تعديل شروط الأوقاف لاستثمارها بشكل أفضل، وهو ما أثار رفض الأزهر، واصفاً القانون بأنّه مخالف للشريعة الإسلاميّة. كما رفضه بعض المواطنين، باعتباره تعدّياً على أملاك الغير ومهدّداً لبقاء العديد من المساجد، ويتوقّع العديد من المراقبين السياسيّين أن يؤدّي مقترح القانون إلى صدام بين الدولة والأزهر...

القاهرة — مدينة الألف مئذنة... هكذا عرفت القاهرة، ولكن هل تعلم أنّ المساجد بغالبيّتها في مصر هي أبنية تبرّع بها أصحابها للدولة، شرط ألاّ تباع أو تستأجر وأن تكون مسجداً، ويعرف ذلك التبرّع المشروط باسم "الوقف"، فماذا يمكن أن يحدث بعد رفض الأزهر في 28 آذار/مارس قانوناً يسمح للدولة بتغيير شرط الوقف، أيّ القدرة على تغيير نشاطه من مسجد إلى أيّ نشاط آخر والقدرة على التصرّف في أرضه؟ وهل ازداد الأمر سوءاً بين الأزهر والحكومة عندما كشفت جريدة "صوت الأمّة" في تقرير بـ13 نيسان/إبريل عن وضع الحكومة كلّ أصول الأوقاف (جمع وقف) وأموالها ضمن قائمة أصول الدولة غير المستغلّة وضمن الخطّة الحكوميّة لإعادة استثمار بعض تلك الأصول بأسلوب مختلف لاستغلالها الاستغلال الأمثل، رغم رفض الأزهر القانون؟

وللإشارة، فالوقف يتضمّن أيضاً التبرّع بالأبنية، شرط أن تكون كنائس أو دوراً للأيتام أو مدارس، وأحياناً يوقف البعض أرضاً زراعيّة أو أرضاً للبناء أو عقاراً أو ودائع بنكيّة لتكون أرباحها تبرّعاً لشخص محدّد أو مجموعة محدّدة كأسرة أو فئة أو قريّة، إلاّ أنّ الدولة صادرت الأوقاف خلال عام 1954، وأعلنت تخصيص أصول الأوقاف وأرباحها للمنفعة العامّة، لا لمنفعة شخص أو مجموعة كما في السابق، باستثناء المساجد والكنائس التي بقيت على حالها لخدمة المسلمين أو المسيحيّين فقط.

وتخضع الأوقاف منذ عام 1954 إلى إشراف وزارة الأوقاف المنوطة بها إدارة الأوقاف، وفقاً لشروط موقفها أو صاحبها الأساسيّ من حيث نشاطها، كأن تكون مسجداً أو كنيسة أو أرضاً زراعيّة أو عقاراً أو دار أيتام، ومن حيث قابليّة التصرّف فيها بالبيع أو الإيجار أو حظر التصرّف فيها بأي شكل، وتعمل الأوقاف على تحقيق هامش ربح من الأوقاف الصالحة لذلك، بما يضمن تغطية كلّ مصاريف صيانتها ورواتب العاملين فيها وتنميتها، إلى أن بلغت قيمة أصول الأوقاف ومواردها في إحصائها الأخير بكانون الثاني/يناير من عام 2018 حوالى 180 مليار جنيه (10.22 مليار دولار).

ومع تضخّم ثروة الأوقاف، بدأت الدولة بالسعي إلى تعديل شروط الوقف، عن طريق تقدّم الحكومة إلى مجلس النوّاب في 14 شباط/فبراير بمسودّة قانون يسمح لرئيس الوزراء بتعديل شروط أيّ نشاط للوقف، بما يسمح باستغلاله للمنفعة العامّة استغلالاً أفضل. وبدأ مجلس النوّاب بمحاولة تمرير القانون من خلال مناقشته بشكل مصغّر في لجنة الشؤون الدينيّة بالمجلس وبإرسال نسخة من القانون إلى مشيخة الأزهر لإبداء الرأي فيه، ورفض الأزهر في بيان رسميّ بـ28 آذار/مارس مشروع القانون بوصفه مخالفاً للشريعة الإسلاميّة.

وتضامن مع بيان الأزهر المئات من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعيّ، الذين أبدوا تخوّفهم من تعديل الدولة شرط وقف المساجد وتحويلها إلى أيّ نشاط آخر، الأمر الذي دفع بلجنة الشؤون الدينيّة في مجلس النوّاب إلى التصريح في بيان رسميّ بـ1 نيسان/إبريل أنّها تعكف على دراسة القانون لإيجاد حلول بديلة لتعديل شروط الوقف.

وفي هذا السياق، قال وكيل الأزهر الشريف عبّاس شومان لـ"المونيتور": "لا يجوز تعديل شرط الوقف لأنّه ليس ملكاً للدولة، فهي تديره وفقاً لشروط أصحابه الأساسيّين، وهذا ما اتّفق وأجمع عليه جميع علماء المسلمين من السلف والحاضرين.".

من جهته، لفت أستاذ الفقه المقارن السابق في جامعة الأزهر عبد الفتّاح إدريس في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ تعديل شرط الوقف لما هو أصلح للمجتمع لا يتنافى مع الشريعة، مشيراً إلى أنّ مصادرة الأوقاف في الخمسينيّات وتحويل بعضها من خدمة شخص أو مجموعة إلى المنفعة العامّة يعتبر تعديلاً في شروط الوقف، من حيث المنتفعين به. وقال: "وقف عائد عقار لخدمة أسرة من 4 أو 5 أفراد ربّما يكون مجزياَ، ولكن عائد العقار لن يكون مجزياً في خدمة 100 مليون مصريّ، ومن الأفضل تحويله إلى مستشفى يخدم آلاف المرضى أو مدرسة أو مشروع استثماريّ ضخم يخصّص عائده لدعم دواء الفقراء على سبيل المثال. وإذا نظرنا إلى أوقاف المساجد، فربّما نجد أنّ عدد المساجد في القاهرة أكثر من حاجات المسلمين، وبالتّالي يتحوّل وقف المسجد في القاهرة إلى مشروع آخر، بينما توقف أبنية أخرى في محافظات أخرى يكون عدد المساجد فيها أقلّ لتكون مسجداً".

وقال رئيس القطاع الدينيّ في وزارة الأوقاف جابر طايع لـ"المونيتور": إنّ الوزارة ترفض قانون تعديل شروط الوقف لأنّه سيسيء إلى سمعة مصر إلى درجة ستدفع بالبعض إلى القول إنّ الدولة أصبحت فقيرة إلى درجة تجبرها على التصرّف في الأوقاف بتأجيرها أو بيعها.

وأشار إلى أنّ القانون سيؤدّي إلى توتّر بين الحكومة والأزهر والمجمع الكنسيّ اللذين يمتلكان العديد من الأوقاف في شكل مساجد وكنائس.

من جهته، قال عضو اللجنة الدينيّة في مجلس النوّاب أسامة أبو المجد لـ"المونيتور": إنّ المجلس سيحترم رأي الأزهر الشرعيّ في مشروع القانون، وسيبحث عن حلول بديلة، أبرزها حتّى الآن أن تبادل الدولة وزارة الأوقاف الأراضي والأبنية التي ترغب في استغلالها بشكل مختلف بأراض وأبنية أخرى تناسب شروط الوقف، كأن تبادل الدولة مسجداً مقاماً على أرض تصلح أن تكون منطقة صناعيّة بأرض ومسجد في مكان آخر، على أن تستغلّ الدولة الأرض الصالحة لتكون منطقة صناعيّة.

بدوره، توقّع الباحث المستقلّ في علم الاجتماع السياسيّ والمعارض لنظام الرئيس عبد الفتّاح السيسي سيف الدين المرصفاوي أن يكون القانون نهاية ما أسماه بـ"شهر العسل بين الأزهر والسيسي"، وقال في تصريحات لـ"المونيتور": إنّ محاولات النظام السيطرة على موارد الدولة كافّة، بما فيها الأوقاف المملوكة للأزهر، ستسبّب توتّراً لأنّ الأزهر سيعتبر الأمر تعدّياً على ممتلكاته.

كما توقّع أن ينجح الأزهر في شحن المؤسّسات الدينيّة الأخرى مثل الكنيسة ضدّ القانون.

واستبعد الباحث المتخصّص في العلوم السياسيّة بمركز الأهرام للدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة يسري العزباوي أن تقرّ الحكومة أو مجلس النوّاب القانون من دون موافقة الأزهر، مستبعداً أيضاً في تصريحات لـ"المونيتور" وقوع أيّ خلافات لأنّ الدولة تعزّز وترسّخ مبدأ أنّ الأزهر والكنيسة شريكان وليسا خصوماً، وبالتّالي لن يمرّر القانون من دون موافقة الأزهر.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق