q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

ظاهرة التأرجح بين الزواج والطلاق

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

من القضايا الاجتماعية المهمة التي تعرض اليوم إلى تصدعات واضحة، هي قضية الزواج والطلاق، فهناك حالات طلاق متزايدة معروفة الأسباب، خاصة ما يتعلق بالتحول من العلاقات الاجتماعية الواقعية إلى العالم الإلكتروني أو يُصطَلح عليه اليوم بالعالم الرقمي، فقديما كانت تحكم الناس قيم معروفة و واقعية، يفهمها الناس ويداولونها وينظمون حياتهم في ضوئها...

(على الجميع أن يسعوا، كل حسب قدرته، للاهتمام بقضيتي الزواج والطلاق)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

من القضايا الاجتماعية المهمة التي تعرض اليوم إلى تصدعات واضحة، هي قضية الزواج والطلاق، فهناك حالات طلاق متزايدة معروفة الأسباب، خاصة ما يتعلق بالتحول من العلاقات الاجتماعية الواقعية إلى العالم الإلكتروني أو يُصطَلح عليه اليوم بالعالم الرقمي، فقديما كانت تحكم الناس قيم معروفة و واقعية، يفهمها الناس ويداولونها وينظمون حياتهم في ضوئها، وقضية الزواج والطلاق تدخل ضمن هذه المنظومة من العلاقات الاجتماعية.

اليوم تدخَّل العالم الرقمي في مسألة الزواج، وتشير الأدلة إلى أن هذا العالَم ضاعف من أرقام حالات الطلاق حتى باتت هذه الحالة تشكل ظاهرة خطيرة في المجتمع، مما يستدعي تضافر الجهود كافة، الرسمية والمدنية، الفردية والجمعية، لكي نحاصر هذه الظاهرة، ونعالج قضية تأرجح الشباب بين الزواج والطلاق، فهناك شباب يُقدِمون بلهفة على الزواج لتكوين أسرة وبناء مستقبل جيد، إلا أنهم سرعان ما تحدث حالة من الاهتزاز الاجتماعي لهذه العلاقة الزوجية، فتبدأ التشنجات بين الزوجة والزوج وقد يكون الطلاق هو الحل.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي، (دام ظله) طرح هذه الظاهرة وناقشها في عدد من محاضراته وكلماته، فقد جاء في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة ما نصّهُ:

(من القضايا الرائجة اليوم هو الطلاق، الذي انتشر بشكل واسع ويصعب معرفة جذوره، ولا نبالغ إن قلنا، انّ مسؤوليته تقع على الجميع. فعلى كل واحد، وقدر استطاعته، أن يسعى إلى منع وقوع الطلاق بين الشباب من الأقارب والمعارف، سواء كان الطلاق في بداية الحياة الزوجية وتعارف الزوجين، أو بعد مرور سنوات وإنجاب الأطفال أو في بعدها من السنين).

ولا أحد يمكنه إنكار وجود هذه الظاهرة، خاصة في ظل الأرقام الرسمية الكبيرة التي تعلنها الجهات الرسمية، (دوائر الأحوال المدنية والمحاكم القضائية المختصة)، فهناك إحصائيات وأرقام شهرية يتم إعلانها عن حالات الطلاق والزواج، وهذه الأرقام تؤكد بما لا يقبل الشك، بأن ظاهرة الطلاق في تزايد، نعم هناك حالات زواج كثيرة وهذا أمر طبيعي ، لكن نسبة الزواج قياسا للطلاق تعدّ ضعيفة، بسبب ازدياد ظاهرة الطلاق.

الأسباب معروفة، والحلول معروفة أيضا، والأدوار والمسؤوليات محددة كذلك، فهناك من يقع عليهم دور المصلح الذي يجب أن يسعى بكل الجهود وإمكانيات المتوفرة لديه لكي يمنع حالة الطلاق، خاصة ذلك الدور الإصلاحي التقريبي التوجيهي، فهناك الكثير من المشكلات النفسية أو المعنوية أو حتى الثقافية والتباين بين المستويات، تمكن مصلحون من حلّها، واستطاعوا منع الطلاق، وحافظوا على كيان عائلات كثيرة من التصدع.

أدوار المصلحين والموسَّرين

لذا لابد من التأكيد على دور المصلح بكل أنواعه، فالجميع يجب أن يتحولوا إلى مهمة مكافحة هذه الظاهرة، سواء عبر التقريب في وجهات النظر، أو المساهمة المعنوية لحل المشكلات، ولا بأس بالمشاركات المادية أيضا، لأن الجانب المادي له دور واضح في تأجيج المشكلات بين الزوج والزوجة، وهذه المسؤولية تقع على الحكومات، وعلى الناس الموسرين من المجتمع.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على هذا الدور الإصلاحي فيقول:

(ولا ننسى دور المصلحين في هذه القضية. فالمهم يجب العمل على إزالة المشاكل عبر التوسّط والتحاور مع الطرفين، ورفع كل ما يسبّب عدم الراحة، لتستمر الحياة الزوجية).

ولا يشترَط بالمصلح أن يكون غنيا، أو موسَّرا، بل كثير من المشكلات الزوجية يمكن حلها عن طريق الحوارات وتقريب وجهات النظر بين الطرفين، وهناك أشخاص لا يُنسبون إلى الطبقة الثرية بل هم كسبة لا أكثر، ولكن دورهم الإصلاحي في مكافحة ظاهرة الطلاق كان واضحا، من خلال التوسط بين الطرفين ومعالجة المشكلات بلطف ورويّة.

وهناك أمثلة كثيرة حول هذا الجانب، فالناس البسطاء يمكن أن يكونوا مصلحين، من خلال أسلوبهم اللطيف العقلاني في التقريب بين المختلفين، وهذا يعطي إشارة واضحة لكل المجتمع، بإمكانية مواجهة ظاهرة الطلاق والتشجيع على الزواج، من خلال أفراد المجتمع كافة، ولا يشترط أن يكونوا أغنياء لكي يصلحوا بين الأزواج.

يضرب لنا سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) مثالا عن هذا الدور الإصلاحي في زمن أخيه الإمام الشيرازي (رحمه الله)، فيقول سماحته عن ذلك:

(أتذكّر أنّه في زمن المرحوم أخي وفي مدينة كربلاء المقدّسة، كان يوجد عشرة من الكسبة المعروفين، وكانوا يقومون بالإصلاح والتوسّط في المشاكل الزوجية. فعندما كانوا يغلقون محالهم، كان عملهم هو التوسّط والمصالحة بين الناس، ومنها التوسّط بين من وصل أمرهما إلى الطلاق).

من الأمور التي تتجلى في واقعنا الراهن، ازدياد الماديات، وانشغال الناس فيها، مما تسبب في زيادة المهور، وزيادة الطلبات التي تثقل كاهل الشباب الذي يرغب بالزواج، فالعالم المادي الذي نعيشه، والرفاهية ومظاهر الترف، أخذ يدفع بالكثير من العائلات نحو مضاعفة المهور والطلبات الغالية الثمن، وهذا يضاعف من مهمة المصلحين والحاجة للإصلاح.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(الإصلاح، وكما هو بديهي، مسؤولية عامّة، فالكل مسؤول قدر استطاعته. فارتفاع مبالغ المهر يزيد من تعقيدات الزواج، إضافة إلى تعقيدات توفير وشراء الأثاث والوسائل البيتية وغيرها. فهذه الأمور والمشاكل نراها وسط المجتمع، وقد ألقت بظلالها بشكل مباشر على زواج الشباب).

مكافحة التصاعد المادي وغلاء المهور

لذا تتزايد الصعوبات أمام الشباب في هذا الجانب، وهناك من يعزف عن الزواج لأنه غير قادر على تلبية المتطلبات المادية الكبيرة، كما أن أولياء الأمور وبعض الأمهات تشجع الفتيات على طلب المزيد من الأموال والمجوهرات والسيارات والقصور أو سواها، وهذه كلّها تجعل الشباب يتأرجح بين الرغبة في الزواج وبين العزوف عنه كونه غير قادر على تلبية هذه المتطلبات المادية الثقيلة.

حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(هذه الصعوبات تتطلب الدخول في هذه القضية، ومساعدة الشباب، وإعانتهم، بالأخص في قضية زواجهم، سواء كانت الإعانة مالية أو بتوفير حاجات المعيشة، والتوسّط في أمور أخرى كتقليل مبلغ المهر. فكل خطوة لا شكّ لها التأثير، فإذا لم تؤثر على الجميع بشكل متوسّط، فستؤثر على خمسة من عشرة أشخاص).

لذا يبرز هنا دور الحكومة ومسؤوليتها الكبيرة في مجال تزويج الشباب، والتخفيف عن كاهلهم، من خلال تقديم بعض المساعدات المهم خاصة المادية منها، ويمكنها ذلك عبر القروض الميسرة والخالية من الفوائد والأرباح، فهذه في الحقيقة مسؤولية الحكومات، والشباب هم أبناء الشعب، وهذا واجب الحكومة الإسلامية على وجه الخصوص، كي تذلل المصاعب المادية أمام الشباب.

(علماً أنّ للحكومات الإسلامية الدور المؤثّر في حلّ مشاكل الزواج والطلاق، بالأخص بالنسبة للشباب، فلا يغفلوا عنهم. فمن وجهة نظر المذاهب الإسلامية، وليس عند الشيعة فقط، أنّ الشاب الذي يريد الزواج، ولكنه يعاني من مشاكل مالية تمنعه من الزواج، فعلى الحاكم في البلد الإسلامي، أي من بيده أموال بيت مال المسلمين، أن يصرف من تلك الأموال على زواج الشاب).

أما إذا تخلت الحكومة الإسلامية وحاكمها عن هذه المسؤولية، فإن الحاكم هو الذي يتحمل وزر النتائج، وهي غالبا عواقب وخيمة، لذا من واجب الحكام المسلمين أن يوفروا الجوانب المادية التي تساعد الشباب على إكمال نصف دينهم، وهذا في الحقيقة من صميم مسؤوليتها تجاه هؤلاء الشبان المقبلون على الحياة بقوة وشغف.

وهذا ما يذكّر به سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) الحكومات الإسلامية وما هي مسؤولياتها في قضية التصدي لظاهرة الطلاق ومساعدة الشباب على الزواج ماديا، فيقول سماحته:

(إذا لم يقدر الشاب على الزواج بسبب فقره المالي، وبسببه يقع في المعاصي، فسيكون ذنبه على الحاكم الإسلامي الذي لم يوفّر للشاب الأسباب الماديّة لزواجه).

إذًا نحن نواجه في مجتمعنا هذه الظاهرة، وهناك آلاف أو أكثر من الشباب لا زالوا يتأرجحون بين الزواج والطلاق، وكما ذكرنا أن هناك أسباب معروفة تدفع في هذا الاتجاه، كذلك هناك حلول تم ذكرها، وهناك مسؤوليات يجب الالتزام بها، وأدوار يجب القيام بها، فالجميع يقع عليه مسؤولية ودور محدد، لأن استمرار هذه الظاهرة يؤذي المجتمع كله وليس الشباب وحدهم.

اضف تعليق