يطمح المغرب الذي يعدّ أول منتج لمخدر الحشيشة في العالم إلى الاستفادة من زراعة القنب الهندي في الاستعمالات الطبية والصناعية، بعد أن صادقت الحكومة الخميس على مشروع تقنين هذه الزراعة المدرة لثروة يحتكرها حاليا مهربو المخدرات، يراهن المشروع على استغلال الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي...

يطمح المغرب الذي يعدّ أول منتج لمخدر الحشيشة في العالم إلى الاستفادة من زراعة القنب الهندي في الاستعمالات الطبية والصناعية، بعد أن صادقت الحكومة على مشروع تقنين هذه الزراعة المدرة لثروة يحتكرها حاليا مهربو المخدرات.

يراهن المشروع على استغلال "الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع"، و"استقطاب الشركات العالمية المتخصصة في هذا الميدان". بينما يظل استعمالها لأغراض "ترفيهية" محظورا، كما يسعى إلى "تحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات". بحسب فرانس برس.

ويقول عالم الاجتماع خالد مونا لوكالة فرانس برس إن تبني هذا المشروع "نهاية محظور سياسي وتتويج لحركية أطلقت قبل 15 عاما من أعلى هرم الدولة".

هذه أول مرة تتبنى فيها السلطات رسميا مشروعا لتقنين زراعة القنب الهندي لاستعمالات مشروعة، بعدما ظل الموضوع يثير جدلا واسعا منذ سنوات. وهو صار الآن في انتظار تبنيه من طرف البرلمان.

ظلت زراعة هذه النبتة شائعة في عدة مناطق مغربية، وتحوّل أوراقها إلى مخدر "الكيف" التقليدي. لكنها منعت العام 1954 دون أن تختفي عمليا حيث بقيت تزرع بشكل غير قانوني في المناطق الشمالية، ليستخرج منها مخدر الحشيشة الذي يتولى المهرّبون نقله إلى أوروبا أساسا، وصنف التقرير السنوي لمكتب الأمم المتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة العام الماضي المغرب أول منتج لهذا المخدر في العالم.

أما المساحة التي تغطيها هذه الزراعة فقدرت العام 2019 بحوالي 55 ألف هكتار، وفق ما أوردت وكالة الأنباء المغربية في ملف حول الموضوع الذي يثير اهتماما إعلاميا واسعا. وهو ما يفوق تقديرات الأمم المتحدة للعام 2018 (نحو 47 ألف هكتار).

نقلت وكالة الأنباء المغربية عن خبراء قولهم إن "المملكة تتوفر على مؤهلات في هذا المجال لا يمكن إنكارها من قبيل نظام بيئي ملائم (التربة والمناخ)، والقرب من السوق الأوروبية الصاعدة، فضلا عن الدراية الموروثة التي يتمتع بها الفلاحون".

ويشير عالم النباتات إسماعيل عزا لوكالة فرانس برس "لا يكتسي الأمر أي صعوبة على المستوى العملي، يكفي استعمال بذور مناسبة والبدء بزراعتها" بمجرد أن تتم المصادقة على القانون.

وكالة متخصصة

لا تتوفر معطيات رسمية حول حجم منتوج القنب الهندي، الذي يستعمل حاليا فقط في استخراج مخدر الحشيشة. لكن دراسة للشبكة المستقلة "المبادرة العالمية ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود" قدّرته العام الماضي بحوالي 700 طن، بقيمة إجمالية تقارب 23 مليار دولار، من جهتها تعلن السلطات المغربية من حين لآخر عن إحباط محاولات لتهريب مخدر الحشيشة بكميات تقارب أحيانا 10 أطنان. وبلغ مجموع الشحنات التي تم ضبطها العام الماضي نحو 217 طنا، يوكل المشروع تدبير هذه الزراعة إلى وكالة متخصصة تسلم تراخيص للمزارعين، في مناطق محددة سيتم حصرها لاحقا. كما يعهد إليها بمراقبة احترام مستوى المادة المخدرة، وينبه النص إلى أن زراعة القنب الهندي ستكون مشروعة فقط "في حدود الكميات الضرورية لتلبية حاجيات إنتاج مواد لأغراض طبية وصيدلية وصناعية".

كما يشترط على المزراعين المرخص لهم الانخراط في تعاونيات، مع "إجبارية استلام المحاصيل من طرف شركات التصنيع والتصدير"، تحت طائلة عقوبات، وتوقع الموقع الإخباري شبه الرسمي "لو360" أن تكون منطقة كتامة في جبال الريف (شمال) ضمن المناطق المرخص لها بممارسة هذه الزراعة، وقد اشتهرت بها تاريخيا كما اشتهرت بكونها المصدر الرئيسي للحشيشة المستمدة من بذور محلية "بلدية" (أصيلة).

تعول المملكة على استغلال "التطور المتزايد للسوق العالمي للقنب الطبي" مع متوسط توقعات نمو يقدر بـ60 بالمئة في أوروبا و30 بالمئة عالميا، استنادا لما ورد في مشروع القانون الذي أعدته وزارة الداخلية، وأشارت وكالة الأنباء المغربية إلى أهمية "استغلال هده الفرص بسرعة بالنظر إلى الوتيرة السريعة التي يتقدم بها تقنين القنب الهندي في العالم، سواء منه الترفيهي أو الطبي، وخاصة في أوروبا".

من جهته يلفت خالد مونا إلى أن مشروع القانون قدم "بعد أقل من ثلاثة أشهر على قرار الأمم المتحدة سحب القنب الهندي من لائحة المخدرات الأكثر خطورة"، ما يدل على مدى اهتمام الرسمي بالموضوع، ويمهد القرار الأممي الطريق أمام الاستعمالات الطبية لهذه النبتة.

يعول على التقنين أيضا "لتطوير مستوى عيش الساكنة، التي تظل خاضعة لجو من الخوف من الملاحقة القضائية، ولغياب أي نشاط للشباب، بسبب الهدر المدرسي"، بحسب ما أوضحت وكالة الأنباء المغربية.

لا تتعدى استفادة المزارعين حاليا "4 بالمئة من رقم التعاملات النهائي لهذا النشاط، مقابل 12 بالمئة التي تخولها له السوق المقننة"، وفق نفس المصدر. بينما يقدر عدد الأسر التي تعيش من هذه الزراعة حاليا بنحو 80 إلى 120 ألفا.

في المقابل أثار تبني المشروع احتجاج رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران الذي أعلن عصر الخميس تجميد عضويته في حزب العدالة والتنمية، قائد الإئتلاف الحكومي، وقطع علاقاته مع رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني وعدد من قياديي الحزب.

وعارض بنكيران المشروع حين كان رئيسا للحكومة قبل سنوات بدعوى أنه "يشرعن المخدرات".

مساع للسماح بتقنين زراعة وتصدير وبيع القنب الهندي

ذكرت الحكومة المغربية أن المملكة تسعى لتقنين زراعة وتصدير وبيع القنب الهندي محليا للاستخدام الطبي والصناعي في خطوة تأمل أن تساعد المزارعين الفقراء في منطقة جبال الريف في ظل سوقه العالمية القانونية الآخذة في النمو.

وأخفقت محاولات سابقة لإضفاء الشرعية على زراعة القنب الهندي في المغرب، لكن حزب العدالة والتنمية الشريك في الحكم، والأعلى تمثيلا في البرلمان، تخلى عن معارضته للخطوة بعدما حذفت الوكالة المعنية بالمخدرات التابعة للأمم المتحدة هذا النبات من قائمتها للمواد المخدرة التي تخضع لمراقبة مشددة.

يهدف مشروع القانون، الذي يُتوقع أن يوافق مجلس الوزراء عليه الأسبوع المقبل، إلى تحسين دخل المزارعين وحمايتهم من مهربي المخدرات الذي يسيطرون حاليا على تجارة القنب الهندي ويتمكنون من الوصول لسوقه الدولية القانونية المزدهرة.

يُزرع القنب الهندي بشكل أساسي في جبال الريف بشمال البلاد التي شهدت حراكا في السنوات القليلة الماضية احتجاجا على التفاوت الاقتصادي. تضع مسودة القانون، التي اطلعت عليها رويترز، تصورا لتأسيس وكالة وطنية لمراقبة الإنتاج والنقل والمبيعات. وسيظل الاستخدام الترويحي للنبات محظورا في المغرب.

لكن ما زال يتعين أن يوافق البرلمان، الذي يحظى حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل بأكبر عدد من المقاعد فيه، على الخطة. ومع أن زراعة القنب الهندي غير قانونية حاليا في المغرب فإنها تلقى تساهلا منذ وقت طويل، كما أن المملكة من أكبر المنتجين العالميين، بحسب وكالة المخدرات التابعة للأمم المتحدة.

كانت وزارة الداخلية قد قالت إن المغرب خفض مساحة الأرض المزروعة بالقنب الهندي من نحو 331121 فدانا في 2003 إلى 116139 فدانا قبل ست سنوات، وصوتت الدول الأعضاء في وكالة المخدرات التابعة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر بفارق ضئيل لصالح رفع القنب الهندي من فئة المخدرات التي تخضع لرقابة صارمة بعد توصية من منظمة الصحة العالمية بجعل الأبحاث التي تنظر في استخداماته الطبية أكثر سهولة. وكان المغرب من الدول التي أيدت هذا التغيير.

النقاش يشتد في المغرب وبن كيران يجمد عضويته

بعد تجاذب سياسي وتأجيل دام سنوات، صادقت الحكومة المغربية أخيرا على مشروع تقنين زراعة القنّب الهندي أو ما يعرف محليا بـ "الكيف"، ولا تزال تلك الخطوة محل جدل وسجال خاصة عبر مواقع التواصل، فقد انقسم المغاربة بين مؤيد ورافض لتقنين هذا النشاط الزراعي الذي ارتبط في أذهان بعضهم بتجارة المخدرات.

ثمة من رحب بالخطوة باعتبارها ستسهم في تحسين حياة آلاف المزارعين شمالي البلاد الذين تعرضوا للسجن بسبب منع زراعة "الكيف"، وفقا لإحصاءات سابقة، يقدر عدد المطلوبين بسبب زراعة القنب الهندي بأكثر من 30 ألف شخص.

ويرى معلقون مغاربة أن القرار سيعود بالنفع على اقتصاد الدولة وسيوفر فرص عمل جديدة للشباب، في المقابل، يصف نشطاء مشروع القانون بـ "الغامض والضبابي".

ويطالب بعضهم بتنقيح بعض البنود حتى لا تسبب في حدوث "أخطاء مستقبلية وانتشار ظواهر اجتماعية واقتصادية سلبية"، ويحذر المعارضون للقرار من تأثيره في "توسيع رقعة زراعة المخدرات، وتفاقم ظاهرة الاتجار فيها واستهلاكها".

كما يخشى آخرون من أن"يضر القانون بصيغته الحالية بمصلحة المزارعين الصغار ويضعهم تحت رحمة المستثمرين الكبار مستشهدين بما حدث في بعض الدول اللاتينية التي قررت تقنين النبتة"، والنقاش حول تقنين القنب الهندي ليس وليد اللحظة بل هو نتاج نقاش سياسي واجتماعي محتدم استمر لأكثر من عقد.

ورغم أن مشروع القانون حدد الاستعمالات المشروعة للنبتة بالاستعمال الطبي، إلا أنه قوبل برفض العديد من الجهات السياسية ومنظمات من المجتمع المدني، ويعد رئيس الحكومة السابق والقيادي البارز في حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بن كيران، من أبرز الرافضين لفكرة تقنين القنّب الهندي، وقد سبق أن هدد بن كيران بالاستقالة من الحزب في حال وافقت الحكومة على تقنين النبتة.

وما إن انتشر خبر المصادقة على مشروع القانون، حتى أعلن بن كيران تجميد عضويته في حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحاكم في المغرب، ونشر بن كيران رسالة خطية على صفحته على فيسبوك يشرح فيها موقفه وقطع علاقته بخمسة قياديين في الحزب، وأجج قرار بن كيران النقاش حول مشروع القانون.

فمن المعلقين من استغرب موقف القيادي المغربي ووصفه بالمتعنت، في حين أشاد آخرون بموقف بن كيران ، وطالبوا بتعليق مشروع تقنين زراعة القنب الهندي لأسباب بعضها ديني، واتخذ النقاش أبعادا سياسية. فاحتجاج بن كيران على قرار الحكومة التي يرأسها حزبه بقيادة سعد الدين العثماني، اعتبره البعض بداية لتصدع الحزب الإسلامي، وكان العثماني قد دعا أعضاء العدالة والتنمية إلى عدم تقديم أي تصريح حول قرار بن كيران، إلا أن البعض لم يلتزم بطلبه.

وبعيدا عن الخلافات السياسية، صنف تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة العام الماضي المغرب على أنه يتصدر قائمة الدول المنتجة لمخدر القنب الهندي في العالم، وظلت النبتة تزرع بشكل غير قانوني في المناطق الشمالية من المغرب. وتعمل مجموعات على تهريب كميات منها نحو أوروبا، ويأتي توجه الحكومة المغربية لتشريع استعمال القنب الهندي، بعد تصويتها العام الماضي لصالح قرار صادر عن الأمم المتحدة يسمح باستخدام النبتة في معالجة أعراض طبية ، وبإزالتها من الجدول الرابع للمواد المخدرة الشديدة الخطورة، وحظي القرار آنذاك بموافقة 27 دولة مقابل رفض 25 دولة، ويؤكد القائمون على إعداد المشروع الجديد بأن استعمال النبتة سيقتصر على الأغراض الطبية والصناعية مع استمرار حظر استعماله لأغراض ترفيهية، ويُشترط الحصول على رخصة لتحويل القنب الهندي وتصنيعه ونقله وإنتاجه، وتصديره ، وسيعرض القانون في وقت لاحق على البرلمان ، وسيدخل حيز التنفيذ فور المصادقة عليه.

اضف تعليق