q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

مخرجات الإرشاد الجمعي

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

إن مدخلات العملية الإرشادية واضحة، ولابد أن تكون مناسبة للوسط الذي تتوجه إليه، بحسب مستوى الوعي والفهم والتقبّل، أي قابلة الفهم ومن ثم الاقتناع بمضامين الإرشاد، حتى تكون المخرجات سليمة وصحيحة ومقبولة، ومعمول بها من قبل الجميع، لأنها جرت وتمت إقناعا وليس إكراها...

(علينا أن نشمّر عن سواعدنا من أجل إرشاد الآخرين وهدايتهم)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

الإرشاد (Mentorship ) هو رعاية أو تأثير أو توجيه يقدمه الشخص الذي يقوم بفعل الإرشاد، وهو الشخص الذي يعلم أو يقدم المساعدة والمشورة إلى شخص أقل خبرة وأصغر في الغالب من حيث العمر أو التجربة، حيث يؤثر المرشد أو الموجِّه على النمو الشخصي والمهني للمتدرب.

أرشدَ فعل يدل على التوجيه، وأرشده أي دلّه على الطريق الصحيح، ويُقال أرشد السفن أي قادها في المسالك المائية المجهولة، وهكذا هو فعل الإرشاد يدل الناس على السبل والمسالك الخفية التي يجهلونها، وفي نفس الوقت عليهم أن يسلكوها كي يبلغوا مرامهم، وغالبا ما تكون مخرجات الإرشاد فكرية أو عقلية قائمة على الإفهام ومن ثم الإقناع.

الفهم يتحقق عند الإنسان لأنه يملك القدرة على الإدراك، فقد وهب الله الإنسان هذه القدرة من خلال العقل، وكل إنسان له قابلية الإدراك بعد الفهم، حتى يكون مستعدا وقادرا في نفس الوقت على أن يجمع بين الفهم والإرشاد، أي أنه يكون مستعدا لاستقبال المعلومات وإدراكها وفهمها واستيعابها وحتى تحليلها، ومن ثم يقوم بتوصيلها ونقلها إلى الآخرين في مشاركة منه بعملية الإرشاد الجمعي.

مهمة الإرشاد مزدوجة، فلا يصح أن نستقبل الإرشاد، ونبحث عن المعلومة ونفهمها وندركها ونستوعبها ثم نتوقف عند هذا الحد، بل هناك خطوة مهمة جدا تتبع عملية تحصيل الإرشاد، وهي تتمثل في نقل ما حصلنا عليها من خبرات وسلوكيات وأفكار وقيم إرشادية إلى الآخرين، حتى تكتمل العملية الإرشادية من حيث المدخلات والمخرجات لإنقاذ أنفسنا من عالم يضج بالأزمات.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى السيد صادق الحسني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة:

(لقد أعطى الله تعالى للبشر قوة الفهم والإدراك، حتى ينقذ نفسه وينجيها، وينجي الآخرين. وإرشاد الآخرين مسؤولية على عاتقنا. فعلاوة على إنقاذ أنفسنا، يقع على عاتقنا كلّنا مسؤولية إنقاذ الآخرين أيضاً).

الإرشاد واجب كفائي

ونظرا لأهمية النشاطات الإرشادية المختلفة، لذا أصبح الإرشاد واجب كفائي، أي على كل إنسان أن يقوم بالعمل الإرشادي وحسب المستطاع مما يحمله من خبرات وقدرات فكرية أو حتى عملية، بإمكانها أن ترشد الناس نحو السبل المفيدة، ولا يجب أن يكتفي الشخص بما يقوم به الآخرون من أفعال إرشادية، لأن القيام بهذا الواجب من قبل آخرين لا يعفيه ولا يعفي غيره من القيام به.

الإرشاد واجب يشمل الجميع، ولا أحد مستثنى من هذا الواجب، وليست هناك حجج أو أعذار مقبولة للتملص من هذا الواجب، أو تأجيله، حتى لو كانت تلك التبريرات من باب قلة العلم أو المعرفة أو الخبرات، فكل إنسان يحمل نسبة معينة من الأمور والقضايا التي يمكن أن تفيد الآخرين، لهذا لا أحد معفي من واجب الإرشاد، ولابد من عدم حرمان الآخرين من معلوماته وخبراته.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد على هذه النقطة فيقول:

(إرشاد الآخرين واجب كفائي، فيجب علينا، أن لا نقصّر في إرشاد الآخرين ولا نحرمهم من الإرشاد، كالزوج والأبناء، والوالدين، والأصدقاء والمعارف والأقارب وأبنائهم، وكل من لنا معه علاقة أو ارتباط بشكل ما).

هناك نقاط مهمة يجب أن يراعيها الشخص الذي يقوم بعملية الإرشاد، وأول هذه النقاط أن لا يقصّر في تقديم الإرشاد للآخرين، وينظر إلى هذه العملية كأنها فريضة لا يمكنه عدم القيام بها، أما النقطة المهمة الأخرى فهي تتمثل بجعل الإرشاد مقرونا بالإقناع.

ومعنى هذه النقطة أن لا يكون هناك إرشاد بالقوة أو الإكراه، فهذا أمر غير مقبول كونه غير صحيح، لأن مخرجات الإرشاد بهذه الطريقة سوف تفقد قيمتها، ولا يُعمَل بها، فيجب أن يتم الإرشاد عبر الإقناع، أي على من يقوم بفعل الإرشاد أن يتحلى بإقناع الآخرين بما يريد أن يقدمه لهم من خبرات فكرية أو دينية أو عقائدية أو عملية أو سواها، أما إذا أراد الناس عدم السير في طريق الإرشاد فهذا شأنهم، والمهم هنا أن عملية الإرشاد تتم عبر الإقناع وليس الإجبار ولا القوة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(يجب علينا أن لا نقصّر في هذا الأمر – الإرشاد- كعدم تقصيرنا في أية فريضة، وأن نمارس الإرشاد بالإقناع، سواء قبل منّا الطرف المقابل وعمل بإرشادنا أو لم يقبل، فعلينا أداء مسؤولية الإرشاد والإقناع فقط، ولا ضير علينا: «فَمَنْ شَاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْیَکْفُرْ» سورة الكهف: الآية29).

العمل الإرشادي يشملنا جميعا

من المهم جدا أن نفهم أن عملية الإرشاد تشملنا جميعا، فلا نقصّر في حق الآخرين بالفهم والإدراك والتعلّم، وأن لا ننظر لهذه العملية بأنها قابلة لأن يقوم بها بديل لنا فتسقط عنا، فالكل عليه أن يشارك في هذه العملية الإرشادية الجماعية بشكل متبادَل.

سماحته (دام ظله) يقول حول هذه النقطة:

(مسؤوليتنا أن لا نقصّر في حقّ الآخرين، ولكن هذا العمل ليس بواجب عيني. ويعني إن قام بهذا العمل غيرنا، يسقط عنّا. فإن قام الزوج بإرشاد الأخ أو الأخت أو الابن أو الأب، فإرشادهم يسقط عن الزوجة).

أما لماذا هذا التأكيد على العمل الإرشادي الجماعي بشكل متبادَل، فهذا بسبب حاجة البشر إلى الكبيرة والمستمرة للإرشاد، ولو أن هناك من فيهم الكفاية ويسدوا فراغ الآخرين، لما عاش عالمنا هذه الأزمات والمشكلات الكبيرة التي تسبَّبَ بها الفساد العالمي في مجالات الحياة المختلفة، لذلك تحتاج البشرية إلى عملية إرشادية جمعية متبادَلة يشارك فيها الجميع بلا استثناء، وكل حسب مؤهلاته وخبراته وإمكانياته.

وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:

(هل يوجد دائماً (من فيه الكفاية)؟ وهل توجد النسبة الكافية من الذين يمكنهم أن يرشدوا الآخرين عند الضرورة؟ فذلك لو كان فعلاً لما رأينا الفساد الكبير الموجود اليوم في العالم، ولما رأينا الظلم والفساد يغطّي العالم كلّه، ولما رأينا انتشار المحرّمات. فمن المؤسف له، نرى عالم اليوم مملوءاً بالظلم والذنوب والمعاصي والتعدّي، وسببه عدم إرشاد الناس).

وتستمر سلسلة الأسئلة التي يطرحا سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، فيقول بوضوح من المسؤول عن الناس الملوّثين بالذنوب؟

وهو سؤال جوهري فعلا، لأن عالما في الحقيقة يكتظ بمرتكبي الذنوب، وهناك أناس بالملايين ملوثين بالمعاصي، فمن هو المسؤول عن هذه النتيجة المحبِطة؟، لابد أننا جميعا مسؤولون عن كل ما يحدث من قلة في الوعي والفهم ونقص الإرشاد، ولو كنّا نقوم بواجبنا كما يجب لما ظهر كل هذا الفساد في العالم، ولما تكاثرت أعداد الملوّثين بذنوبهم.

هنا لابد من نعرف جميعا بأننا أمام مهمة إرشادية جماعية متبادَلة، كل يقوم بما يجب عليه في هذا المجال، ولا عذر لمن يتخلّف عن هذا الواجب، حيث يتساءل سماحة المرجع الشيرازي بالقول:

(من المسؤول عن إنقاذ الأشخاص الملوّثين بالذنوب أو المعرّضين للذنوب والآثام؟ لا شكّ هي مسؤولية على عاتقنا جميعاً. فجميعنا، رجالاً ونساءً، وكباراً وشباباً، مسؤولون عن إنقاذ الآخرين، لأنّه لا يوجد من فيه الكفاية، ولا يوجد الكافي ممن ينفّذ هذه المسؤولية والفريضة في العالم. فعلينا أن نشمّر عن سواعدنا لأجل إرشاد الآخرين وهدايتهم).

خلاصة الأمر إن مدخلات العملية الإرشادية واضحة، ولابد أن تكون مناسبة للوسط الذي تتوجه إليه، بحسب مستوى الوعي والفهم والتقبّل، أي قابلة الفهم ومن ثم الاقتناع بمضامين الإرشاد، حتى تكون المخرجات سليمة وصحيحة ومقبولة، ومعمول بها من قبل الجميع، لأنها جرت وتمت إقناعا وليس إكراها.

اضف تعليق