ربما لا نعير بالشكل الكافي جهات غير مسلمة بشأن وقوفها ضد أن يمارس الناس شعائرهم الدينية، وصدودها عن الدعوات بتركهم وعدم التضييق عليهم، لكننا نعلق بوفرة، على الجهات المسلمة وتلك المتصلة بها، بشأن إمعانها عن عمدٍ وإصرار باتجاه، ليس تسفيه من يقومون بحمل الدين أو يؤدّون شعائره فقط، بل لرفضها له أو تحريفها ضدّه.

وإذا كان بإمكاننا التغاضي عن سفهاء وغفلاء، يتقوّلون على مأ أنزل الله على خلقه، وفرضه على عباده، لكن ما يُشغل البال إلى حدٍ أكبر، هو أن أولي الأمر لا يكادون يستلمون ذلك على محمل الجد، برغم علمهم بأنه من التعابير المخلّة وغير المنضبطة والتي لا تصدر سوى عن متجنّين على الله ورسوله ابتداءً، سوف تؤدي إلى فتح جبهة حرب ضدهم ومن هم بعدهم، ولو بعد حين.

هناك شرائح مختلفة، في مشارق الأرض ومغاربها، أصبحت مهتمّة، بضرورة إعادة صياغة الدين ومسألة التديّن، بما يتناسب مع حياة المجتمع والحضارة، وتأخذ على عاتقها وأحياناً من تلقاء نفسها، مسألة إصدار الفتاوى والتشريعات لما هو مُشرّع، باعتباره خطأ ويحتاج إلى تصويب، وما يقلق أكثر، هو أنه تسيطر في مطارحنا أكثر فأكثر هذه الثقافة، والتي لا ينتج عنها سوى الفتنة، وما يترتب عليها من انهيارات دينيّة ودنيويّة، تؤدي إلى سوء العاقبة.

تجرّأ كثيرون في أثرها، بأن تعمّدوا الإساءة أكثر والقدح بقوّة في قضايا دينيّة صريحة وواضحة، وكنّا رأينا كيف يقوم البعض بالتعدي على ركن الصيام – كمثال- وتخطيئ المؤمنين به، باعتباره ذخرهم الباقي يوم يقوم الحساب، وذلك من خلال قيامهم على تفريغه من قيمهِ والسعي إلى محو آثاره، برغم نزوله من الله رب العالمين، وبرغم شرحه وتفصيله من قِبل سيّد المرسلين النبي محمد (ص).

هذا ليس لأن كل شيء بات على ما يرام، بحيث أنه نفد مفعول الدين، وأن كل الأمور المصاحبة له باتت لا داعي لها على الاطلاق، لكن العكس سيكون هو الصحيح، حتى برغم تكبيل فكر وإطلاق أفواه، في ظل التوسع في دنيا الغير والعزوف عن الفطرة الإسلامية المتوارثة.

ولعل من الناس قد اطلع على ثقافة الرئيس التونسي المخلوع "زين الدين بن علي" الذي ما فتئ من خلالها، يدعو الصائمين والعمال بخاصّة، إلى ترك الصيام والكفر به، بسبب أنه يُضعف البدن من جهة، ويعطل الإنتاج والاقتصاد عموماً من جهةٍ أخرى، ولا يتوقف عند هذا الحد، بل يُسارع بالمجاهرة في أكل الطعام أمامهم تشجيعاً على الاقتداء به.

وكان مما طلع به البعض، من تفوّهات يائسة، يزعمون خلالها بأنه لا يمكن إقناع الناس بتعاليم الدين عن طريق العلم، نظرًا لوجود بعض أموره التي تتعارض مع ما أقرّته الأبحاث العلميّة، والخاصة بصيام رمضان، باعتباره ضار بالصحّة، ومحبط للعمل، وهو أكثر حِدة في التعاملات المتبادلة، إضافةً إلى ما ينتج عنه من أمور لا علاقة لها بالصحة العامة للإنسان، وعلى حد وصفهم، بأنه لا يمكن أن يمتنع الشخص طوال مدّة الصيام عن شرب المياه ويكون في هذا الأمر فائدة للجسم.

هذا بلا شك هذيان مردود، وموبوءٌ صاحبه ومن يتبعه، ومن البداهة أن لا ينظر أحد إلى تفاهة، على الأقل لعدم معرفتهم بأن الصيام ركن مفروضٌ في الأولين وليس على المسلمين، كما لا يفقهون حِكم موجباته ولا مُبيحات إفطاره.

إن الله قد شرع الصيام، وقد أمر به وحثّ عباده عليه، إذ يقول في محكم التنزيل:(ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ، فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ علَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ، فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ، وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ، إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة 183،184.

فهذه الآية الكريمة تدلّ على أن الله تعالى، لا يشرع لعباده شيئاً، إلاّ وفيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة؛ (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ)، باعتبار أن هذا الخير يتضمّن (عبادة وموعظة وصبر وصحةّ ووجاء وكفارة)، فهو عبادة يُثيب الله عليها بأفضل ما عنده من الحسنات، وموعظة للتفكر في حياة الفقراء والمتعففين، وصبر ضد مشتهى الأنفس على حساب العقول والألباب، وصحّة تحفظ من الأسقام والبلايا، ووجاء – وقاية- ضد كل معصية، وكفارة عن الخطايا والذنوب، ولو طفنا حول تعداد مناقبه المترامية، وسرد فضائله اللامتناهية، لما وسعنا المجال، ولكن يمكن الإشارة إلى أن العلوم الحديثة أثبتت صحّة وصوابيّة كل ما تقدم ذكره، وهي لا تزال تكتشف خيرات ومنافع أخرى.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق