مصطفى اللباد

 

مازالت التداعيات الإقليمية لفوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية تتوالى، ولعل السؤال الأكثر تكراراً في هذه المرحلة هو: هل يلغي ترامب الاتفاق النووي مع إيران، خصوصاً مع إعلانه عن الامتعاض من « الاتفاق السيئ» أثناء الحملة الانتخابية. تحاول هذه السطور إلقاء الضوء على الجوانب المختلفة للمسألة، مع ملاحظة أن التحليل السياسي يبقى زمنياً ونسبياً على الدوام، في حين يتميز التنجيم الرائج في بلادنا وإعلامنا بالسرمدية والإطلاق. بمعنى أن ما يصلح الآن تحليلياً، على الأغلب لن يكون كذلك في فترات مقبلة وهكذا.

الاتفاق النووي ومزاياه أميركياً

جاء الاتفاق النووي بين الدول الست الكبرى وإيران في سياق رؤية أميركية متعددة الجوانب، وليس ضمن حملة نيات جيدة من أوباما وإدارته في مواجهة نيات سيئة من الكونغرس. كان الأمر مندرجاً في سياق رؤية الإدارة الأميركية للاتفاق بأنه سيحقق مصالح أميركية متنوعة، وبالتالي كان الدفاع عن الاتفاق داخل أميركا دفاعاً عن المصالح الأميركية وليس عن إيران أو الاتفاق النووي. الميزة الأولى التي حققها الاتفاق لأميركا كان منع إيران من امتلاك السلاح النووي طيلة فترة الاتفاق، أي خمسة عشر عاماً، بضمانات وبرقابة دولية. الميزة الثانية تمثلت في فتح إيران وأسواقها الواعدة أمام الشركات الأميركية العملاقة، وهو هدف لم يمكن تحقيقه خلال فترة العقوبات المفروضة على إيران وإجراءات الحماية التجارية التي اعتمدتها إيران لمواجهة ذلك. الميزة الثالثة المترتبة على الثانية أن فتح الأسواق الإيرانية أمام الشركات الكبرى سيغير معادلات القوة الاقتصادية داخل إيران لمصلحة التيار الإصلاحي في مواجهة «الحرس الثوري»، وبالتالي معادلات السياسة داخل إيران. بمعنى آخر، يحقق الاتفاق النووي لأميركا الأداة الممتازة لمحاولة تغيير المعادلات الإيرانية الداخلية. الميزة الرابعة تدور حول المسكوت عنه في نص الاتفاق النووي مع إيران، أي أن إبرام أميركا للاتفاق النووي مع إيران في الوضع الإقليمي الجديد يعني اعترافا أميركيا بنفوذ إيران الإقليمي ـ مع هوامش اختلاف ـ وفي الوقت نفسه تحميلها مسؤولية إقليمية متعاظمة تتواكب مع رغبة أوباما في التخفف من أعباء المنطقة والتواجد العسكري فيها.

صعوبات إلغاء الاتفاق النووي

قد تبدو الأمور سهلة على السطح، فالرئيس الأميركي يملك الصلاحيات اللازمة لإلغاء الاتفاق، ومع ذلك فالأمور أكثر تعقيداً في العمق. لم يكن الاتفاق النووي أميركيا ـ إيرانيا فقط، وإنما اتفاقاً دولياً متعدد الأطراف ومتضمناً بقرار من مجلس الأمن الدولي. وبافتراض أن ترامب سيلغي الاتفاق من الجانب الأميركي، فإن الاتفاق سيبقى قائماً وملزماً مع ذلك للدول الخمس الأخرى: روسيا والصين وألمانيا وفرنسا وإنكلترا. وبسبب الطابع الدولي والأممي للاتفاق، لن يقتصر الأمر على العلاقات بين واشنطن وطهران، وإنما سيمتد لعلاقات أميركا مع موسكو وبكين وبرلين وباريس ولندن. وفوق كل ذلك هناك مصالح أميركية داخلية اقتصادية تحبذ الاتفاق مع إيران رغبة منها في جني المزايا من جراء الاتفاق. ولعل المثال الأشهر على ذلك يتمثل في تلبية رغبة إيران بتحديث أسطولها الجوي المدني وشراء ما يناهز مئتي طائرة تتنافس على توريدها شركة «إير باص» مع شركة «بوينغ» بمبالغ تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات.

ونظرًا لطبيعة النظام السياسي الأميركي ووجود مجموعات ضغط داخله، فلن يكون الأمر سهلاً على ترامب حتى مع توافر غالبية «جمهورية» في الكونغرس بمجلسيه، وهو أمر لم يحظ به أوباما وحزبه «الديموقراطي». وحتى بافتراض أن ترامب سيقدم على خطوة إلغاء الاتفاق النووي مع إيران من جانب واحد، سينفتح الباب على السؤال التالي: كيف يمكن لأميركا منع إيران من تطوير برنامجها النووي؟ الإجابة لا تحتمل سوى طريق واحد لفعل ذلك: الحرب على إيران. وهل يمكن التفكير بحرب ضد إيران وواشنطن راغبة في الانسحاب من المنطقة؟ ولنفترض أن واشنطن ستحارب إيران وتبقى في المنطقة، كيف سيبدو الاصطفاف الإقليمي الجديد بعد الحرب؟ وهل هناك أصلاً إمكانية اصطفافية لكبح نفوذ إيران الإقليمي؟.

الخلاصة

يستطيع ترامب نظريا إلغاء الاتفاق النووي مع إيران من جانب واحد، لكن ذلك الأمر يتطلب تبلور سياق أميركي جديد للإقليم وللعالم، وهو أمر غير متوافر راهناً. لا يستبطن سؤال النووي الإيراني مجرد اتفاق يمكن شطبه عند توافر الظروف، وإنما ملخص مكثف للتوازنات الإقليمية في صيغتها الراهنة.

اضف تعليق