q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

التشيّع والاستبصار بنور أهل البيت

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

الاستبصار بنور أهل البيت عليهم السلام، يعني الإيمان بالتشيّع الذي يمثل خط آل النبوة ومنبع الاسلام والإنسانية، وكم هو سعيد ومبارك ذلك الانسان الذي يستبصر بنور أهل البيت (ع)، بعد أن تنفتح أبواب قلبه وعقله لنور الايمان والحق والسعادة وطريق التوفيق الذي يأخذ بيد الانسان الى حيث السموّ والارتقاء وعلوّ الشأن، في حياته العملية والفكرية وجميع النشاطات التي يهدف من وراءها الى نشر التشيع لمساعدة الآخرين كي يستبصروا بنور أئمتنا (ع)، وأفكارهم وأحاديثهم وسيرتهم التي تعد من أعظم المدارس الاسلامية والانسانية في تأريخ البشرية.

في كلمة توجيهية قيمة، لسماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، وجهها الى أحد المستبصرين قائلا: (اُبارك لكم هذا التوفيق، أي توفيق استبصاركم بنور أهل البيت صلوات الله عليهم. واعلموا ان هذا التوفيق قد ابتدأه سيدنا ومولانا الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله(.

علما أن هناك من يحاول أن يجعل كلمة (التشيع) على شيء من الغموض، وهناك من يريد أن يحيطها بالمجهول، على الرغم من أنها مفردة وردت في القرآن الكريم، وكذلك وردت على لسان الرسول الأكرم (ص)، وهذا دليل قاطع على أن التشيع ليس أمرا مجهولا، أو بلا جذور كما يحاول أعداء التشيع أن يمسوا التشيع بالمجهولية والغموض، مع أن الرسول الكريم (ص) هو الذي أكد هذه الكلمة من حيث المعنى والمضمون والتأثير في المسلمين.

كما نلاحظ ذلك في هذا المقطع من كلمة سماحة المرجع الشيرازي هذه، إذ يقول سماحته: )اعملوا ان التشيّع هي كلمة أطلقها رسول الله صلى الله عليه وآله على أتباع أمير المؤمنين صلوات الله عليه، حيث قال صلى الله عليه وآله: (يا عليّ! أنت وشيعتك ...)، ولم يقل صلى الله عليه وآله (وأتباعك). وقد قالها صلى الله عليه وآله تبعاً للقرآن الحكيم الذي ذكر كلمة التشيّع في قوله تعالى: (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ) سورة الصافات: الآية83( .

إذاً فالتشيع كمحتوى ومضمون عقائدي، ليس غامضا أو مجهولا، وانما تعود جذوره الى النبي الأكرم (ص)، والى الامام علي أمير المؤمنين (ع)، وهذا ما يدحض جميع حالات الشكوك التي يحاول أن يبثها أعداء التشيع، لكنهم فشلوا في مسعاهم أمام الحقائق التاريخية المثبتة.

الامام علي ع وتجنب الحروب

ليس أمرا جديد ما يواجهه التشيع من معاداة لا أساس لها من العدل، فالأقاويل والأحابيل التي تثار هنا وهناك عن التشيع لا يمكن أن تصمد أمام ارتباط هذا الفكر والمضمون والخط بجوهر الرسالة المحمدية وبسيرة الامام علي (ع) التي ترقى الى أعظم السير السياسية والانسانية على مر التاريخ، فما تميزت به حكومة الامام (ع)، لا نجدها في حكومات اليوم الاسلامية او غيرها من حكومات الدول الاخرى.

يقول سماحة المرجع الشيرازي: (لقد حكم أمير المؤمنين صلوات الله عليه خمس سنوات على رقعة كبيرة من الأرض، امتدّت إلى أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وحواليها، وهي في خريطة العالم اليوم تقدّر بخمسين دولة. وخلال حكومته، واجه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه المشاكسات والسلبيات من داخل الإطار الإسلامي، كالحروب الثلاث التي فرضوها عليه، وحاول الإمام صلوات الله عليه في كل واحدة منها ولعدّة مرّات (كما في كتب الحديث) أن يتجنّب الحرب، ولكنهم فرضوها عليه وبدؤوها بالجمل وصفّين والنهروان).

لقد كان قاد المسلمين الأعلى علي (ع) يسعى بكل ما يمتلك من ارادة وقوة على تجنب الحرب، وعندما يتم فرض الحرب على الامام (ع) يضطر الى خوضها دفاعا عن النفس لا اكثر، وما أن يكف العدو شره ويوقف أذاه ينطفئ أوار الحرب ويعم السلام، لأن الامام (ع) ليس من سياسته خوض الحروب إلا عندما تتهدد حياة المسلمين.

كما نستدل على ذلك من قول سماحة المرجع الشيرازي: (كان الإمام صلوات الله عليه في مقام الدفاع والدفاع، فقط وفقط. وكان صلوات الله عليه يُنهي كل شيء بمجرّد أن يكفّ أو يُنهي العدوّ الحرب. وهذا لا نظير له في التاريخ أبداً، سوى تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله).

ولهذا السبب عندما نبحث في التاريخ السياسي الاسلامي، سنجد أن فترة حكم الامام علي (ع) لا يوجد فيها قتيل سياسي واحد، وهذا يعني بما لا يقبل الشك، أن حق المعرضة مكفول، وأن الرأي الآخر لا يصادره الحاكم.

حيث يتبين لنا هذا المنهج من قول سماحة المرجع الشيرازي: (كما تميّزت حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه الذي هو رأس التشيّع، بأنه في كل تاريخ حكومته لم يوجد قتيل سياسي واحد، وأما غيره فقد كان له الألوف من القتلى السياسيين. فقد ذكر التاريخ أن معاوية في أيام معدودة، وفي دفعة واحدة، وبعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، قتل ثلاثين ألفاً من البشر كقتلى سياسيين).

أبارك لكم هذا التشرّف بالتشيّع

إذا خط التشيع يمثل عقيدة شيعة أمير المؤمنين (ع) الذي كان ولا يزال بحكومته النموذج الأمثل لأرقى الأنظمة السياسي على مر التاريخ، فكل الحكومات مارست التعذيب والاقصاء والملاحقة، بالسر والعلن ضد المعارضين لها، ولكن هذا الامر لا نجد له أثرا في حكومة الامام علي (ع).

كما يؤكد شلك سماحة المرجع الشيرازي في كلمته هذه: (لم ينقل عن حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه في طيلة ذلك أنه كان فيها التعذيب، أو أنه صلوات الله عليه أجاز أو أقرّ بتعذيب شخص واحد، حتى من أعدائه الذين كانوا يسبّون الإمام في وجهه).

هذا هو منهج حكومة أمير المؤمنين (ع)، وهو يمثل جوهر التشيع، لذلك يعد من الناس المباركين والموفقين كل من تشمله حالة الاستبصار بمبادئ أهل البيت، وبمنهج التشيع، والارتباط بالعقيدة التي بدأت من ظهور الرسالة النبوية الشريفة، مرورا بحكومة الامام (ع)، وتواصلا مع الأئمة الأبرار من أهل بيت النبوة (ع).

لذلك ينبغي على من يشمله هذا التوفيق، (توفيق الاستبصار)، أن لا يحرم الآخرين من هذا الهدف العظيم، لذا على من يشمله الاستبصار أن يحاول ويبذل أقصى ما يمكن لتشجيع واقناع وتوضيح منهج التشيع للآخرين، حتى يمكن أن يحصلوا على بركة هذا الخط بأفكاره وعقائده ومضامينه الاسلامية السمحاء، فشيعة أمير المؤمنين (ع)، مبدأهم السلام والمحبة والتعاون والاحترام المتبادل، وهم جميعا أناس مسالمون، يكرهون الحروب زولا يدخلونها إلا دفاعا عن النفس، طردا للأذى والخطر المحدق بهم، لذلك أهم ما يتميز به الشيعة هو انسانيتهم العالية.

هذه المبادئ والمضامين، مطلوب من المستبصرين، توضيحها للآخرين واقناعهم بها على ضوء الحقائق حتى يشملهم التوفيق والدخول في منهج التشيع عن قناعة وايمان، لذلك خاطب سماحة المرجع الشيرازي في كلمته هذه، الضيف المستبصر من الأردن، وقال: (اُبارك لكم هذا التشرّف بالتشيّع لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، وحاول أن تدعو الآخرين إلى هذه الفضيلة، وأن لا تبخس حقّك في الآخرة من إرشاد الآخرين، من الأقارب والمعارف وغيرهم. فالإنسان إذا حصل على نعمة جيّدة واعتقد بأنها جيّدة فلا يبخل بها على الآخرين).

اضف تعليق