بقلم: عقيفة ايلدار

 

من الواضح أنّ الرئيس دونالد ترامب حاول جاهداً، إلى جانب مسؤوليه، في نهاية الأسبوع الماضي إطفاء النيران التي أشعلها في الشرق الأوسط من جرّاء اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل. سعى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى التخفيف من حماسة الاحتفالات الإسرائيلية بعد إعلان 6 كانون الأول/ديسمبر وتهدئة التظاهرات العربية ضدّ الولايات المتحدة وإسرائيل، مؤكّداً أنّ وضع المدينة المتنازع عليها لن يتقرّر سوى في إطار تسوية دائمة بين إسرائيل والفلسطينيين.

وُكّلت سفيرة ترامب للأمم المتحدة، نيكي هالي، أيضاً بتهدئة الوضع. متحدثة إلى مجلس أمن الأمم المتحدة في 8 كانون الأول/ديسمبر، أشارت إلى أنّ ترامب لم يتّخذ موقفاً بشأن حدود القدس وأضافت أنّ مسألة "السيادة" في المدينة "سيقرّرها الإسرائيليون والفلسطينيون في مفاوضاتهم".

وعد تيلرسون بأنّ تدشين السفارة الأمريكية في القدس لن يكون قبل سنتين على الأقلّ. كما عزا هذا التأخير إلى اعتبارات "لوجستية" لم يحدّدها، علماً أنّ الأشخاص المطّلعين أفادوا بأن ما من عوائق أمام نقل السفارة في تل أبيب إلى القدس حالاً.

غرّد السفير الأمريكي السابق لإسرائيل مارتن إنديك الأسبوع الماضي أنّ منشأة قنصلية في غرب القدس قد تفي بالغرض وتستضيف طاقم السفارة المنتقلة من تل أبيب، ويعلم إنديك بالضبط المكان الذي يعنيه. بصفته كان سفيراً أمريكياً وفي طليعة أعضاء الفرق المفاوضة حول الشرق الأوسط تحت الرئيسين بيل كلنتون وباراك أوباما، كان إنديك يتابع عن قُرب تطوّر بناء سفارة أمريكية مستقبلية في القدس. ذكرت مصادر تخطيط في القدس منذ عام أنّ المبنى قيد الإنشاء في حيّ أرنونا في المدينة ليكون مقرّ القنصلية الأمريكية كما يُزعم كان يُجهّز مع أخذ حاجات سفارة بعين الاعتبار. إنّ المبنى الجديد الذي يقع في أرض كانت قاحلة في السابق بين الحدود الإسرائيلية والأردنية من 1948 إلى 1967 يغطّي مساحة 210 آلاف قدم مربّع أي ما يساوي مساحة السفارة في تل أبيب. على الرغم من أنّ المبنى جاهز للمستأجرين منذ فترة، لم تتحرّك القنصلية الأمريكية في الناحية الغربية من القدس ولا تلك في الناحية الشرقية من المدينة. بالتالي، فإنّ التأخير ليس ناجماً عن صعوبات لوجستية.

لطالما جاهر ترامب بأنّ نهجه في حلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أفضل من نهج أسلافه. خلال مباحثات مجلس الأمن في 8 كانون الأول/ديسمبر حول القدس، لاحظت هالي أنّ الرؤساء كلنتون وبوش وأوباما، ومن خلال الامتناع عن الاعتراف الأمريكي الرسمي بالقدس كعاصمة إسرائيل، ساهموا في وصول المفاوضات بين الطرفين إلى طريق مسدود. أضافت هالي أنّ ترامب مقتنع بأنّ سياسته للقدس ستؤدي إلى تطوّر دبلوماسي ملحوظ.

في حين احتفظ أسلاف ترامب في الرئاسة بالمنافع للتعويض لإسرائيل عن التنازلات القاسية التي ستُضطرّ إلى تقديمها في الضفة الغربية والقدس، يعطي ترامب الإسرائيليين جرعة تروي غليلهم بعض الشيء لتحضير شهيتهم للآتي الأعظم. يمكن لإعلان ترامب القدس عاصمة إسرائيل أن يكون مخطّطاً لرفع الشعبية المتراجعة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل طرح خطّة الولايات المتحدة للسلام التي تُحضّر في واشنطن.

قد يكون إعلان ترامب مجرّد فخّ مغرٍ. فاليمين السياسي الإسرائيلي يعتبر ترامب يهوذا المكابي، الزعيم اليهودي الذي انتصر على الأغارقة وأعاد المعبد اليهودي لليهود منذ أكثر من ألفيّ سنة.

إذا منح الإمبراطور العقاري للولايات المتحدة إسرائيل تمرير مشروع القانون لأراضي الضفة الغربية التي كانت تستعملها من دون إذن على مدى 50 عاماً، سيواجه اليمين صعوبة في تحويل صورته إلى الحاكم اليوناني الشرير أنطيوخوس أبيفانوس الرابع.

سواء كان إعلان القدس عاصمة لإسرائيل طُعماً فاتحاً للشهية أم فخاً مغرياً، لم ينفع حتى الآن سوى خصوم الولايات المتحدة. فترامب الذي يجهل على ما يبدو آية الملك سليمان "الحياة والموت في يَد اللسان" (سفر الأمثال 18:21) يعطي معارضي عملية السلام في الشرق الأوسط ذخيرة. فالكلام الذي جاء على لسانه هذا الأسبوع أودى بحياة متظاهرين فلسطينيين، وهو الوحيد القادر على إنعاش عملية السلام التي تُحتضر بين الإسرائيليين والفلسطينيين وعلى وضع حدّ لسفك الدماء. لن يستطيع وفود وزارة الخارجية ولا السفراء الأمميون تنفيذ المهمّة.

نصّ القانون الذي اعتمده الكونغرس الجمهوري عام 1995 لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس على إتمام هذه الخطوة في غضون خمس سنين لمنح رؤساء الحكومة الإسرائيلية أي إسحاق رابين وشيمون بيريز والسلطة الفلسطينية التي كان ياسر عرفات يترأسها الوقت لإتمام المفاوضات على حلّ دائم للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. اغتيل رابين في تشرين الثاني/نوفمبر 1995 كما توفّي كلّ من بيريز وعرفات. تمكّن المتحمّسون الدينيون والوطنيون من اليهود والمسلمين من تخريب العملية الدبلوماسية، وبذلك، عرقلوا نقل السفارة. قدّم ثلاثة رؤساء أمريكيين التقييم نفسه الذي يفيد بأنّ تغيير الوضع الراهن بشكل منفرد في القدس، من دون التوصّل إلى اتفاق شامل بين الطرفين، قد يشكّل ضربة قاضية للمصالح الإسرائيلية والفلسطينية وأيضاً لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لا يزال هذا التقييم صالحاً.

إنّ تقديم مخطّط جدّي للمفاوضات للاتفاق على ترتيب الوضع بين الإسرائيليين والفلسطينيين بصورة دائمة هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ عملية السلام التي تُحتضر. إذا كانت خطّة ترامب للسلام في الشرق الأوسط موجودة فعلاً، ما الذي ينتظره الرئيس؟ لن يخترع مستشاروه جارد كوشنر وجايسون غرينبلات العجلة ولن يكرّروا المفاوضات التي جرت بشكل متقطّع بين الطرفين على مدى أكثر من 20 عاماً. لا تزال حدود متفق عليها بين الإسرائيليين والفلسطينيين هي التي كانت تفصل إسرائيل عن جيرانها حتى 1967 مع بعض صفقات تبادل الأراضي المتوافق عليها. لن تحصل إسرائيل على أكثر من ذلك إلّا إذا كانت تنوي أن تتحوّل إلى دولة ثنائية القومية أو نظام الفصل العنصري.

لن تحوّل عصاً سحرية القدس الشرقية الفلسطينية بغالبيتها إلى جزء من الدولة الصهيونية. لن يتمّ تطبيع العلاقات مع العالم العربي طالما تحافظ إسرائيل على سيادتها المنفردة على الموقع المقدّس الذي يسمّيه اليهود والمسلمون بالحرم الشريف.

على مرّ أجيال عديدة، كانت القدس بيدقاً في أيدي المتحمّسين الذين حوّلوها إلى ساحة قتال. وقد أتيحت لترامب فرصة نادرة بأن يحفر اسمه في التاريخ كالرجل الذي حوّل القدس إلى مدينة سلام. ولكي يحدث ذلك، سيتعيّن على سفارة الولايات المتحدة في القدس، عاصمة إسرائيل، أن تنتظر حتى تدشين السفارة الأمريكية في القدس الشرقية، عاصمة فلسطين.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق