q
كتاب «النبي» هو دُرَّةُ ما كتبه «جبران خليل جبران»، وخلاصةُ ما توصَّلَ إليه، وعصارةُ تجارِبه الذاتية ونظرته الحياتية؛ فقد ضمَّنَه كلَّ آرائه في الحياةِ والموت، الطعامِ والشراب، الحبِّ والزواج، وغيرها؛ لذا فقد اعتبره جبران «ولادتَه الثانية» التي ظلَّ ينتظرها ألف عام. يعرض الشاعر آراءه الفلسفية المتأملة من خلال...

من تمثال للمفكّر والرسّام جبران خليل جبران عند مدخل بشرّي بشمال لبنان، يدرك الزائر أنه وصل إلى مسقط صاحب كتاب "النبي" الشهير الذي يُحتفل هذه السنة بمئوية صدوره.

في المتحف الذي يحتضن رفات المؤلف منذ وفاته عام 1931، يمكن الاطلاع على نسخ بأكثر من لغة من الكتاب، إذ إن الشهرة الكبيرة التي حظيَ بها بعدما نشرته في أيلول/سبتمبر 1923 دار "كنوبف" الأميركية، دفعت لترجمته الى 115 لغة، وبيعت منه ملايين النسخ، وبات المفضّل لملايين القراء في مختلف أنحاء العالم.

ويقول مدير متحف جبران خليل جبران جوزف جعجع لوكالة فرانس برس إن الكتاب "يتقرّب من روحية كل فرد، من خلال معالجة مواضيع الموت والحياة والصداقة والحب والأولاد وسواها. فيشعر كل قارئ أينما وجد أن هذا الكتاب يعنيه ويمسه في الصميم"، سواء أكان "مسيحياً أو مسلماً أو يهودياً أو غير مؤمن".

وللمؤلّف الذي كتب في "النبي" عبارة "ويل لأمّة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين"، مجموعة كبيرة من الأقوال يتصدر بعضها السور الخارجي للمتحف.

ويذكّر الكاتب والروائي اللبناني باللغة الفرنسية ألكسندر نجار خلال أمسية قراءات من "النبي" أقيمت أخيراً في بيروت، بأن الكتاب حصد في ستينات القرن المنصرم "إعجاب الجامعيين" و"حركة الهيبيز التي استهوتها جملته الشهيرة +أولادكم ليسوا لكم+".

وتعلّق بالكتاب زعماء عالميون ومشاهير، كإمبراطورة اليابان ميتشيكو ورئيسة الوزراء الهندية الراحلة إنديرا غاندي وعضو فرقة "بيتلز" جون لينون والمغني جوني كاش وكثر سواهم، وفق جعجع. وكان نجم الروك الأميركي إلفيس بريسلي "يدوّن عليه ملاحظاته ويهديه الى أصدقائه ويعتبر أنه قلب حياته"، بحسب نجّار.

ويرى نجار أن أسلوب الكتاب "يذكّر بالإنجيل على غرار عبارة +الحقّ أقول لكم+" التي كان يخاطب بها المسيح تلاميذه. ويقترب كذلك من كتاب "هكذا تكلم زرادشت" للفيلسوف الألماني فريدريتش نيتشه. لكنّ جبران بدا في كتابه "أكثر شاعرية وأقل فلسفة"، ملاحظاً أن في "النبي" صوراً "مستقاة من عالم التصوّف".

أما الكاتبة والرسّامة اللبنانية الفرنكوفونية زينة أبي راشد التي أصدرت أخيراً كتاباً بالفرنسية حوّلت فيه "النبي" إلى قصة مصوّرة من 400 صفحة، فترى أن "نص جبران ليس كسائر النصوص. كان تحدياً جميلاً". وتشدّد على أهمية "إعادة نشره بطريقة مختلفة لكي يكتشفه الجيل الجديد من لبنانيين وغير لبنانيين".

الدير متحفاً

على طاولة في إحدى غرف المتحف في بشرّي حيث ولد جبران عام 1883، تُعرض الترجمات الأولى لكتاب "النبي"، وبلغ عددها 11 خلال المرحلة الممتدة من 1923 الى 1931، أبرزها بالألمانية والهولندية. ويضم المتحف 53 ترجمة، من بينها أيضا السويدية والصينية والنروجية.

وأقيم المتحف الذي يطلّ على جبل المكمل من الجهة اليسرى ووادي قاديشا من الجهة اليمنى وتحيط به غابة تطغى عليها أشجار السنديان، في ما كان في مطلع القرن الثامن عشر دير مار سركيس للآباء الكرمليين.

ويروي جان بيار رحمة الذي يعمل في المتحف أن جبران الفتى كان يتردد دائماً على الدير ويرسم رئيسه بالفحم جالساً على المصطبة أمام مدخله الرئيسي.

ويوضح جوزف جعجع أن "رغبة شديدة بالعودة إلى بشرّي كانت موجودة لدى جبران، بعدما هجرها وهو في الثانية عشرة مع والدته وشقيقه وشقيقتيه. (...) لكنه توفي" قبل تحقيق هذه الرغبة.

بعد وفاته، وافق الرهبان على أن يبيعوا الدير والأرض المحيطة به الى شقيقته مريانا، وتحوّل مدفناً له في آب/أغسطس عام 1931، ثم متحفاً لأعماله التشكيلية ومخطوطاته ومقتنياته عام 1975.

لوحاته نصوص

ويعرض المتحف 150 لوحة لجبران من أصل 440 موجودة لديه، إضافة إلى ألف كتاب موزعة على الغرف في طبقاته الثلاث.

ويشير جعجع إلى أن بداية جبران بالرسم كانت بقلم الرصاص والفحم. وفي سنة وفاته عاد إلى الأبيض والأسود، ولكن أياّ كانت التقنية المتّبعة فيها، تحمل لوحاته بأحجامها المتفاوتة "نظرته الروحانية العميقة الى الوجود، إلى الموت والحياة في آن واحد"، وتطغى الأجساد العارية على عدد منها.

فالطبيعة هي الأساس في نتاج ريشته، على ما يقول جعجع. "هي الأم الحاضنة لكل الكائنات، هي الأرض، هي المرأة التي وقفت الى جانبه".

ويحتضن المتحف بورتريهات لأصدقاء وشخصيات عرفها جبران من بينها مي زيادة التي ربطته علاقة حب أفلاطونية معها والمحلل النفسي السويسري كارل يونغ والشاعر وكاتب مسرحية سيرانو دو برجوراك الفرنسي إدمون روستان والفيلسوف الهندي طاغور والكاتبة الأميركية تشارلوت تيلر وسواهم.

ويقول المدير العام لمتحف إتيان دينيه الوطني في الجزائر رابح ظريف الذي كان يزور المتحف "كأن جبران عندما كان يعجز عن التعبير كتابة، كان يلجأ الى الرسم وبالعكس. لوحاته نصوص مفتوحة".

وتأثرت حركة زوار المتحف منذ أسابيع بالتوتر القائم في لبنان على خلفية الحرب بين حركة حماس وإسرائيل. لكن عندما يكون الوضع مستقراً، يصل عدد الزوار إلى 50 ألفاً سنويا، وفق جعجع الذي يشرح أن "المتحف يستقبل في الربيع زواراً أوروبيين، وفي الصيف يأتي اللبنانيون المغتربون فيصل الإقبال إلى ذروته، وما بين هذين الفصلين يقصد المتحف سياح من دول عربية". كما يقصده زوار من الولايات المتحدة وكندا ومن أميركا اللاتينية وأستراليا. و"تتراجع الحركة في الشتاء".

ويزور هؤلاء مدفن جبران داخل مغارة محفورة في الصخر حيث وضع بورتريه له بريشة الرسام اللبناني يوسف الحويك.

في إحدى القاعات، أثاث وأغراض من منزل جبران في نيويورك: إبريق شاي على طاولة منخفضة، وكرسي خشبية ومرآة إطارها برونزي. وكان جبران يجمع صلباناً وأقنعة.

أما مكتبته، فتتوزع محتوياتها على أربع غرف، وتضم مجموعة "البؤساء" لفيكتور أوغو وقصص شيرلوك هولمز وكتبا تاريخية ولاهوتية وفلسفية...

أنشطة المئوية

وجُهِّز المتحف بالآت تعدّل الحرارة والرطوبة للحفاظ على اللوحات والمحتويات. وتعتمد إدارته منذ عشرة أعوام "مكننة العمليات وتحديثها من خلال جهاز دليل الصوت ولافتات الشرح التوضيحي المعلقة على الحائط".

وللمتحف منشورات عدة ويتعاون مع متاحف في الخارج لتنفيذ معارض للوحات جبران ومقتنياته ومخطوطاته.

وأعدت إدارة متحف جبران العدة للمشاركة على مدى عام ونصف عام في معرض في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك بمناسبة مئوية "النبي".

ويوضح جعجع أن المتحف "اختار 23 لوحة نسبة الى 2023 (...)، من بينها ما يمثّل الأشخاص الذي كان لهم دور أساسي في كتاب +النبي+ على غرار والدة جبران الداعمة الأساسية له".

وشارك المتحف بالعشرات من لوحات جبران في معرض أقيم في نيويورك، ضمّ نحو 110 لوحات لجبران موجودة في المتاحف الأميركية.

ويكشف جعجع أن البرازيل أصدرت طابعاً بريدياً في مناسبة المئوية. وتنتهي أنشطة المئوية بمشاركة في معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي افتُتِح أخيراً، وفي مؤتمر عن جبران بجامعة صوفيا في بلغاريا في كانون الأول/ديسمبر.

وتشكّل هذه المكانة العالمية لجبران خليل جبران، مصدر فخر في بشري وكل لبنان.

وقرب المنزل الصغير الذي عاش فيه طفلا في ساحة بشرّي، والذي يتوسط حديقته المهملة اليوم تمثال نصفي له أقيم على قاعدة رخامية، تقيم المسؤولة عن المنزل نايلة كيروز التي تحرص على أن تطلّ من شرفتها القريبة منه لتتفقده، حتى لو كانت في إجازة. وتقول دامعة "ماذا يعني لي جبران؟ الكثير. أنا أعتبره أرزة من أرزات لبنان".

كتاب النبي دُرَّةُ ما كتبه

لا شكَّ أن كتاب «النبي» هو دُرَّةُ ما كتبه «جبران خليل جبران»، وخلاصةُ ما توصَّلَ إليه، وعصارةُ تجارِبه الذاتية ونظرته الحياتية؛ فقد ضمَّنَه كلَّ آرائه في الحياةِ والموت، الطعامِ والشراب، الحبِّ والزواج، وغيرها؛ لذا فقد اعتبره جبران «ولادتَه الثانية» التي ظلَّ ينتظرها ألف عام.

يعرض الشاعر آراءه الفلسفية المتأملة من خلال 26 قصيدة نثرية، وردت على لسان رجل حكيم يدعى "مصطفى"، الذى يرحل عن مدينة قضى فيها 12 سنة منفياً عن وطنه، وعند رحيله أراد أن يعطى لأهل المدينة خلاصة علمه ومعرفته، فأخبرهم عن مختلف جوانب الحياة الإنسانية بطريقة شعرية.

ويضيف كتاب "النبي" قيمة كبيرة للأدب ليس فقط من الناحية الإبداعية، إنما فى الفكرة فـ"جبران" القبطي، جعل من النبي مُعلماً يتسم بالشفافية وصفاء الروح والبصيرة، ليؤكد الشاعر اللبناني بذلك على الوحدة وترابط العلاقة بين المسلمين والمسيحيين.

وفى الكتاب يخبر الرجل الحكيم "مصطفى" أهل المدينة كل ما يتعلق بحياة الإنسان وعلاقته مع الآخرين، فكلمهم فى الحب والزواج والبيوت والثياب والبيع والشراء، والجريمة والعقاب والقوانين والحرية، والعقل والعاطفة، والدين والأخلاق، والكلام والزمن والخير والشر، والألم والتعليم والصداقة، والجمال والكرم.

يُعتبر جبران خليل جبران ظاهرة غريبة في كتابات وخطابات ومنشورات القرن العشرين؛ فقد كان في المرتبة الثالثة لأكثر الشعراء مبيعاً في كل العصور بعد شكسبير والشاعر الصيني لاو تسي؛ ويعود ذلك إلى رائعته "النبي" التي نُشِرت عام 1923.

يوظِّف الكتاب الذي يوفر المشورة حول عدد من الجوانب الأساسية للإنسانية -مثل الحب والأبوة والأمومة والصداقة والخير والشر- جهاز سرد بسيط. يحكي عن رجل في المنفى اسمه المصطفى، يعيش في الخارج منذ اثنتي عشرة سنة، يملؤه الحزن عند رؤية السفينة التي ستعيده "إلى جزيرة مسقط رأسه" وهي تقترب، يجتمع سكان المدينة ويطلبون منه أن يسرد على مسامعهم أقوال الحكمة لمواساتهم في حزنهم قائلين:

"في وحدتك كنت حارسنا، وفي يقظتك استمعت إلى بكاء وضحك نومنا.

والآن افصح لنا عن أنفسنا وأخبرنا بكل ما تكشف لك بين الولادة والموت"

عاش جبران في الولايات المتحدة لمدة اثنتي عشر عاماً وقت كتابة هذا "النبي"، ويمكن القول إنه كان في نوع من المنفى عن لبنان، مسقط رأسه. من بين مواضيع كثيرة، يقدّم "النبي" تأملات في الزواج: "كونا سويًّا، إنما بشيء من المسافة: فأعمدة المعبد متباعدة، وأشجار البلوط والسرو لا تنموان في ظلّ بعضهما بعضا".

وقد تعرض جبران لانتقادات بسبب أسلوبه في الكتابة الذي يثير اللبس، لكنه كان مستنداً على الأضداد، وهو ما قد يقول البعض أنه يمكن أن يعني أي شيء. (على المرء أن يلاحظ مع ذلك أن هذا المزيج من الهياكل الثنائية هو سمة من سمات النصوص الحكيمة الدائمة مثل كتاب داوديجنغ الذي كتبه لاو تسي مؤسس الديانة الطاوية، بالإضافة إلى أنه يعيد إلى أذهاننا كتابات الصوفية والتقاليد الأخرى).

بالنسبة إلى الشخص الذي "حقق كل ذلك" وفقاً للمعايير المقيتة للعالم الجديد، ربما كان في جعبة جبران ما هو أكثر من مجرد حكمة ومعرفة لأولئك الذين يحاولون البقاء على قيد الحياة في مناخاتها المتقلبة. والحقيقة هي أن الملايين من الناس وجدوا راحة مؤقتة في كلماته المتغيرة والمثيرة.

كان أثر "النبي" كترياق باقي الأثر. أرخص ثمنًا من الضرائب المدفوعة لشركات الأدوية. إنه لا يحرض على الكراهية ولا العنف ولا الانقسام الديني. يخبرنا الكتاب بالأمور التي نرغب أحيانًا في سماعها ممن نثق بهم مما يبعث فينا الراحة. في هذه الأوقات العصيبة، ربما يمكننا أن نقدّر قيمة هذا الكتاب المطلقة ونترك نجاحه المحير جانباً.

ولعل أهم ما يميز الكتاب أنه يضم لوحات جبران التشكيلية التي رسمها طوال حياته، ولكن هذه اللوحات لم تنل نفس شهرة الأعمال الأدبية له، حيث إن الناس عرفته في البداية كشاعر، وربما لأن أعماله الفنية عبرت عن الأفكار الفلسفية بشكل أكبر؛ فجاءت تناقش علاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة الإنسان بالحياة، ولذلك نجدها قد اشتهرت فى الغرب أكثر من العرب.

من هو جبران خليل جبران؟

شاعرٌ وقاصٌّ وفنانٌ، وأديبٌ لبناني، وأحدُ روَّادِ النهضةِ في المنطقةِ العربية، ومن كبارِ الأدباءِ الرمزيِّين.

هو «جبران بن خليل بن ميخائيل بن سعد»، وُلِدَ في بلدةِ «بشري» بشمالِ لبنانَ عامَ ١٨٨٣م، لعائلةٍ مارونيةٍ فقيرة. سافَرَ منذ صِغَرِهِ مع عائلتِهِ إلى الولاياتِ المتَّحدةِ عامَ ١٨٩٥م، وهناك تَفشَّى داءُ السُّلِّ في أسرتِه، فماتوا الواحدُ تِلْوَ الآخَر، وعلى إثرِ ذلكَ عانى جبران معاناةً نفسيةً ومادِّيَّةً كبيرة، إلى أنْ تعرَّفَ على سيدةٍ تُدْعَى «ماري هاسكل»؛ حيث أُعجِبتْ بفنِّه فتبنَّتْه ومنحَتْه الكثيرَ من مالِها وعطفِها.

درَسَ جبران فنَّ الرسمِ في الولاياتِ المتَّحدة، وتعمَّقَ في دراستِهِ عندما سافَرَ إلى فرنسا فيما بعدُ، وكانَ -إضافةً إلى كونِهِ فنانًا بارعًا وأديبًا وقاصًّا متميزًا- صاحِبَ مدرسةٍ أدبيةٍ تحمِلُ لونًا خاصًّا؛ حيث اتَّسَمَ جبران بسِعَةِ الخيالِ وعُمْقِ التفكيرِ وغزارةِ الإنتاج، والأسلوبِ السهلِ الجامعِ بينَ حرارةِ الوِجْدان، وجمالِ الصورة، والتأثُّرِ بالطبيعة، والالتزامِ برسمِ المعنى مع إحاطتِهِ بهالةٍ من الغموض؛ حيث تُعَدُّ سَرْديَّاتُه رمزيَّةً إلى حَدٍّ كبير؛ مما يُثيرُ الذهنَ والفكرَ لدى المتلقِّي.

للحبِّ في حياةِ جبران مكانةٌ كبيرة؛ فهو -على غِرارِ الشعراءِ العُذْريِّينَ العرب، والرومانسيِّينَ في الغرب- يؤمِنُ بقضاءِ الحبِّ وقَدَريَّتِهِ التي لا قِبَلَ للإنسانِ بِرَدِّها أو تجنُّبِها.

التفَّ حوْلَ جبران العديدُ من الأدباءِ والشعراءِ السوريِّينَ واللبنانيِّين، كميخائيل نعيمة، وعبد المسيح حدَّاد، ونسيب عريضة، وأنشَئوا معًا ما سمَّوْهُ «الرَّابِطة القَلَميَّة»، التي أرادوا من خلالِها تجديدَ الأدبِ العربيِّ وإخراجَهُ من مستنقعِهِ الآسِن، وقد أُسِّسَتْ هذه الرابِطةُ في منزلِهِ عامَ ١٩٢٠م، وانتخبوهُ عميدًا لها.

تُوفِّيَ جبران خليل جبران في نيويورك عامَ ١٩٣١م، بسببِ مرضِ السُّلِّ وتلَيُّفٍ أصابَ الكَبِد، وقد تَمنَّى جبران أن يُدفَنَ في لبنان، وتحقَّقَتْ له أمنيتُهُ عامَ ١٩٣٢م؛ حيث نُقِل رُفاتُه إليها، ودُفِنَ هناك فيما يُعرَفُ الآن باسمِ متحف جبران.

من أقواله في كتاب النبي

يقول عن الأطفال:

 قد تعطيهم حبك ولكن ليس أفكارك

لديهم أفكارهم الخاصة

يمكنك إيواء أجسادهم ولكن ليس أرواحهم

لأنهم يسكنون في بيت الغد الذي لا تستطيع زيارته ولا حتى في أحلامك".

ويقول عن الألم:

"حتى عندما يتعين علينا تحطيم بذرة الفاكهة، فلا مفر من تركها تحت الشمس لتنضج، هكذا يجب أن تعرف ألمك"

ويقول عن الحب:

إذا أومأ الحب إليكم فاتبعوه، وإن كان وعر المسالك، زلق المنحدر.

وإذا بسط عليكم جناحيه فأسلموا له القياد، وإن جرحكم سيفه المستور بين قوادمه.

وإذا حدثكم فصدقوه، وإن كان لصوته أن يعصف بأحلامكم كما تعصف ريح الشمال بالبستان.

وعن العمل:

أنت تعمل كي تلاحق الأرض وتقارب سرها.

فمن توانى صار غريباً عن مواقيتها، خارجاً عن موكب الحياة.

“هكذا الحب أبدًا لا يعرف ما له من غور إلا ساعة الفراق.”

وهو كما يشدُّ من عودكم، كذلك يشذب منكم الأغصان.

وكما يرتقى إلى فنن هاماتكم ويداعب أغصانكم الغضة تميسُ في ضوء الشمس، كذلك يهبط إلى جذوركم العالقة بالأرض فيهزُّها هزّا.”

“الحب لا يُعطي إلا ذاته، ولا يأخذ إلا من ذاته. والحب لا يَملك، ولا يَملكه أحد، فالحب حسبه أنه الحب.”

“ليُحبَّ أحدكما الآخر، ولكن لا تجعلا من الحب قيدًا، بل اجعلاه بحرًا متدفقاً بين شواطئ أرواحكما.”

وعن العقل والعاطفة يقول:

وإذا جلست فوق التلال في الظل الرطيب لأشجار الحور البيض، وشاركت ما ترامى من الحقول والمروج هدأتها وصحوها، فدع قلبك يردد فى سكون: "إن روح الله تسكن في العقل".

وإذا هبت العاصفة، وهزت الريح العاتية أرجاء الغابة، وأفصح الرعد والبرق عن جلال السماء، فدع قلبك يردد في خشية: "إن روح الله تموج في العاطفة".

وما دمت نفسا يتردد في ملكوت الله، وورقة تضطرب في غابته، فلتسكن أنت أيضاً في العقل، ولتموج في العاطفة.

أما عن الحزن والفرح:

يقول بعض الناس: "الفرح أسمى من الحزن".

ويقول آخرون: "إنما الحزن أسمى".

ولكنى أقول لكم إنهما لا ينفصلان.

معا يقبلن، وإذا انفرد أحدهما بك على المائدة، فاذكر أن الآخر يرقد في فراشك.

 “إنك لتُعطي القليل حين تُعطي مما تملك، فإذا أعطيت من ذاتك أعطيت حقاً.”

“جميل أن تُعطي من يسألك، وأجمل منه أن تُعطي من لا يسألك وقد أدركت عوزه،

 فالسعي إلى من يتقبل العطاء هو للجواد المعطاء متعة تتجاوز العطاء ذاته.”

“لعمري إن الحياة ظلام إلا إذا صاحبها الحافز،

 وكل حافز ضرير إلا إذا اقترن بالمعرفة،

وكل معرفة هباء، إلا إذا رافقها العمل،

وكل عمل خواء، إلا إذا امتزج بالحب.

فإذا امتزج عملك بالحب فقد وصلتَ نفسَك بنفسك، وبالناس وبالله.”

“وما يكون العمل الممزوج بالحب؟

هو أن تنسج الثوب بخيوط مسلولة من قلبك، كما لو كان هذا الثوب سيرتديه من تحب.

هو أن تبني دارًا والمحبة رائدك، كما لو كانت هذه الدار ستضم من تحب.

هو أن تنثر البذور في حنان، وتجمع حصادك مبتهجًا، كما لو كانت الثمار سيأكلها من تحب.

هو أن تنفح كل ما تصنعه يداك بنسمة من روحك، وأن تدرك أن كل الراحلين المباركين ملتفون حولك يراقبون.”

“إنما فرحكم حزنكم رفع عن وجهه القناع.

وما أكثر ما تمتلئ البئر التي تستقون منها ضحكاتكم بفيض دموعكم.

وكيف يكون الأمر غير ذلك؟

فعلى قدر ما يغوص الحزن في أعماقكم يزيد ما تستوعبون من فرح.

حين يستخفك الفرح، ارجع إلى أعماق قلبك، فترى أنك في الحقيقة تفرح بما كان يومًا مصدر حزنك.

وحين يغمرك الحزن تأمل قلبك من جديد، فسترى أنك في الحقيقة تبكي مما كان يومًا مصدر بهجتك.”

وعندما يخبو الظل ويتلاشى، فإن الضوء المتلبث يصبح ظلاً لضوء جديد.

وهكذا تكون حريتكم، ما أن تخلص من أغلالها حتى تغدو هي نفسها قيدًا لحرية أعظم.”

“إن عقولكم وعواطفكم هى الدفة والشراع لأرواحكم السارحة في البحار، فإذا تحطمت الدفة أو تمزق الشراع، تقاذفتها الأمواج فضلَّت، أو توقفت بلا حراك وسط الخضم.

فالعقل إذا سيطر وحده بات قوة تقيدكم، والعاطفة إذا تركت وشأنها دون وازع غدت لهيبا يتلظي حتى تخمد. فدع روحك تحلق بعقلك إلى ذرى العاطفة، حتى تصدح بالنغم. ودعها تهدى عاطفتك بالحجا، فالعاطفة تحيا كل يوم بالبعث المتجدد، كالعنقاء تحرق نفسها ثم تنهض من بين الرماد.”

“إن الألم الذي بكم هو أن يتفتق الستر الذي يحيط بإدراككم. وكما أن نواة الثمرة تتفتق لتكشف قلبها للشمس، كذلك الألم لا مناص لكم من أن تخبروه.

ولو استطعت أن تجعل قلبك يتهلل دائما للعجائب التي تتكشف لك كل يوم، لرأيت أن آلامك لا تقل روعة عن أفراحك.

 “ادخر لصديقك خير ما في نفسك، فإذا حق له أن يعرف ما يصيب حياتك من جزر، فدعه يعرف أيضًا ما يغمرها من مد.”

“إنكم تتكلمون حين يدب الخصام بينكم وبين أفكاركم، فإذا عجزتم عن أن تخلدوا إلى عزلة قلوبكم تعلقت حياتكم بشفاهكم، وانطلقت أصواتكم تلهيًة وإزجاءً للفراغ. ومع أكثر كلامكم يهلك نصف تفكيركم.”

“في أعماق آمالكم ورغباتكم تقبع معرفتكم الصامتة بالغيب.

وتحلم قلوبكم بالربيع، حلم البذور مكنونة تحت الثلج.

ثقوا بالأحلام، إن في أطوائها باب الخلود.”

وما نحن إلا بذور النبات المكين، لا تتلقفنا الريح لتنثرنا إلا عندما ننضج وتفعم قلوبنا.”

“لقد قيل لكم إنكم كالسلسلة ذاتها، وإذ كنتم كالسلسلة فأنتم ضعاف كأضعف حلقاتها.

وما هذا القول إلا نصف الحقيقة، فأنتم أيضًا أقوياء كأقوى حلقاتها.

ومن يقسكم بأقل أعمالكم شأناً، يكن كمن ييقدر جبروت المحيط بوهن زبده.

ومن يحكم عليكم بما أصابكم من إخفاق، يكن كمن يلوم الفصول على تقلبها.”

“أجل، إنكم كالمحيط،

ومع أن السفن الجانحات المثقلات تنتظر المد على شواطئكم، فإنكم كالمحيط لا تستطيعون أن تتعجلوا نصيبكم من المد.

“إنكم لستم رهناء أجسادكم، ولا سجناء بيوتكم وحقولكم،

فإن ذاتكم تسكن فوق الجبل، وتسري مع الريح.

* المصدر: وكالات، فرانس برس+مواقع انترنت

اضف تعليق