q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

كيف نتعلّم ونعلِّم أحكام الله؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

هناك خطوات يوضحها سماحة المرجع الشيرازي، تتعلق بالكيفية التي تتم بها عملية حفظ الأحكام، فيضع وقتا، ومنهجا، ويختار الاطلاع لعدد من النشاطات المختلفة الموجودة في حياتنا، كالتجارة والزراعة والصلاة وسواها، وهذا يعني من الممكن أن نحفظ القضايا العملية التي نحتاجها في تمشية نشاطاتنا في العمل والرزق...

(إنّ مَن لا يكرم أحكام الله تعالى فلا كرامة له عند الله)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

مكانة عظيمة وقيمة كبيرة يفوز بها الإنسان عندما يُكرم أحكام الله، والسؤال المهم الذي يجب أن نجيب عليه هنا، كيف يمكننا أن نحيط هذه الأحكام بالكرامة التامة، وكيف يمكننا إنجاز هذا الهدف الكبير في حياتنا؟

الشيء الأول هو أهمية أن نعرف هذه الأحكام، وذلك من خلال قراءتها بشكل دقيق وعميق، على أن يتم هذا بشكل تدريجي، حيث يخصص الإنسان وقتا محدّدا ومن ثم يطله على كراريس وكتب التشريع والأحكام، ويفهمها بدقة ولا بأس ومن المستحسَن أن يحفظها بعد فهم معانيها ومضامينها وما تريده من البشر.

ثم بعد ذلك تأتي الخطوة الأهم، وهي أن يعمل الإنسان بهذه الأحكام وأن يطبقها بحذافيرها في سلوكه اليومي، حتى تتحقق الفائدة الأعظم منها، تلي ذلك خطوة مهمة أيضا وهي مبادرة الإنسان الذي يحفظ الأحكام ويفهمها بتعليم الآخرين للأحكام، ويشرح لهم مضامينها، وكيف يمكنهم تطبيقها، حتى يحصلوا على تكريم من الله جلَّ وعلا، فالأجيال اللاحقة لها حق علينا بالحفاظ على معاني هذه الأحكام وشروطها، ومن ثم نقلها لهم بأمانة.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه القيم الموسوم بـ (نفحات الهداية):

(إنّ أعظم قيمة لنا عند الله تعالى تتحقق بمقدار ما ندافع عن أحكامه تعالى وبمقدار ما نعمل بها ونطبقها على واقع سلوكنا، وبمقدار ما نحفظ هذه الأحكام لكي نبلّغها إلى الأجيال القادمة).

أما الشخص الذي لا يعتني بالأحكام ولا يهتم لها، ولا تعني له شيئا في حياته، فإنه لا يمكن أن يحصل على التكريم الإلهي، وبهذا يخسر خسارة فادحة، لأسباب عديدة منها، إن جهله لأحكام الله تعالى سوف يوقعه في ذنوب وأخطاء لا حصر لها، فهو في هذه الحالة لا يعرف حدود الآخرين، ولا يقيم وزنا لحقوقهم، لأنه هو أصلا لا يعبأ بالأحكام الدينية التي تنظم حياة الناس وحقوقهم و واجباتهم وحياتهم كلها.

تكريم إلهي لمن يوقّر الأحكام

أما بالنسبة للرزق الذي يحصل عليه من لا يهتم بأحكام الله، فإنه تعالى يرزق الجميع، كما يحدث في الدعوة العامة لوليمة معينة، حيث يحضر الجميع لها سواء كان مدعوّا أو لم يُدعَ لها، ولكن شتان بين من يحضر وليمة بدعوة من قائمها، حيث الترحيب والكرم الكبير، وبين شخص يحضرها بلا دعوة فلا أحد يستقبله ولا يرحّب به، هكذا يحدث الأمر بين الذي يكرمه الله لأنه ملتزم بالأحكام، وبين من يهينه الله لأنه ليس ملتزما بالأحكام.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(إنّ مَن لا يكرم أحكام الله تعالى فلا كرامة له عند الله. صحيح أنّ كرم الله تعالى عظيم ولطفه عميم بحيث يشمل المؤمن والكافر برزقه وعطفه في الحياة الدنيا، لكن هذا لا يعني تكريماً للكافر، بل هو أشبه بالوليمة العامة تقيمها وقد يحضرها مَن لا تحبّه، لكنك لا تمنعه، ولا يُعدّ ذلك تكريماً له؛ لأنّ الدعوة عامة ولم تكن من أجله).

إذًا من الأفضل للإنسان، أن يبدأ من هذه اللحظة، بتعلّم المسائل الشرعية، ويطلّع عليها بشكل منتظم، وعميق، ويفهم ما تعنيه وما تريده، ومن ثم يعلّمها لأقرب الناس إليه، كالعائلة والأصدقاء وغيرهم من الناس، وليتعلم مثلا أحكام الزكاة والتجارة وغيرهما، نعم هما من الأحكام غير الواجبة، ولكن من الأفضل أن تتعلم هذه الأحكام كونها ستنفعك في حياتك.

أما لماذا تتعلم بعض الأحكام وتحفظها وهي ليست واجبة، فهذا يتم من أجل توصيلها للآخرين، ونشرها بين الناس، وضمان وصولها إلى أكبر عدد ممكن للاستفادة، ولسعة النشر أيضا، وحفظها يعني وصولها إلى أجيال الغد، وهذا هدف كبير ومهم جدا.

من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(لنبدأ من الآن فصاعداً بحفظ أحكام الله تعالى وتعلّم المسائل الشرعية حتى تلك التي لا يجب علينا تعلّمها، فلنتعلّمها أيضاً. فهب أن تعلّم أحكام الزكاة والتجارة ليست واجبة عليَّ ولكن ليكن تعلّمي لها من أجل حفظها ونشرها).

هناك خطوات يوضحها سماحة المرجع الشيرازي، تتعلق بالكيفية التي تتم بها عملية حفظ الأحكام، فيضع وقتا، ومنهجا، ويختار الاطلاع لعدد من النشاطات المختلفة الموجودة في حياتنا، كالتجارة والزراعة والصلاة وسواها، وهذا يعني من الممكن أن نحفظ القضايا العملية التي نحتاجها في تمشية نشاطاتنا في العمل والرزق، بالإضافة إلى الأحكام التي تعلّمنا القضايا المتعلقة بالفرائض حتى نحفظ ديننا ونتقنه جيدا.

خطوات واضحة لتعلّم الأحكام

وهنالك أيضا الأحكام المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية والأسرية، فهي أيضا تحتاج إلى المراعاة من قبل الإنسان، كونها تتعلق بحقوق الأهل والأولاد والأصدقاء، والجيران، وحتى الناس الغرباء، فالجميع لهم حقوق مثل حقوقك، وعليك أن تتقن الأحكام حتى لا تنتهك هذه الحقوق، علما بأن مهمة تعليم الأحكام للآخرين يمكن أن يقوم بها أصحاب المهن المختلفة، فليس جميع هؤلاء فقهاء متفرغين لتعليم الأحكام الشرعية.

الكاسب يمكنه أن يسهم بهذا الدور، ويقوم بحفظ هذه الأحكام، التي تنظم حياة الناس، وتراعي أرزاقهم، وتحفظ لهم مكانتهم وكرامتهم، فهناك الكثير من الكسبة قاموا بهذا الدور الكبير والمهم لإدامة حياة الناس، وتنقيتها من المشاكل، بالإضافة إلى هدف مهم جدا وهو حفظ الأحكام ونقلها إلى أكبر عدد من الناس الموجودين حاليا ومستقبليا.

وهكذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(ليأخذ أحدنا الرسالة العملية ويقرّر أن يحفظ عدة مسائل منها كلّ يوم، في مختلف الأبواب، فيعرف حكم الله تعالى في التجارة والزراعة والصلاة والأراضي ومعاشرة الإخوان والجيران والأرحام والوالدين والأولاد؛ فإنّ أصحاب الأئمة سلام الله عليهم لم يكونوا كلّهم فقهاء متفرغين بل كان فيهم البقال والكاسب والتاجر والطحان والقصاب والتمار، ومع ذلك حفظوا لنا هذه الروايات وحفظوا لنا الأحكام حتى هذا اليوم).

لذا مطلوب منا جميعا أن نحترم أحكام الله، ونعطيها المكانة والقيمة التي تستحقها في حياتنا، ونكرمها بما تستحق من التوقير والتكريم، كونها تضمن لنا حياة أفضل، تخلو من المشكلات والأزمات، لأنها تكون خالية من الانحراف والغبن والتغالب فيما بين الناس، فالكل هنا يعرف حدوده في ضوء الأحكام الإلهية، وبهذه المعرفة تتحدد المهام الملقاة عليه، فيعرف الحلال ويعمل به، ويعرف الحرام وينأى عنه بنفسه.

لذا النقطة الأولى هي أن نوقر أحكام الله، والنقطة الثانية، أن نطبق هذه الأحكام في حياتنا، فهل يمكن لمسؤول يحفظ ويعرف ويوقّر أحكام الله أن ينتهك حدود مسؤوليته تجاه الآخرين، بل هل يمكن لإنسان عادي أن يتجاوز على حقوق الناس وهو يحفظ ويؤمن بالأحكام؟

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(إذن لنوقّر أحكام الله تعالى أوّلاً، ولنطبقها في حياتنا ثانياً، ونسعى في تقليل تخلّفنا عنها، ولنحاول الرجوع إلى الرسائل العملية ونقوم بتعلّم وحفظ عدة مسائل من مسائل الأحكام في الحلال والحرام كلّ يوم، لأنّنا إذا عملنا ذلك أكرمنا الله عزّ وجلّ لتوقيرنا أحكامه).

وهكذا علينا جميعا أن نتعلّم الأحكام جيدا، ويتم ذلك وفق خطة يومية مستمرة، وبعد لك تأتي الخطوة المهمة الأخرى وهي أن نقوم بتعليم ما تعلمناه للناس الآخرين، فهذا هدف بالغ الأهمية، لأن هناك من لا تتوفر له فرصة الاطلاع، أو أنه لا يستطيع ذلك، فتقوم أن المتعلّم للأحكام بتعليمها له، مساهمة منك في توعيته وبناء المجتمع المستقر الصالح.

اضف تعليق