويهم المفقودين.

ورأى سالم المرأة وهي جاثية على ركبتيها على الأرض في المشرحة تبكي وتحتضن الجثمان بقوة.

وقال "كانت لحظة مؤثرة وحزينة وشعرت بأن الصورة تلخص الشعور العام لما يحدث في قطاع غزة... الناس مرتبكون.. يركضون من مكان إلى آخر.. متلهفون لمعرفة مصير أحبائهم ولفتت انتباهي هذه المرأة وهي تحمل جثة الطفلة الصغيرة وترفض تركها".

لحظة كان لها تأثير خاص أيضا بالنسبة لسالم الذي أنجبت زوجته طفلهما قبل أيام قليلة.

وفي قطاع غزة الذي انقطعت فيه الاتصالات أصبحت معرفة مكان الأشخاص مهمة مليئة بالصعوبات. لكن بعد أسبوعين من التقاط الصورة، تمكنت رويترز من تعقب المرأة الموجودة في الصورة وإجراء مقابلة معها في منزلها بخان يونس.

إنها إيناس أبو معمر، والجثة التي كانت تحملها في الصورة هي سالي ابنة أخيها البالغة من العمر خمس سنوات.

وهرعت إيناس إلى منزل عمها عندما سمعت أنه تعرض للقصف ثم توجهت إلى المشرحة.

وقالت "فقدت الوعي عندما رأيت الفتاة، أخذتها بين ذراعي... طلب مني الطبيب أن أتركها.. لكنني طلبت منهم أن يتركوها معي".

ووالدة سالي وشقيقتها، وكذلك عم إيناس وعمتها قتلوا. وكان لسالي منزلة خاصة لدى إيناس فقد اعتادت أن تذهب إلى منزل جدتها وهي في الطريق إلى روضة الأطفال وتطلب من عمتها التقاط صور لها.

وقالت إيناس "معظم مقاطع الفيديو والصور الموجودة على هاتفي المحمول لها".

وكان أحمد شقيق سالي البالغ من العمر أربع سنوات خارج المنزل عندما تعرض للقصف ونجا.

ويعيش أحمد الآن مع إيناس التي تقول إن ليس لديه رغبة تذكر في اللعب وإنه نادرا ما يتكلم إلا عندما يسأل عن مكان أخته سالي.

آثار مروعة على الأطفال

منظمة اليونيسف أعربت عن الفزع إزاء الهجوم على مخيم جباليا للاجئين، وقالت: "فيما لا توجد لدينا تقديرات للخسائر التي خلفها الهجوم على الأطفال، إلا أن المنازل قد سويت بالأرض، ويبدو أن المئات أصيبوا وقتلوا، وتفيد التقارير بأن العديد من الأطفال كانوا من بين الضحايا".

وجاء الهجومان على المخيم، يومي الثلاثاء والأربعاء، بعد 25 يوما من القصف المستمر الذي أفادت التقارير - كما قالت اليونيسف - بأنه أدى إلى مقتل أكثر من 3,500 طفل - لا يشمل عدد ضحايا يوم الأربعاء- وإصابة أكثر من 6,800 طفل بجراح.

ويعني هذا مقتل أو إصابة أكثر من 400 طفل يوميا، لمدة 25 يوما متتالية. وشددت المنظمة على أن ذلك لا يمكن أن يصبح الوضع الطبيعي الجديد.

وذكرت اليونيسف أن مخيمات اللاجئين ومستوطنات النازحين داخليا والمدنيين الذين يقيمون بها يتمتعون بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني. وقالت إن على أطراف النزاع واجبا يحتم احترامهم وحمايتهم من الهجوم.

وقالت المنظمة الأممية المعنية بالطفولة إن الهجمات بهذا الحجم على الأحياء السكنية المكتظة بالسكان يمكن أن يكون لها آثار عشوائية وغير مقبولة على الإطلاق.

وأضافت أن الأطفال قد تحملوا الكثير بالفعل، وشددت على ضرورة أن يتوقف قتل واحتجاز الأطفال. وأكدت ضرورة ألا يكون الأطفال هدفا للهجمات.

وكررت اليونيسف دعوتها العاجلة لجميع أطراف الصراع للوقف الفوري لإطلاق النار لأغراض إنسانية، وضمان حماية جميع الأطفال، وإتاحة الوصول الإنساني الآمن ودون عوائق لتوصيل المساعدات المنقذة للحياة على نطاق واسع في جميع أنحاء قطاع غزة، وفقا للقانون الدولي الإنساني.

وقال سليم عويس، مسؤول الإعلام في مكتب اليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "هناك أكثر من 100 من الأطفال الخدج في أقسام العناية المركزة، منهم من هم على أجهزة التنفس. وهم معرضون لخطر الموت إذا لم تتوفر الكهرباء. لذلك يجب إدخال المساعدات بدون عوائق.

تحدث السيد سليم عويس عن خطر الأمراض الذي يواجه الأطفال في غزة بسبب شرب المياه المالحة، حيث قال:

"ما سمعناه من زملائنا في غزة هو إنهم اضطروا إلى إعطاء أطفالهم المياه المالحة خلال الأيام العشر الماضية، وإن علامات الجفاف بدأت تظهر عليهم، وقد أصيبوا بالإسهال، وهذا يشكل خطرا على صحتهم بسبب الجفاف، وأيضا بسبب انتقال الأمراض المعدية التي تنتقل عن طريق شرب المياه غير النظيفة وهذا أمر يثير قلقنا".

وقال إن اليونيسف أدخلت كميات من المياه عبر الحدود وكانت منقذة للحياة "ولكننا بحاجة إلى أن تكون هذه المساعدات بشكل أكبر ومستمر. يجب علينا أن ندخل المزيد من الماء ومواد تنقية وتحلية المياه إلى داخل غزة كي نتمكن من مواجهة أزمة المياه والتي هي بالفعل موضوع صعب".

وتحدث سليم عويس عن التقارير التي تفيد بفقدان المئات من الأطفال إما لأنهم عالقون تحت الأنقاض أو ماتوا تحتها بانتظار إنقاذهم أو انتشال جثثهم:

"أعتقد أن هذا أمر مخيف لأننا نتحدث عن أكثر من 1900 شخص من العالقين تحت الركام. إنه لأمر مرعب بأن نفكر بوجود أطفال عالقين تحت الركام أحياء أو أموات. مرة أخرى يجب إيلاء الأطفال الحماية التي يحتاجونها. يجب حماية البنى التحتية المدنية وعدم التعرض لها".

ظلت اليونيسف تؤكد دائما أن الأطفال في غزة وفي أي مكان في العالم ينبغي ألّا يكونوا هدفا. ووجه سليم عويس رسالة إلى الأطراف قائلا:

"يجب عليهم أن يسمعوا أصوات الأطفال، وهذا ما نفعله من خلالكم ومن خلال القنوات الرسمية: أن نوصل أصوات هؤلاء الأطفال وحقهم في الحياة. نحاول ونناشد، بكل الجهود وعلى كل المستويات، وقف هذا العنف لأن الحل الوحيد لحماية الأطفال هو وقف العنف. العنف ليس حلا. لم ولن يكون حلا في أي ظرف، ويجب إيقاف النزاع. الأطفال ليسوا أهدافا في أي مكان".

في المؤتمر الصحفي الدوري لوكالات الأمم المتحدة في جنيف، قال جيمس ألدر المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إنه تم الإبلاغ عن فقدان أثر 1000 طفل، ربما يكونون محاصرين أو ماتوا تحت الأنقاض بانتظار إنقاذهم أو انتشال جثثهم.

وقال يانس لاركيه المتحدث باسم المكتب إنه من الصعب التفكير في الأطفال وهم مدفونون تحت الأنقاض في ظل احتمالات ضئيلة للغاية لإخراجهم.

وأكد جيمس ألدر المتحدث باسم اليونيسف أن التهديدات التي يتعرض لها الأطفال تتجاوز القنابل وقذائف الهاون. وقال إن وفيات الرضع بسبب الجفاف تشكل "تهديدا متزايدا" في غزة، حيث يقدر إنتاج المياه بخمسة بالمائة من الكم المطلوب، وذلك بسبب تعطل أو تضرر محطات تحلية المياه أو افتقارها إلى الوقود.

وأضاف أن الآثار التي يتحملها الأطفال ستستمر لعقود قادمة، بعد توقف القتال، بسبب الصدمات المروعة الناجمة عن الوضع الحالي.

واستشهد ألدر بمثال ابنة أحد موظفي اليونيسف في غزة البالغة من العمر أربع سنوات والتي بدأت بإيذاء نفسها بسبب التوتر والخوف اليومي، في حين قالت والدتها لزملائها: "ليس لدي ترف التفكير في الصحة النفسية لأطفالي، أحتاج فقط إلى إبقائهم على قيد الحياة".

وكرر ألدر الدعوة "بالنيابة عن 1.1 مليون طفل في غزة ممن يعيشون في هذا الكابوس"، للوقف الفوري لإطلاق النار لأغراض إنسانية وفتح جميع نقاط الوصول لدخول المساعدات الإنسانية بشكل مستدام.

وصمة عار على ضميرنا الجماعي

ودعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إلى الوقف الفوري لإطلاق النار لأغراض إنسانية، ووصول الإغاثة بشكل مستدام ودون عوائق إلى قطاع غزة. وقالت أديل خضر المديرة الإقليمية لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن "قتل وتشويه الأطفال واختطافهم، والهجمات على المستشفيات والمدارس، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، تشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الأطفال".

وأضافت خضر أن "الوضع في قطاع غزة يشكل وصمة عار متزايدة على ضميرنا الجماعي. إن معدل الوفيات والإصابات بين الأطفال صادمة".

وأعربت عن مخاوفها إزاء احتمال تزايد عدد القتلى ما لم يتم تخفيف التوتر والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء والمياه والإمدادات الطبية والوقود.

وناشدت اليونيسف بشكل عاجل جميع الأطراف الاتفاق على وقف إطلاق النار لأغراض إنسانية والسماح بوصول المساعدات، وإطلاق سراح جميع الرهائن.

وقال بيان المنظمة المعنية بحقوق ودعم الأطفال، إن الضفة الغربية شهدت أيضا ارتفاعا مثيرا للقلق في عدد الضحايا، حيث أفادت التقارير أن حوالي 100 فلسطيني قُتلوا من بينهم 28 طفلا، وأصيب ما لا يقل عن 160 طفلا بجراح.

الشعب الفلسطيني معرض لخطر الإبادة الجماعية

وفي سياق متصل حذر خبراء أمميون مستقلون من أن الوقت ينفد لمنع "الإبادة الجماعية والكارثة الإنسانية" في غزة، معربين عن الإحباط العميق من "رفض إسرائيل وقف خطط تدمير قطاع غزة المحاصر" حسبما جاء في بيانهم.

وقال الخبراء المستقلون في بيان مشترك "ما زلنا مقتنعين بأن الشعب الفلسطيني معرض لخطر الإبادة الجماعية".

وأضافوا أن وقت العمل قد حان الآن، وقالوا إن: "حلفاء إسرائيل يتحملون أيضا المسؤولية ويجب عليهم التصرف حالا لمنع نتائج مسار عملها الكارثي" على حد قولهم.

وأعرب الخبراء عن "الرعب المتزايد" من الغارات الجوية الإسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين شمال غزة منذ ليلة 31 تشرين الأول/أكتوبر التي قتلت وأصابت مئات الفلسطينيين، ووصفوها بأنها انتهاك فاضح للقانون الدولي.

وأضافوا "تعد الغارة الجوية الإسرائيلية على مجمع سكني في مخيم جباليا للاجئين انتهاكا صارخا للقانون الدولي وجريمة حرب".

وأشاروا إلى أن مهاجمة مخيم يأوي المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال هو "انتهاك كامل" لقواعد التناسب والتمييز بين المقاتلين والمدنيين.

ورحب الخبراء بقرار الجمعية العامة بشأن حماية المدنيين والتمسك بالالتزامات القانونية والإنسانية، الذي وافقت عليها أغلبية ساحقة من الدول الأعضاء في 27 تشرين الأول/أكتوبر. وقالوا إنهم تلقوا القرار بأمل، "لكن هناك حاجة للتحرك الآن".

وحذر الخبراء من أن "جميع الإشارات تدل على أننا وصلنا إلى نقطة الانهيار"، مشيرين إلى صور لأشخاص "يتخاطفون بيأس" الدقيق وغيره من الضروريات من مستودع الأمم المتحدة في 29 تشرين/أكتوبر، والأخبار المثيرة للقلق بشأن اضطرار الأطفال لشرب مياه البحر في غياب المياه النظيفة، والتقارير المقلقة عن مرضى من بينهم أطفال يخضعون لعمليات جراحية دون تخدير، والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن النازحين الذين يعيشون في الخيام لأن المنازل تحولت إلى أنقاض.

وأضاف الخبراء أن الوضع في غزة وصل إلى "نقطة تحول كارثية"، منبهين إلى الحاجة الماسة للغذاء والماء والدواء والوقود والإمدادات الأساسية والمخاطر الصحية التي تلوح في الأفق.

وقال الخبراء إن غياب الوقود وتعطيل البنية التحتية للمياه بسبب القصف المستمر على مدى ثلاثة أسابيع قد دمر إمكانية الوصول إلى مياه شرب آمنة للسكان في غزة.

اضف تعليق