ثقافة وإعلام - أدب

أثقال

لقد وهن جسدي ولم اعد قادرا على حمل كل تلك الأثقال .. لكن لامناص من ذلك، انها ملتصقة بي وأي محاولة للخلاص او التخلص منها غير ممكنة .. في سنيني الاخيرة صرت كثيرا ما اتذكر تلك الجملة التي سمعتها أيام فتوتي وشبابي .. إذ قال لي احدهم يوما؛ انت الآن لا تشعر بثقل الأحمال...

لقد وهن جسدي ولم اعد قادرا على حمل كل تلك الأثقال .. لكن لامناص من ذلك، انها ملتصقة بي وأي محاولة للخلاص او التخلص منها غير ممكنة .. في سنيني الاخيرة صرت كثيرا ما اتذكر تلك الجملة التي سمعتها أيام فتوتي وشبابي .. إذ قال لي احدهم يوما؛ انت الآن لا تشعر بثقل الأحمال التي ترفعها، ولكن حين تكبر وتشيخ ستضج اوجاعا في زوايا جسمك وتستوطن وهن عضلاتك ..!

كان كل شيء في الحياة يبدو لي جميلا، ويستحق ان اجازف لأجله .. فمتعة الحصول على المال والمكانة المميزة بين الناس واقتناص الفرص، ما بعدها متعة .. سعيت ومنذ صباي لذلك ونجحت في كل محاولتي تقريبا .. لكني كنت اشعر بشيء من الثقل يضغط على دواخلي، وبين احشائي تتجول في الليل مخالب وحش عابث تزداد قسوة مع الأيام .. غالبا ما يداهمني هذا الإحساس قبل النوم عندما اقلّب اوراق يومي، الاّ أني اغفو اخيرا، وأصحو صباحا اكثر استعداد لرفع الأحمال مهما كان ثقلها وشكلها ولونها وجهتها.

صفق لي كثيرون وتقربوا مني، وصار لي اتباع وسمّار .. لقد اصبحت املك المال وبات لي اسم يتردد على شفاه الغانيات في ليالي أنسي .. لكن مع مرور السنين، صرت حينما اغفو ارى الأحمال التي رفعتها تتحول الى كائنات خرافية، تجثم على جسدي وتهرسه .. اصرخ واصرخ ، لكن احدا لم يسمعني .. وحين اصحو في اليوم التالي، اشعر بجسدي وقد بات اثقل، فأقرر ان لا ارفع احمالا اخرى .. لكني اعود الى لعبتي حين ترقص في اعماقي لذائذ الحياة وتدعوني للرقص معها .. فأنا احب المتع واحب أن اكون مميزا .. يا إلهي كم هشّمت الكثير من الأحجار الصلبة التي وقفت امام كثيرين غيري وعجزوا عن ازاحتها بل حتى لمسها، وكم امتلأت بالفخر وانا منغمس بملذاتي التي اصنعها بيديّ .. لقد خوّفت الكثيرين، ليس بعضلاتي وحدها بل بدهائي في كيفية استخدامها، حتى غدوت نجما يسير الجاه معي ويجللني، فأشعر بالزهو وانظر للحياة وكإنها باتت ملكي.

الآن وقد غدا جسدي حطاما، اجد نفسي كلّ ليلة أسامر الكوابيس، اسحل خلفي اجسادا مشوهة وكتلا كبيرة من اوراق نقدية تالفة، واعضاء عفنة لحيوانات نافقة، ومن حولي يضج المكان بعويل يمزّق احشائي .. استنجد بأصدقائي وسمّاري وبالناس الذين ينظرون لي من بعيد ويضحكون .. لكني لم اسمع سوى صدى صوتي الذي يضيع وسط الضجيج .. تدفعني ريح عاصفة واجد نفسي اتدحرج واتدحرج .. حتى اقف مضطربا على شفا واد سحيق .. احاول ان اتماسك لكن جسدي الواهن لم يسعفني، فافقد السيطرة على نفسي وتسبقني الى الوادي احمالي الهائلة لتلقي بي معها في الهوّة السحيقة. ..

اضف تعليق