بروس ريدلنشر

 

أرسى الملك سلمان أكثر السياسات الخارجية طائفيةً وأيديولوجيةً وحزمًا في تاريخ السعودية الحديث. فبعد عقودٍ من توخي الحذر وعدم المخاطرة، يبدو أن الملك وفريقه من كبار الشخصيات من بين اللاعبين الجريئين الذين يفضلون المجازفة.

فبعد مرور عامٍ ونصف على قرار سلمان بإطلاق عملية عاصفة الحزم لمنع المتمردين الشيعة الحوثيين من السيطرة على اليمن، دخلت المملكة العربية السعودية مع إيران، منافستها التاريخية حتى اليوم، في صراعٍ إقليمي طائفي بات اليوم محتدمًا أكثر من أي وقتٍ مضى. ومن شأن هذا الصراع أن يؤثر على المنطقة كلها تأثيرًا خطيرًا.

لقد كان القرار السعودي منذ عامٍ ونصف العام متسرعًا وغير مدروس من دون تخطيط واضح لكيفية تحقيق نصرٍ حاسمٍ. فالتحالف الذي تمّ إنشاؤه في وجه الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح جاء أيضًا متسرعًا وينقصه لاعبان أساسيان هما: عمان وباكستان.

فالنسبة لإيران كانت تكلفة هذه الحرب رخيصة جدًا لعرقلة أعدائها في الخليج ضمن صراع تتزايد كلفته. وفي الوقت نفسه، استمرت إيران تحقق تقدمًا في العراق وسوريا. فحلفاؤها في كلا البلدين كان يحرزان تقدمًا على الأرض. أما دورها في اليمن فلطالما كان محدودًا وغير مكلف. الإيرانيون مستعدون للمحاربة حتى سقوط آخر يمني. هذا ولا ننسى أن الإيرانيين يستغلون الحرب لتأجيج الغضب في المجتمعات الشيعية في البحرين والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

وفي الوقت نفسه، فإن الحرب تشوه صورة المملكة في الغرب. فقد أفاد تقرير مهم عن الحملة الجوية للتحالف صدر هذا الشهر أن غارة من بين كل ثلاثة غارات جوية أصابت أهدافًا مدنيةً بما في ذلك مساجد ومدارس ومستشفيات.

وتعتمد الحملة الجوية لقوات التحالف على دعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ولكن ثمة انتقادات متزايدة لهذا الدعم وصفقات بيع الأسلحة إلى الرياض من جانبي المحيط الأطلسي.

فقد وصف أحد أعضاء الكونغرس الديموقراطي الحرب الجوية لقوات التحالف بأنها "غير قانونية" "ومستهجنة". وفي ظل الجدل المتزايد حول هذه الحرب سمح الكابيتول هيل رفع الدعاوى ضد مسؤولين سعوديين لتورطهم المزعوم في هجمات القاعدة في أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001.

وعلى عكس الحج في عام 2015 الذي أسفر عن وفاة ما يقارب 2000 شخصٍ من الحجاج، مرّ الحج هذا العام من دون أي مشاكل تذكر ويعود ذلك بالإجمال إلى تحسن الإجراءات السعودية لضمان سلامة الحجاج.

وشملت هذه الاجراءات مراقبة أفضل للحشود ومركز قيادة أكثر تطورًا. ومع ذلك شاب الحج هذا العام حرب كلامية بين السعوديين والإيرانيين. فقد صرّحت إيران أنه بسبب قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في وقت سابق مُنع الحجاج الإيرانيون من القيام بالزيارة الدينية. هذا وقد طالبت إيران أن يتم تسليم شؤون إدارة الحج إلى هيئة إسلامية مشتركة.

وجاء ردّ المؤسسة الدينية السعودية غير مسبوق. فقد قال المفتي السعودي الشيخ عبد العزيز الشيخ إن الشيعة الإيرانيين ليسوا مسلمين وأنهم يتبعون الدين الزرادشتي، وهي ديانة إيرانية قديمة ما قبل إيران الإسلامية.

وليست هذه الاتهامات ضد الشيعة بأنهم كفار جديدة، فهي تعود إلى الأيام الأولى للوهابية. وقد وصف مسؤول سعودي كبير، الأمير خالد الفيصل، حاكم مكة، الإيرانيين بأنهم كذابين والنمامين لأنهم دعوا لتغيير إدارة الحج.

ويبدو أن كل من الرياض وطهران تسكبان الزيت على نيران الطائفية في العالم الإسلامي. هذا ولا تبدو السعودية أنها تراجع نفسها في ما يخصً سياستها الدبلوماسية الحازمة وخطابها الجريء. فكلّ من ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان يؤيدان المواقف المتشددة ضد إيران.

يذكر أن شائعات انتقاد محمد بن سلمان تزداد من وراء الكواليس وذلك بصفته وزير الدفاع وبسبب دوره في الصراع في اليمن. غير أنه لم تظهر أي بوادر استياء من والده الملك سلمان حول سياسته هذه، ورضى الملك هو أكثر ما يهمّ في أي مملكة.

ثمة إشارات تدل على أن السعوديين يسعون إلى مزيد من التعصب الطائفي في صراعهم الوجودي مع إيران. ففي وقتٍ سابقٍ من هذا العام، حضر رئيس المخابرات السعودي السابق الأمير تركي الفيصل اجتماع جمعه مع المجموعة الإيرانية المنشقة عن النظام، مجاهدي الخلق، حيث طالب معظم الحاضرين بتغيير النظام في إيران.

وقد جذب انتباه الإعلام السعودي آخرون من المنشقين الإيرانيين بما في ذلك الانفصاليين العرب الذين يطالبون باستقلال خوزستان. لكن ليس لدى السعوديين القدرة الكافية لتحدي الجمهورية الإسلامية في عقر دارها ومع ذلك مما لا شك فيه من شأن هذه الخطوات إغضاب طهران.

استمرت السعودية على مرّ العقود تتوخى الحذر وتتجنب المخاطر في سياستها الخارجية. فمنذ عهد الملك فيصل وصولًا للملك عبد الله، تجنبت المملكة النزاعات قدر المستطاع وفضلت العمليات السرية على التدخلات العسكرية الجريئة.

فالملك فيصل خاض حربًا بالوكالة (بريطانيا والأردن وإسرائيل) ضد مصر في اليمن لتسليح الملكيين ودعا لدعم الشاه في القمة الإسلامية الأولى.

الملكان خالد وفهد بقيا على هامش الحرب بين إيران والعراق. وقد استخدم الملك فهد محفظة الرياض لإجبار الرئيس العراقي صدام حسين على قبول وقف إطلاق نار نهائي.

في أفغانستان، قام فهد بتمويل الحرب التي خاضها الأفغان والباكستان. أما في الربيع العربي، كان عبد لله يعمل من وراء الكواليس للإطاحة بالإخوان المسلمين في مصر وتدخل في البحرين الصغيرة مستخدمًا القوة.

بينما تجنب شقيقا سلمان خوض المغامرات العسكرية الخطرة، تبدو الحرب في اليمن خطوة مهمة نحو تنفيذ أجندة أكثر طائفية. ولكن من الصعب الاستمرار بالسياسات العدائية التي يتبعها سلمان خاصةً إذا استمر سعر النفط بالانخفاض.

وقد تكون زيارة ولي العهد نايف إلى نيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر فرصة مناسبة للمسؤولين الأميركيين للضغط من أجل إيجاد تسوية للصراع والحد من التوترات الطائفية.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق