إسلاميات - المرجع الشيرازي

كيف يتعاطى الإسلام مع القوة الغاشمة؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

ما يجري في الساحة السياسية العالمية اليوم لا يمت بأية صلة للسلم، إنما نلاحظ مشاهد العنف تكتسح هذا العالم، فالحروب مشتعلة في أماكن عديدة من العالم، وبعضها في مناطق حساسة، حيث يحذر الخبراء العسكريون من احتمال اشتعال حرب عالمية جديدة، وهذا دليل على أن العالم يذهب إلى العنف...

(العنف هو استخدام القوة المعتدية)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

إن هوية الإسلام الأكثر وضوحا هي الجنوح إلى السلم، والابتعاد التام عن أساليب العنف، إذا لم يكن هناك اضطرار لمواجهة القوة بالقوة، وهذا ما عُرف عن مبادئ الإسلام، وما لُمِس لمس اليد أثناء بزوغ الرسالة النبوية وتاسيس دولة المسلمين، فكانت السياسة الأكثر انتشارا في معالجة حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله) للمنازعات هي الذهاب إلى السلم، والدفع بالتي هي أحسن وعدم الدخول في دوامة العنف.

هناك سبل عديدة لمواجهة العنف، أو الوقوف في وجه القوة الغاشمة، وهذه الأساليب ليست عنيفة، بل مسالمة، ومنها المظاهرات والاحتجاجات، فهذه الأساليب لا يمكن أن تُنعَت بالعنف، لأنها لا تستخدم السلاح كتعبير عن مطالبها، وإنما ترفع اللافتات والكتابات التي تعبر عن رأيها في الوصول إلى حل يرضي الجميع، لهذا لا يمكن أن توصف هذه الأساليب بأنها عنيفة لاسيما أنها لا تسفك دما ولا تزهق روح أحد.

لهذا فإن جميع الدول تحاول أن تلجأ إلى أساليب غير عنيفة ولكنها إذا اضطرت لمعالجة اعتداء غاشم، فإن من حقها اللجوء إلى أساليب أخرى لمواجهة القوة الغاشمة، ولهذا لا يمكن أن توصف الاحتجاجات بأنها اساليب عنيفة.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في الكتاب القيّم (من عبق المرجعية):

(اذا كانت هناك ضرورة لا بأس باستخدام القوة، كما لو هاجم البلاد عدو غاشم، فلا مانع من استخدام القوة لصده اذا لم تنفع الوسائل السلمية كالإضرابات والمظاهرات ونحوها في ذلك، إلا ان ذلك لا يسمى "عنف" بل دفاعا مشروعا، ولذا تستخدمه جميع الدول في مواجهة المعتدي من دون توصم بـ العنف).

ما يجري في الساحة السياسية العالمية اليوم لا يمت بأية صلة للسلم، إنما نلاحظ مشاهد العنف تكتسح هذا العالم، فالحروب مشتعلة في أماكن عديدة من العالم، وبعضها في مناطق حساسة، حيث يحذر الخبراء العسكريون من احتمال اشتعال حرب عالمية جديدة، وهذا دليل على أن العالم يذهب إلى العنف، ويترك وراء ظهره أساليب الحوار والسلام وحل الأزمات والمشكلات والنزاعات باحتوائها وليس بالصدامات الحربية.

نبذ العنف بكل أنواعه

ما يدعو إليه الإسلام هو الابتعاد عن أساليب العنف بأشكالها كافة، وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه سياسة الإسلام ومبادئه وفكره، فالسلم والجنوح إليه وترويض العنف هو من أهم ما يميز الإسلام، لهذا يسعى الإسلام إلى إخماد نار الحروب بأنواعها، والسعي لمعالجة أسبابها، والتشجيع على الحل عبر الحوار وليس عبر القتال، بل من خلال نشر روح المحبة والتسامح، والتسامي بالنفوس والقلوب عاليا، كي تسود حالة الصفاء التام فيما بين الناس والدول، مع أهمية نشر منهج الاحترام المتبادل بين الجميع، واللجوء إلى الهدنة وإيقاف الحرب حتى لو كانت دعوة العدو لها من باب الخداع.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(الاسلام دين السلم والسلام، ويعمل على نشر الامن والامان والسلم والسلام في العالم، ويسعى في اطفاء نار الحرب، واخماد لهيبها، وانتزاع فتيلها باجتثاث العوامل الداعية للحرب، وزرع العوامل المشجعة على المحبة والوئام، وعلى الصلح والصفاء، وعلى متاركة الحرب والهدنة وإن كان العدو يدعو إليها مخادعة).

لهذا يحرّم الإسلام جميع مظاهر وأساليب العنف، أو الغدر، ويمنع التصفية، كما لا يسمح بنشر الذعر والرعب بين الناس الآمنين، فهذه الأساليب لا تمت بأية علاقة مع منهج الإسلام وأحكامه وتعاليمه، حيث يدعو إلى الرحمة والتناغم والتفاهم والكف عن النزاعات، ومعالجة أسبابها بمناهج وطرائق منصفة وعادلة، تضمن للجميع حقوقهم وتحمي مصالحهم.

فالإسلام (يحرّم العنف والارهاب والغدر والاغتيال، ويحارب كل ما يؤدي الى الذعر والخوف والرعب والاضطراب، في الناس الآمنين) كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي.

بالطبع الدعوة للسلام والجنوح للسلم لا يأتي من باب الخوف أو التراجع أمام مشعلي الحروب والطغاة المستبدين، وإنما هي من جوهر الفكر الإسلامي، ومع ذلك فإن استمرار الاعتداء على الناس لا يمنع من وقوف الإسلام بالضد، وصدّ المعتدي، وإيقافه عند حده كي يتم كشف حقيقته الزائفة، وأساليبه المخادعة، لذلك لا يمنع الإسلام رد المعتدي وتلقينه الدرس الذي يمنعه من الاعتداء مجددا على الناس الآمنين.

القتال دفاعا عن النفس والحقوق

سياسة رد الاعتداء موجودة في الإسلام، ولكن تأتي في صيغة الدفاع عن النفس وليس البدء بإشعال شرارة الحرب، فجميع حروب النبي (صلى الله عليه وآله) كانت دفاعية صرفة، ولم يحدث أن هاجم المسلمون عدوّهم بل غالبا هناك صبر عال في التعامل معه، وهناك دعوات للحوار وحل المشكلات بعيدا عن العنف، ولا يبدأ المسلمون حربا إلا من باب رد الاعتداء واسترجاع الحقوق المسلوبة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) عن هذه النقطة:

(الاسلام دين السلام، أما اذا تعدى أحد على الناس، او شن حربا على المسلمين، فالإسلام لا يقف مكتوف الايدي، بل يدافع من أجل العدالة والحقيقة، ورد الاعتداء ورفع الظلم).

إن منهج الابتعاد عن العنف في الاسلام دائمي، وليس تكتيكي أو مرحلي، بل هو من صلب الفكر الذي يؤمن به الإسلام، ومن جوهر المبادئ والتعاليم التي يتضمنها هذا المنهج، فالركيزة الأساسية هي استتباب الأمن، سواء داخل البلاد من خلال درء الجريمة ومكافحة أسبابها، أو في الخارج حيث يتم منع المعتدين على المسلمين من الخارج.

فالإسلام على الرغم من نبذه للعنف، وجنوحه الدائمي نحو السلم، إلا أن هناك حالات لا يمكن معالجتها بهذه الطريقة، خاصة إذا كان المعتدي لا يكف عن عدوانه، ولا يرتدع، ولا يرعوي، بل يهاجم المسلمين ويتجاوز على حقوقهم، وفي هذه الحالة لا يقف الإسلام مكتوف الأيدي بل يعلن الجهاد ويستنفر كل الممكنات لمواجهة العدو الذي لا يؤمن بالسلم، ولا يعترف بحقوق الناس، ويعتقد بأنه الوحيد الذي يمكنه فرض الأمور بالقوة.

لهذا يتصدى الإسلام لمثل هؤلاء المعتدين الذين يصرّون على إلحاق الأذى بالآخرين، والتجاوز على أراضيهم ومصالحهم من دون وجه حق.

فالإسلام (يرى وجوب استتباب الأمن في الداخل وفي الخارج، ففي الداخل ينفي الجريمة، وفي الخارج لا يتعدى على أحد، ويقف أمام المعتدين) كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله).

إن الإسلام لا يعتدي على أحد، هذه السياسة الواضحة والثابتة له، كما أن الدول التي تميل إلى السلم سرعان ما تجد الإسلام يقف جنبها ويميل إليها ويتناغم معها، فالمهم في مبادئ وفكر الإسلام أن تسود روح السلام بين الناس وبين الدول، وغذا وقع أي عدوان على الإسلام فإنه سوف يرد عليه بأنظف الأساليب الممكنة، وبأقل قوة يمكنها أن توق العدو عند حده، فالهدف ليس قتل العدو أو القضاء عليه وإنما وقف عدوانه لا أكثر.

كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(لا يعتدي الاسلام على أحد إطلاقا، ومنْ مال منَ الدول الى السلم، مال إليه، واذا وقع عليه عدوان دافع الاسلام عن نفسه، وعن الأمة بأنظف صورة، واذا اعتدى احد من الدول عليه رد الاسلام على اعتدائه بأقل ما يمكن إيقافه عند حده).

هكذا يتعاطى الإسلام مع القوة التي تحاول الاعتداء عليه، ويبقى مبدأ السلم والسلام منهجا دائميا للإسلام، لا يحيد عنه قيد أنملة، ويبقى الهدف الأسمى للإسلام، هو جعل العالم أقل حروبا وأكثر سلاما وتقاربا ومحبة، وهذا ليس ببعيد المنال لو جنح الجميع إلى السلم والسلام كما يدعو له الإسلام.

اضف تعليق