q
وبالرغم من أنّنا بشكل فعلي لسنا في قلب الحدث، فإن التعرض للمحتوى البصري شديد الصدمية يحفّز ردود الفعل نفسها الناتجة عن التعرض للخطر الفعلي، فيحفز الجهاز العصبي اللاإرادي الجسد للتأهب للدفاع عن نفسه بالهجوم، أو الفرار أو التجمد، وهذا التأهب هو السبب في تعرض البعض لآلام جسدية، صعوبات...

مع تصاعد الأحداث الأخيرة في فلسطين، أصبح الكثيرون منّا يشعرون بالخوف، والقلق، والضغط العصبي، وبات المتابعون للأحداث يعانون من صعوبات نفسية وجسدية كنتيجة للتعرض المستمر بدون توقف للمحتوى شديد الصدمية؛ صور الجثث والأشلاء، أصوات الصراخ والأحداث الدموية.

وبالرغم من أنّنا بشكل فعلي لسنا في قلب الحدث، فإن التعرض للمحتوى البصري شديد الصدمية يحفّز ردود الفعل نفسها الناتجة عن التعرض للخطر الفعلي، فيحفز الجهاز العصبي اللاإرادي الجسد للتأهب للدفاع عن نفسه بالهجوم، أو الفرار أو التجمد، وهذا التأهب هو السبب في تعرض البعض لآلام جسدية، صعوبات في النوم، عدم القدرة على التواصل مع الآخرين، العصبية الشديدة، ومشكلات الهضم وصعوبة أداء المهام اليومية.

الجسد لا يفرق بين واقعنا وما نراه على الشاشة

أجسادنا تتفاعل مع الأفلام والمسلسلات الخيالية، سواء كانت مخيفة أو حزينة، فما بالك كيف ستتفاعل أجهزتنا العصبية أمام ما نراه كل يوم من أخبار موت ودمار وهو حقيقي وفعلي ويحدث الآن على أرض الواقع.

عند التعرض للخطر أو حتّى عند مشاهدته، تستخدم أجسامنا أحد ردود الفعل الثلاثة؛ الهجوم، أو الهروب أو التجمد، ومع عدم وجود مساحة كافية لاستكمال ردود الفعل هذه (كما يحدث في الحقيقة أحياناً)، ومع تواتر المشاهد الصدمية على المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي، تتوقف ردود الفعل، ما قد يسبب آلاماً جسدية، ومشكلات نفسية، وصعوبات متعددة لكل من تعرض لهذه المشاهد المروعة.

الصدمة النفسية الثانوية

يتعرض الكثير من الأشخاص العاملين في مجالات الإغاثة والطوارئ، والصحفيين في مناطق النزاع للصدمة النفسية الثانوية كنتيجة لتعرضهم للأحداث الصدمية الشديدة، والتعرض لتجارب الفقد بشكل متكرر.

ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الأخبار متاحة، وسريعة الانتشار، ومتوالية دون توقف، وهذا بالطبع مفيد لزيادة الوعي العام بخصوص القضايا الهامة والحساسة، لكن انتشار الأخبار على هذه المنصات سلاح ذو حدّين، إذ يتابع المشاهد على هذه الوسائل الأخبار الصدمية بشكل مستمر وبدون توقف، وبالتالي يحرم نفسه من تخصيص الوقت اللازم لهضم التجربة الجسدية والعصبية وردود الفعل الناتجة عن التعرض لمشاهد الخطر.

6 ممارسات تساعد في تجنب الاحتراق النفسي

إن كانت الصدمة تسرق من وقتنا أو تحدث بوتيرة أسرع وأكبر من قدرتنا على تحملها، فيمكننا أن نتابع الأخبار لكن بطريقة مختلفة لا تؤذينا ولا تُشعرنا بالذنب.

١. متابعة الأخبار على مراحل

لا تتابعوا الأخبار دفعة واحدة، وخذوا أوقات استراحة من وقت لآخر في كل مرة متابعة.

٢. تقليل التعرض للمحتوى الدموي

تعرضكم لصدمات نفسية ثانوية لن يساعدكم ولن يساعد المتضررين على أرض الواقع، فأنتم بحاجة لطاقتكم ومرونتكم النفسية لتتمكنوا من تقديم المساعدة المطلوبة بالشكل المستدام.

٣. تجنب متابعة الأخبار لوحدكم

تابعوا المعلومات والأخبار مع الآخرين، وعبروا لهم عن غضبكم وضيقكم وعن أي مشاعر تشعرون بها، سيساعدكم ذلك على تنظيم مشاعركم وردود أفعالكم.

٤. تجنب الدخول في جدالات ونقاشات حادة

تؤدي الجدالات العقيمة والنقاشات الحادة إلى استنزاف طاقتكم وتزيد من شعوركم بالضيق والغضب، لذا حافظوا على طاقتكم لما هو أهم.

٥. استغلال تنوع سبل الدعم

لا ينحصر الدعم بمشاركة الأخبار الصعبة والمهمة بحذر، فمن الممكن أن يتم بطرق أخرى تناسبكم وتساعدكم في استمرار دعمكم دون أن تحترقوا نفسياً، وهذه الطرق تشمل التبرعات عبر القنوات المشروعة والموثوقة، ونشر الوعي.

٦. مسامحة النفس

عند الأزمات، يتمنى المتابعون للأحداث أن تكون لهم قدرة أكبر على المساعدة وتقديم المزيد، لكن للأسف لكل إنسان قدرة معينة وظروف تحد من قدراته على المساعدة، فسامحوا أنفسكم واعملوا ما في وسعكم وحافظوا على سعتكم حتى تتمكن من الاستمرار.

* بقلم: ياسمين مدكور، معالجة نفسية ومتخصصة في الصدمات النفسية بأنواعها وعلاجها.
«CNN الاقتصادية».

اضف تعليق