q
ان خطر وسائل الاعلام النمطي يتجسد في التفكير القطيعي، وقلة التفكير خارج الصندوق، والذهاب وراء السهل، وعدم الاستعداد لبذل المزيد من الأفكار المختلفة الجادة، وهنا يبرز السؤال التالي: كيف يمكن ردع النمطية والخروج بعيدا عن أسوارها؟ توجد نصائح عديدة تنقذ الإنسان من دوامة التفكير القطيعي...

عندما دخلت وسائل الاعلام الجديدة في الحياة الاجتماعية، لم يكن الهدف منها وضع قيود التنميط في الوعي الجمهور، لكن بعد مرور فترة على وجودها في حياتنا، بات من أهم أهدافها صناعة العقل النمطي والتفكير القطيعي، وجعل الجمهور مقولبا نمطيا في أفكاره ونشاطاته، والنتيجة هي إضعاف الفكر البشري واشغاليه بالتفاهة والشائعات باستخدام مختلف اساليب الدعاية.

وسائل الإعلام النمطي وغير المهني اصبح أداة خطيرة لقولبة أفكار الجمهور، وجعله في دائرة تقليدية من الأفكار والتحليلات والتصريحات أيضا، وبهذا يصبح عقله عاجزا عن الخروج بعيدا عن الببغاوية، التي يصنعها الإعلام الببغاوي بصورة آلية، هذا النوع من الإعلام والعقول سوف يكون صيدا سهلاً للثقافات الوافدة من الخارج، فمن لا يمتلك عقلا راجحا قادرا على التفكير بعيدا عن النمطية الجمعية، سوف يقع بسهولة في فخ الإعلام الخارجي وأساليبه في الترويج لثقافات وأساليب مريبة.

هناك إصرار على صناعة العقل النمطي، للبقاء في مراوحة ودوران مستمر في فضاء معروف ومغلق لا جديد فيه، فما هو المطلوب إذاً، هل سنبقى خاضعين للنمطية السائدة والمفروضة علينا وفق أجندات محسوبة؟، أم أن الصحيح هو قطع سلاسل وأغلال التفكير النمطي حتى تصبح عملية التغيير أيسر وأسرع، ولكي لدينا قدرة على مواجهة الأهداف المضادة.

لا يمكن البقاء في دائرة تفكير مغلقة، ولا يصح أن نقع ضحية وسائل تواصل فوضوية، لا تحكمها حدود، ولا قواعد أخلاقية، بل حتى القانونية منها غير قادرة على حماية العقل من النمطية والتسطيح والغباوة الموضوعة مسبقا، فأين تكمن خطورة اجترار الأفكار وما تأثيرها على التفكير؟

من الواضح أن خطر وسائل الاعلام النمطي يتجسد في التفكير القطيعي، وقلة التفكير خارج الصندوق، والذهاب وراء السهل، وعدم الاستعداد لبذل المزيد من الأفكار المختلفة الجادة، وهنا يبرز السؤال التالي: كيف يمكن ردع النمطية والخروج بعيدا عن أسوارها؟

توجد نصائح عديدة تنقذ الإنسان من دوامة التفكير القطيعي أو الجمعي، يعود الأمر بالدرجة الأولى للذات ورغبة الإنسان بالتجديد بالإضافة إلى الهيكل الثقافي الذي يستند عليه، والذي يجب أن يكون هيكلا مبنيا على التحديث المستمر وليس على المراوحة في دائرة فكرية لا تسمح للعقل بالخروج منها إلى فضاءات الابتكار والتجديد، كما يجب الحذر من مواقع التواصل وحملات التضليل حتى غير المقصودة منها، ومكافحتها بالتفكير الرصين المستقل والمنطقي.

فحين يرغب الإنسان بكسر سلاسل التنميط الفكري عليه القيام بما يلي:

- أن لا يستسلم لسهولة الحصول على المعلومات المزيفة والتبعية لها.

- أن لا يتعجّل الدخول في معمعة القطيع.

- أن لا يسمح للإعلام النمطي بخداعه من خلال الابتعاد عن التعامل مع الأخبار والأفكار والتحليلات بطرق مألوفة ومكرَّرة.

- أن يبحث بشكل دائم عن المغايرة، وكسر المألوف، ليس بمنطق "خالف تُعرَف"، ولا بطريقة العناد أو الأنفة الفارغة، فالمغايرة يجب أن تنطلق من ثقة بالعقل والتفكير المتفرّد.

- أن يرفد عقله بما يستجد من أفكار يتم طرحها في أسواق ومحطات الفكر، وأن يتحلى بالقدرة على التمحيص والتفريق بين الأصيل والمزيَّف.

- أن لا ينساق وراء الإعلام المضلِّل.

- أن لا ينبهر بسرعة ببريق ثقافات وافدة ذات طابع قشري.

- أن يمحّص جيدا كل ما يقرأه أو يسمعه، وعليه أن يقرأ ويكتشف ما وراء السطور.

- أن يثق الإنسان بنفسه وعقله، ليس من باب الانغلاق أو "العزّة بالإثم"، بل انطلاقا من قول الإمام علي (ع): أتحسب نفسك جرمٌ صغير.... وفيك انطوى العالم الأكبر".

الخلاصة أن الاعلام الجديد وما انبثق منها من وسائل الاعلام الاجتماعي لم تعد مقبولة كمصدر يُعتمد عليه في تحصيل المعلومات الصحيحة، ولا الأفكار الرصينة، إلا في حال تعامل معها الإنسان بعقلية علمية رصينة يمكنها التمييز بين ما هو جاد ورصين، وبين ما هو عابر سطحي ومزيف، لذلك من المهم أن ينظر الناس إلى شبكات التواصل ومعلوماتها على أنها مشكوك بها حتى يثبت لهم العكس تماما.

اضف تعليق