يُجمع خبراء غربيون على أن الجنود الروس الذي يتراوح عددهم بين 150 ألفًا ومئتيْ ألف فشلوا في دخولهم الحرب، مفترضين أن المقاومة الأوكرانية ضعيفة، ومن دون إعطاء أهمية لاحتياجاتهم اللوجستية. ولم يتمكّن الجيش الروسي من تحقيق تفوّق جوّي في سماء أوكرانيا، ما يُعدّ خطأ في التكتيك...

بعدما فشل في تحقيق مكاسب سريعة في بداية غزوه لأوكرانيا، لا يزال الجيش الروسي يسعى لتحقيق انتصارات عسكرية حاسمة بعد شهر من دخوله الحرب، ويبدو أنه يخوض حرب استنزاف مدمرة للسكان المدنيين في أوكرانيا.

وبحسب واشنطن، كثّفت روسيا عملياتها الجوية والبحرية في أوكرانيا في مواجهة مقاومة القوات الأوكرانية التي تواصل محاولة كبح تقدّم العدو.

وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية "ما نراه هو محاولة يائسة من الروس لاستعادة الزخم"، فيما لا تزال القوات الروسية عالقة على بعد 15 كيلومترًا في شمال غرب كييف و30 كيلومترًا في شرق العاصمة الأوكرانية.

وكان يبدو أن الاستيلاء على كييف هو الهدف الأوّل للروس حين عبروا الحدود الأوكرانية في 24 شباط/فبراير بهدف إسقاط نظام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

لكن يُجمع خبراء غربيون على أن الجنود الروس الذي يتراوح عددهم بين 150 ألفًا ومئتيْ ألف فشلوا في دخولهم الحرب، مفترضين أن المقاومة الأوكرانية ضعيفة، ومن دون إعطاء أهمية لاحتياجاتهم اللوجستية.

ولم يتمكّن الجيش الروسي من تحقيق تفوّق جوّي في سماء أوكرانيا، ما يُعدّ خطأ في التكتيك.

ويرى ضابط فرنسي سابق أن "الروس يفتقرون سياسة قيادة وسيطرة حقيقية"، مشيرًا إلى نقص في التنسيق بين القوات الجوية والبرية وإلى ضعف دقّة الضربات الجوية".

حرب الحصار

وتشير مصادر في الاستخبارات الأميركية، حسبما نقلت عنها صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن الروس قد يكونون خسروا أكثر من سبعة آلاف جندي خلال شهر، أي حصيلة ضحايا أكبر من تلك التي سجّلتها الولايات المتحدة في صفوف جيشها خلال قتالها في العراق وفي أفغانستان.

وأكّدت كييف من جهتها في 12 آذار/مارس أنها خسرت 1300 جندي أوكراني، وهو رقم يُرجّح أنه أقلّ من الحصيلة الحقيقية.

وفي ظلّ عدم إحراز تقدم كبير، يبدو أن الهجوم الروسي قد تحوّل إلى حرب حصار تهدف إلى ترهيب وإضعاف معنويات الأوكرانيين الذين ترك 10 ملايين منهم منازلهم.

ويقول مصدر أوروبي مقرّب من حلف شمال الأطلسي، لوكالة فرانس برس "كلّما تقدّم الجيش الروسي، ازدادت عملياته عنفًا استخدامه غير المتناسب للسلاح الجوي".

ويضيف المصدر "بوتين يحتاج إلى اتفاق، لذلك يحتاج إلى تحقيق انتصارات".

يقصف الروس من دون توقّف المراكز المُدُنية في شمال أوكرانيا مثل خاركيف، ثاني أبرز مدينة في البلاد، فيما يمارسون ضغوطًا متزايدة على مدن الشرق والجنوب.

ولا تزال مدينة ميكولايف (جنوب غرب)، وهي آخر معبر استراتيجي قبل الوصول إلى ميناء أوديسا، تتعرض للقصف.

زخم من أجل المساومة السياسية

وفي مدينة ماريوبول الجنوبية، وهي مدينة ساحلية كبيرة محاصرة وتتعرض للقصف منذ أسابيع، لا يزال 100 ألف شخص من السكان عالقين في مساحات مدمّرة مليئة بالجثث وينقصهم كل شيء. ويكشف ذلك عن الثقل الاستراتيجي لمدينة ماريوبول بالنسبة للروس، فالاستيلاء على ماريوبول سيسمح لهم بإنشاء جسر بري بين قواتهم في شبه جزيرة القرم في جنوب غرب البلاد وأراضي دونباس الانفصالية الموالية لروسيا في الشرق.

وفي هذه المنطقة، ينوي الروس محاصرة القوات الأوكرانية لمنعها من الوصول إلى باقي أنحاء البلاد.

وكتب الخبير في شؤون الجيش الروسي مايكل كوفمان عبر تويتر "قد يكون الفصل التالي من هذه الحرب أكثر قبحًا لأن من المحتمل أن تتحول إلى حرب استنزاف، مع تكثيف قصف المناطق المدنية ... ومن المحتمل أن تحاول القوات الروسية التعويض عن الأداء الضعيف من خلال إحداث مزيد من الدمار".

ويرى مدير البحوث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ويليام ألبيركي، في حديث مع وكالة فرانس برس، أن "حرب الاستنزاف هي المسار الأكثر الأكثر احتمالًا" حدوثه، بحيث "قد يكثّف (الروس) من أساليب الحصار الإرهابية مثلما حصل مع حلب أو غروزني".

ويحذّر من تغيير الروس لاستراتيجيتهم إذ إن "الاستمرار في التقدّم جنوبًا وشرقًا سيُكسبهم أكبر زخم ممكن من أجل المساومة السياسية. سوف يستخدمون وقف إطلاق النار لتعزيز قواتهم".

ويعتبر أن "الأسوأ هو أن رغبتنا في وقف معاناة الشعب الأوكراني يمكن أن تساعد الروس. إنهم يعتمدون على رغبتنا في رؤية السلام كفرصة".

فشل استراتيجي لروسيا

من جهته حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن القوات الروسية من "التقدم إنشًا واحدا داخل أراضي حلف شمال الأطلسي"، واصفًا النزاع في أوكرانيا بأنه "فشل استراتيجي" لروسيا، خلال خطاب ألقاه في العاصمة البولندية وارسو حيث التقى مسؤولين ولاجئين أوكرانيين.

ووصف مقاومة أوكرانيا في مواجهة القوات الروسية بأنها جزء من "معركة عظيمة من أجل الحرية"، داعيًا العالم إلى الاستعداد "لمعركة طويلة"، مضيفًا في اشارة الى نظيره الروسي "بحقّ الله، لا يمكن لهذا الرجل البقاء في السلطة".

ولاحقا، اوضح البيت الابيض ان بايدن لم يدع الى "تغيير النظام" في روسيا.

وفي وقت سابق، التقى بايدن لاجئين أوكرانيين تستضيفهم بولندا وبدا متأثرا بما رآه، ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "جزار".

وردا على سؤال عن إعلان القيادة الروسية نيتها "تركيز معظم جهودها على الهدف الرئيسي: تحرير دونباس"، قال الرئيس الأميركي إنه "غير متأكد" من أن ذلك يعني تغييرا حقيقيا في استراتيجية الحرب الروسية.

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، ردًا على تصريحات بايدن بعد ظهر السبت، لوكالة "تاس" للأنباء "على اي رئيس دولة أن يبقى حذرًا" مضيفًا "وطبعًا، كلّ مرة، تضيّق الإهانات الشخصية من هذا النوع نطاق علاقاتنا الثنائية مع الحكومة الأميركية الحالية".

وأكّد وزير الدفاع الروسي السبت أن روسيا لا تخطط لاستدعاء جنود احتياط للقتال في أوكرانيا، مستنكرًا "الدعوات المزيّفة" التي يتلقاها الروس والتي تنسب الدولة مصدرها للاستخبارات الأوكرانية.

من جانبه اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي روسيا بتأجيج سباق تسلح خطير بتلويحها باستخدام السلاح النووي، خلال مداخلة عبر الفيديو أمام مؤتمر سياسي في الدوحة.

وطالب الرئيس الأوكراني قطر بزيادة انتاج مواردها من الطاقة وخصوصا الغاز للتعويض عن إمدادات الطاقة الروسية والتصدي للتهديدات الروسية باستخدام الطاقة "لابتزاز العالم".

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن لنظيره البولندي أندري دودا خلال زيارة إلى وارسو إن الولايات المتحدة تعتبر البند الخامس من معاهدة حلف شمال الأطلسي الخاصة بالدفاع المشترك "واجبًا مقدسًا".

وقال بايدن لدودا "يمكنكم الاعتماد على ذلك... من أجل حريّتكم وحريّتنا"، فيما قال الرئيس البولندي إن مواطنيه يشعرون "بتهديد كبير" من جراء النزاع الدائر في أوكرانيا.

وامام لاجئين اوكرانيين في وارسو، وصف بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه "جزار، نظرا لما يفعله بهؤلاء الناس".

ميدانيا، أعلن حاكم منطقة لفيف في غرب أوكرانيا أن المنطقة قُصفت مرّتين من قبل القوات الروسية، ما أسفر عن إصابة خمسة على الأقلّ بجروح. ورأى مراسلو وكالة فرانس برس دخانًا أسود وألسنة نار تتصاعد فوق حيّ سكني في لفيف.

وكانت رئاسة أركان الجيش الأوكراني اكدت "إلحاق خسائر جسيمة بالمحتل الروسي" في منطقة دونيتسك ولوغانسك، أكبر مدينتين في دونباس حيث أعلنت موسكو تركيز هجومها من الآن فصاعدا. وأعلنت القيادة العسكرية الأوكرانية إسقاط ثلاث طائرات وتدمير ثماني دبابات ومقتل حوالى 170 جنديا من الجانب الروسي.

من جهتها أفادت وزارة الدفاع الروسية عن معركة للسيطرة على قريتي نوفوباخموتيفكا ونوفوميخايليفكا قرب دونيتسك.

كما ذكرت الوزارة أن صواريخ من طراز كاليبر دمرت مستودع اسلحة وذخائر في منطقة جيتومير قرب قرية فيليكي كوروفينتسي إلى غرب كييف في 25 آذار/مارس، كما أصيب مستودع وقود قرب مدينة ميكولاييف (جنوب) بحسب المصدر ذاته.

وينبغي مقاربة هذه الأرقام بحذر في ظل حرب المعلومات الشديدة الجارية بين الطرفين، وسط صعوبات كبرى في التثبت مما يجري على الأرض من مصدر مستقل، بعد أكثر من شهر على بدء الغزو الروسي.

مصير الجنرالات

ويخيم غموض على مصير الجنرالات الروس الذين قتلوا في أوكرانيا وعددهم سبعة بحسب كييف، وآخرهم الجنرال ياكوف ريزانتسيف وفق مسؤولين غربيين طلبوا عدم كشف اسمائهم، فيما أقرت موسكو بمقتل جنرال واحد.

كما ذكرت المصادر أن جنرالا آخر هو فلاديسلاف يرشوف أقيل من مهامه بقرار من الكرملين بسبب الخسائر الفادحة في صفوف القوات الروسية، في وقت تحدثت وسائل إعلام أوكرانية عن "حملة تطهير" على ارتباط بالخسائر الروسية. لكن هذه المسألة أيضا تبقى غامضة.

وفي هذا السياق، ظهر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لأول مرة منذ أسبوعين، في مشاهد تم بثها السبت في روسيا، بعدما أثار غيابه تساؤلات عمل الكرملين على تبديدها. كما نفت موسكو تكهنات حول وضعه الصحي.

واعلنت وزارة الدفاع ان المعلومات عن "تعرض سيرغي شويغو لنوبة قلبية اضطرته الى عدم الظهور علنا خاطئة تماما".

وخارج منطقة دونباس، يتواصل الهجوم الروسي.

اضف تعليق