أشرف الصباغ

 

في 19 سبتمبر/ أيلول، انتهت فترة وقف إطلاق النار، أو ما يعرف بـ "الهدنة" في سوريا، والتي استمرت لمدة 7 أيام، وعلى الرغم من محاولات دعم هذه الهدنة، والتصريحات الدبلوماسية التي سعت قدر الإمكان إلى تحقيقها ضمن الإطار المتفق عليه بين روسيا والولايات المتحدة، إلا أن كفة خرق وقف إطلاق النار، وانتهاك الاتفاقات، كانت هي الراجحة.

الاتهامات بانتهاك الهدنة متبادلَة بين موسكو وواشنطن. والإدانات متبادلة أيضا بشأن عدم إمكانية السيطرة على الأطراف الحليفة لكل من الطرفين الكبيرين اللذين بذلا الجهود لإرساء تلك الهدنة، تمهيدا لخطوات عملية في مواجهة الإرهاب.

وفي الحقيقة، فقد كانت موسكو على أمل أن تتحقق هذه الهدنة لكي يستكمل الطرفان الكبيران تدشين الإجراءات اللاحقة.

ولكن يبدو أن الهدنة لم تبدأ أصلا، ولم تكن في حقيقة الأمر. فطوال أسبوع كامل، رفضت الولايات المتحدة الإفصاح ولو حتى عن بعض جوانب "التفاهمات" التي توصلَت إليها مع روسيا.

بينما داعت الأخيرة وناشدت وألحت بشأن ضرورة "تنوير" الرأي العام العالمي والإقليمي، ووضعه في صورة ما يحدث.

ومع ذلك، صممت واشنطن وتجاهلت هذه الدعوات والمناشدات، ما أكد أن هناك نوايا غير طيبة من جانب الولايات المتحدة، أو أنها لا تستطيع عمليا التحكم في حركة أنصارها وحلفائها في الداخل السوري، أو الضغط على المعارضة في الخارج.

وفي أحسن الأحوال، يمكن أن نتوقع أن واشنطن كانت لديها نية مسبقة لتفسير بعض بنود هذه "التفاهمات" بشكل يتعارض مع المنطق، ومع الفهم الروسي لها. وبالتالي، بدت هذه الهدنة وكأنها لم تكن.

لم تكن هذه الهدنة، وتوقيتها، واتساقها مع موازين القوى، مناسبة لكل الأطراف، بما فيها دمشق. ولكن "التفاهمات" عادة ما تتطلب حلولا وسط، وإرادة سياسية، وشفافية من أجل تحقيقها على أرض الواقع.

كل التحليلات وصلت إلى أن الولايات المتحدة تحايلت والتفت لكي تمنح حلفاءها الفرصة لإعادة لم الشمل وترتيب الصفوف، مع دعم لوجستي يتمثل في تفسيرات ملتوية لبنود الاتفاقات أو "التفاهمات" التي لم يعلن أي طرف عنها.

انتهت الهدنة بأخبار سيئة للغاية، سواء بالنسبة لقوات الجيش السوري الذي فقد 62 عسكريا وحوالي 100 جريح بقصف للتحالف الذي تقوده واشنطن، وكذلك بالنسبة لقوافل المساعدات الإنسانية التي تعرضت للقصف في منطقة خاضعة لمسلحين في محيط حلب، ما أدى إلى مقتل عدد من العاملين في الهلال الأحمر السوري. كل ذلك والجماعات والتنظيمات الإرهابية لديها "حصانة" مثيرة للتساؤلات، إذ لا يستطيع أحد إلى الآن فصلها عن المعارضة "المعتدلة". وهذه كانت إحدى التزامات الولايات المتحدة ليس فقط بواقع "التفاهمات" مع روسيا، بل ووفق وعود أطلقتها واشنطن مع مطلع العام الجاري، ولم يتم تنفيذها إلى الآن.

الولايات المتحدة تناست أو تجاهلت كل ذلك، لتخرج الخارجية الأمريكية بإنذار أو تحذير يثير الحيرة والغضب في آن واحد. فبيانها يؤكد على أن "واشنطن قررت إعادة النظر في مستقبل التعاون مع موسكو حول الأزمة السورية على خلفية خرق إطلاق النار غير المسبوق هناك.. وأن الولايات المتحدة ممتعضة بشأن القصف الذي تعرضت له قافلة المساعدات الإنسانية الأممية في محيط حلب"!

هذه التصريحات الأمريكية تعطي انطباعا بأن واشنطن تسير في اتجاه معاكس، أو في أحسن الأحوال تكاد تكون خارج الزمن، وخارج الاتفاقات والتفاهمات التي ترفض الإعلان عنها رغم مناشدة حلفائها الفرنسيين على سبيل المثال. وإذا افترضنا جدلا أن روسيا لم تعلن وتصرح وتحذر بشأن إمكانية انهيار الهدنة لأسباب كثيرة، على رأسها نوايا الولايات المتحدة وعدم شفافيتها، فكيف يمكن أن نتجاهل الانتهاك المتواصل طوال 7 أيام (من 12 إلى 19 سبتمبر/ أيلول)، وما تلا ذلك من حرب حقيقية؟! أين الهدنة بالضبط، ولماذا انهارت؟

ومن أجل الموضوعية، فالاتهامات تتوالى بشأن قيام الطيران الروسي بقصف قوافل المساعدات الإنسانية في سوريا. ما يعني أن حرب الاتهامات والإعلانات لا تزال مستعرة. ولكن الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف رفض هذه الاتهامات، أكد على أن الجيش الروسي يحقق في "المعلومات حول هذا القصف". ووعد بتقديم تصريحات بهذا الشأن بمجرد الحصول على معلومات مؤكدة. غير أن المهم هنا، أن الكرملين أعرب عن قلقه من الوضع في سوريا، وأن هناك "أملا ضعيفا جدا" في استئناف وقف إطلاق النار في سوريا في الوقت الراهن.

هذه التصريحات مثيرة للقلق فعلا، في ظل التفاف الولايات المتحدة على الأوضاع، ومحاولة خلق انطباعات بأن كل شئ على ما يرام، وأنها ستبحث على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة موضوع المساعدات الإنسانية إلى سوريا! وفي المقابل، أعلن بيسكوف أن شرط استئناف الهدنة، هو شرط بسيط للغاية، يتمثل في "ضرورة أن يوقف الإرهابيون إطلاق النار على القوات المسلحة السورية، ويتعين على الجانب الأمريكي ألا يقصف السوريين بالصدفة، أو عن طريق الخطأ".

فهل سيوقف الإرهابيون قصفهم؟ وهل ستتوقف الولايات المتحدة عن القصف بالصدفة؟ وهل ستعلن واشنطن عن التفاهمات التي توصلَت إليها مع روسيا؟ أما السؤال الأهم: هل ستتمكن روسيا والولايات المتحدة مرة أخرى من إعادة المحاولة لإقرار هدنة حقيقية ملزمة ليس فقط لموسكو وواشنطن، وإنما لكل الأطراف الأخرى التي يبدو أن "التفاهمات الروسية – الأمريكية" لم ترق لها؟!.

اضف تعليق