إسلاميات - المرجع الشيرازي

أساليب الكشف عن المغالطات والأكاذيب؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

الهدف الأهم لنا، هو كيف ندرأ خطر المغالطات عن عامة الناس، خصوصا البسطاء منهم، وأولئك الذين لم تواتِهم فرص التعليم والتثقيف لأي سبب كان، وهنا تقع علينا مسؤولية توصيل الأفكار الصحيحة والثقافة اللازمة والتوعية الدقيقة للذين يحتاجونها، من أجل الكشف السريع لكل اساليب التضليل التي تعرقل مسيرتهم....

(أحيانا قصة واحدة تغيّر مسار حياة الإنسان بشكل كامل)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

من القضايا المعروفة تاريخيا تعدّد أشكال الحروب، وتنوع أساليبها، وأهدافها، وأسلحتها أيضا، فهناك الحروب المعروفة التي تنشب بين جحافل الجيوش الكبيرة، والتي تشترك فيها دول وتحالفات ومحاور كبيرة كما في الحربين العالميتين المعروفتين تاريخيا، وهناك حروب كثيرة بين الدول والجيوش على مر التاريخ.

لكن هناك حروب من نوع مختلف ليس فيها دم ولا أسلحة فتاكة، وهي الحروب الفكرية التي تحدث بين أمتين أو أكثر، وهذه من الحروب الخطيرة التي يمكن أن تحدث على مستوى كبير فتشمل جماعات ومناطق واسعة، ويمكن أن تحدث بين جماعتين صغيرتين، تماما مثل الحروب التي تستخدم الأسلحة النارية.

من أوضح وأكبر أسلحة المواجهات الفكرية هي المغالطات والأكاذيب التي يمكن أن تقلب الحقائق إلى أكاذيب وبالعكس، وهنا يتم تسجيل الانتصار للجهة التي تتمكن من استخدام المغالطات بإتقان فتحرف الحقائق وتفرغها من محتواها وتجعلها غير قابلة للتصديق.

والسبب الأول في انتعاش الأكاذيب والمغالطات يعود إلى قلة الوعي والثقافة، وانتشار الجهل، فهذه الصفات والحالات إذا سيطرت على عقول الناس سوف تعجز عن التفريق بين الأكاذيب والحقائق، وسوف لا يمكنها معرفة الحقيقة من الزيف، وبهذا سوف يسهل تمرير المغالطات عليها، وتكون الهزيمة الفكرية أو العقائدية أو النفسية من نصيبها.

لهذا على الناس جميعا أن تستقصي ما تسمعه وما تقرأه ويصل إليها من أفكار وكلمات بأية طريقة كانت، ومن الخطأ الجسيم أن يسلّم الإنسان بالرأي أو الفكرة أو الخبر الذي يصل إليه من دون أن يتقصى مصادره، ويفهم معانيه، ويتأكد من مضامينه، وعليه أن لا يؤمن بكل ما يسمع، وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون تحصيل الوعي والثقافة والتمرّن اللازم على كشف المغالطات والأكاذيب قبل القبول بها واعتمادها كرأي أو فكرة أو خبر صحيح.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كلمة توجيهية قيّمة له:

(إنّ الباطل له الكثير من الأتباع دائماً وهذا ليس اعتباطاً، فالكثير من الناس، لا يستقصون القضايا، ولا يتعرّفون على الحقّ والباطل، فينخدعوا بالباطل).

تشويه العقائد وركوب المغالطات

ولكن من هم الناس أو الجهات أو الدول أو حتى الأمم التي تلجأ إلى اعتماد المغالطات والأكاذيب في صراعاتها مع الآخرين؟، إنهم بصريح العبارة (أهل الباطل)، فجميع من يتخذ من الباطل مركبا له لتحقيق أهدافه، سوف تجده يعتمد على فبركة الأخبار وتحريف الأفكار وتشويه العقائد وركوب المغالطات وبث الزيف في كل مجال ممكن، لكي يستطيع أهل الباطل من إلحاق الهزيمة بالجهات المقابلة لهم وهو أصحاب الحق غالبا.

لهذا من أهم أساليب مواجهة هؤلاء المغالطون الكذّابون المزيّفون، أن يتم الكشف السريع لما يطرحوه من أفكار أو يبثّوه من شائعات أو أخبار عارية عن الصحة، ولابد من مواجهة هذه الموجات الفكرية على الفور، وتعريتها، وفضحها وتوضيح أهدافها ومضامينها ومن يقف وراءها، ولكن كيف يمكن فضح هذه الأكاذيب؟

يجب مواجهتها بالحقائق، واستخدام الحكمة، والذكاء بأقصى درجاته، وكذلك ترجيح كفة الإقناع من خلال التوعية القوية والتثقيف المستمر للناس، وعدم التردد أو التباطؤ في مواجهة الأكاذيب والشائعات والمغالطات بكل أنواعها، بل لابد من تشكيل كوادر قادرة ومتمكنة من فضح الكاذبين، وتحطيم مغالطاتهم بالتحقق السريعة والدراسات الدامغة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(لقد ابتلي أهل الباطل بأمرين: إما يمارسون الكذب دائماً، أو المغالطة، وإثباتهما يستلزم التحقق والدراسات السريعة).

هذه القضية تقع في غاية الأهمية، ونقصد بها مواجهة وكشف الأكاذيب، وهناك مسؤولية ذاتية وأخرى خارجية، أي أن الإنسان نفسه تقع عليه مسؤولية مواجهة المغالطات من خلال سعيه الدؤوب لتحصيل العلوم وتطوير قدراته على الفهم والتحليل، وعدم التسليم المباشر بما يُنقَل إليه أو يصله بأية وسيلة أو طريقة كانت.

يجب التحرّي والتدقيق فيما نسمع لاسيما أننا نعيش في عالم لا يُخفى فيه أي شيء، وهناك سيول وأمواج لا تتوقف من الأفكار والمغالطات والأكاذيب تُبث إلينا بشكل واضح ومباشر عبر وسائل الإعلام الحديث المختلفة، خصوصا مواقع التواصل والمنصات الإلكترونية التي بات اليوم كثيرة وكبيرة وموجَّهة إلى حدّ لا يمكن وصفه أو تحديده، ولهذا يجب أن يكون العلم سلاحنا، والمعرفة هدفنا، والثقافة طريقنا، والتحرّز والحذر أسلوبنا في السعي لكشف الأكاذيب، والشائعات المغرضة التي تهدف إلى الانتصار علينا فكريا وعقائديا ودينيا.

وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) ويجيب:

(كيف يمكن الكشف عن كذب أهل الباطل أو مغالطاتهم؟ إن هذا الأمر يستلزم مقدّمات الوجود، فضلاً عن التعبئة العلمية الكافية، ومواصلة المطالعات، والتعلّم).

تأثير القصص في هداية المضلَّلين

وقد ذكرت لنا سجلات التاريخ بمختلف مراحله، إن هناك الكثير من علماء المذاهب الأخرى قد اقتنعوا بصحة أفكارنا وعقائدنا ومذهبنا أيضا، وأن هناك من المنحرفين عاد إلى رشده، كل هذا وسواه جرى من خلال كشف المغالطات لهم.

نعم هناك من تصدى لهذه المهمة وكشف كل شيء بوضوح وبالأدلة الدامغة، أكدت الحقائق، ورفعت اللثام عن الشائعات والأكاذيب وأظهر الصحيح والدقيق من الحقائق، وفضحت كل المغالطات والأكاذيب بأنواعها، وفضحت مآربها، بعلمية مدعومة بالبراهين العقلية الدامغة.

وإلا كيف يمكن لعلماء مذاهب أو أديان أخرى يمكن أن تترك ما نشأت عليه، لو لم يكن الفكر والمعتقَد الجديد هو الأصحّ وهم الأدق، وهو الذي ينتمي للحقيقة، ولا علاقة له بالزيف والمغالطات من بعيد أو قريب.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(ذكر التاريخ، انّ الألوف من علماء المذاهب المختلفة استبصروا بنور أهل البيت صلوات الله عليهم، من النصارى واليهود والمجوس، وحتى المنحرفين من علماء الكفّار ومن أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم، وإلى اليوم. فمن هداهم؟ إنّهم اهتدوا عبر طرق كشف الأكاذيب والمغالطات).

ومن أساليب كشف المغالطات، والحد من الانحرافات، ودرء خطر الزيف والأكاذيب، توجيه الناس من خلال قص الحكايات والقصص المؤثرة، وذات المضامين الإنسانية العالية، والتي تحتوي على درجة كبيرة من الإقناع والدقة في نقل الأحداث وتثبيت تواريخها، ودعمها بالأدلة الدامغة، وبهذا تكون درجة القبول عند الآخرين محسومة.

فمن بين أساليب مواجهة الزيف والمغالطات، أن تقص القصص التي تحمل أفكارا وأهداف مؤثرة ودقيقة، وبالتالي فإن هذا التأثير الموجود في أحداث القصة سوف ينتقل إلى الآخرين، فيصبحوا على قناعة بالمضامين والأفكار والمواقف التي تحتوي عليها القصص.

هذا ما يشير إليه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله):

(يوجد جانب تربوي مؤثّر في القصّة. فأحياناً قصّة واحدة يمكن أن تغيّر مسير حياة الإنسان بشكل كامل. لذلك يجب أن نعرف جيّداً فنّ استعمال القصة في مكانها ولأي هدف، حتى يكون لكلامنا التأثير والنفوذ الكبيرين).

بالنتيجة يبقى الهدف الأهم لنا، هو كيف ندرأ خطر المغالطات عن عامة الناس، خصوصا البسطاء منهم، وأولئك الذين لم تواتِهم فرص التعليم والتثقيف لأي سبب كان، وهنا تقع علينا مسؤولية توصيل الأفكار الصحيحة والثقافة اللازمة والتوعية الدقيقة للذين يحتاجونها، من أجل الكشف السريع لكل اساليب التضليل التي تعرقل مسيرتهم.

اضف تعليق