أدب الحوار.. كلمة لطالما نستعملها في حياتنا العادية، بحيث أننا نرى في كل مناقشة تحصل بين أثنين يأتي ثالث ويقول.. أيها المتحاورون عليكم بأدب الحوار..

فما هو أدب الحوار؟.. وهل لهذا الأدب تأثير نفسي على أسلوب المحاور نفسه؟، أو في الشخص الذي يحاوره؟..

أسئلة متعددة نحاول مناقشتها مناقشة موضوعية تعتمد على أسس وشرائط عامة، جاءت بها الشريعة الإسلامية السمحاء، لأنه من محاسن هذا الدين أنه لم يغفل لا عن صغيرة ولا كبيرة في عاداتنا وتعاملاتنا اليومية، إلا أرشدنا أو نبهنا إليها، ولنا إلى جانب ذلك في رسول الله (ص) وأدبه الجم، أسوة حسنة في استماعه للصغير والضعيف والفقير، ومجالسة الكل، ولنا أيضا في خلفائه من بعده من أهل بيته (ع) القدوة المثلى، والأثر الحسن الذي يجب علينا أن نتعلم ونتبع ما كانوا هم عليه، والشاب المسلم المثقف يمتاز دائما بحرصه الشديد وتمسكه الدائم بالثوابت والآداب الدينية والأخلاقية

ولعل من أمهات المسائل التي يؤكد عليها الدين هو أدب الحوار والذي أشرنا إليه في بداية حديثنا. وأدب الحوار هو من الآداب المهمة التي حاول بها الإسلام في بداية نهضته المباركة أن يستميل به الفطرة والعقل والقلب.

وهذا الأدب تجلى بأبهى صوره من خلال حوار الأئمة عليهم السلام مع المنكرين للدين والمعاندين له، وأيضا مع أولئك الذين أرادوا هدم الإسلام من أساسه باعتمادهم على نظريات يعتبرونها مقدسة، وتحمل أفقا واسعا للحياة بخلاف الدين الإسلامي، الذي يعتبرونه متخلفا بمنهجه وأطروحاته.

هذا الفكر كان لابد أن يُواجه بفكر آخر يعتمد في أولى مراحله على فهم الحوار وإعطاء اسلوب خاص للتعامل مع الفكرة المعينة، لهذا كان أهل البيت (ع) يحاولون أن يفهموا الناس كيف يتعاملون مع العدو والصديق في آن واحد..

أما التأثير الذي يتركه أدب الحوار في نفس المتلقي الذي نناقش فكرته، فإنه تأثير كبير سواء كان سلبيا أو إيجابيا، وهذا يعتمد طبعا على أسلوب المحاور، فإذا كان المحاور يمتاز بهذه الميزة التي تكلمنا عنها وهي الأدب الخاص بالحوار، فإن نفسية المتلقي ستكون على أعلى درجة من تقبل الفكرة المضادة التي تناقش فكرته، والعكس صحيح أيضا، فإن أي رد فعل سلبي على أية فكرة يعتمد بالدرجة الأولى على أسلوب المحاور وكيفية طرحة للفكرة المراد مناقشتها.

إن الفكرة من إثارة هذا الموضوع بالذات، كان من أجل مناقشة مسألة مهمة جدا وهي: أن الشباب بشكل عام يحتاجون في فهمهم للأمور إلى منظومة فكرية متكاملة تعتمد في أساسياتها على ما قدمه الإسلام من أطروحة فكرية تجعل من الشباب الإسلامي شبابا مسلما واعيا ومثقفا، يحمل فكرة وعقيدة تجعله ينطلق في هذه الحياة لا خوف عليه إطلاقا.

وهنا لابد لنا في معرض الإشارة إلى واقع الشباب المثقف الواعي، أن نلفت الأنظار إلى مسألة مهمة وحيوية جدا، ألا وهي أسلوب التحاور من خلال الوسائل الحديثة التي أفرزها لنا التقدم المعاصر، وذلك من خلال شبكة الإنترنت حيث يكثر أن يلتقي الشخص بالعديد من الأفراد، ويتبادل معهم أطراف الحديث من خلال برامج المحادثة التي يتداولها الناس اليوم.

وهنا تقع مسؤولية كبيرة أمام شبابنا الإسلامي، الذي اكتسب الثقافة الإسلامية، حيث يجدر بالعاقل أن يكون سفيرا لدينه وداعية للخير بأدبه وأسلوبه المهذب في الحوار، ويمكن لنا الإشارة هنا إلى بعض النقاط المهمة والحيوية التي من المفترض أن تكون نصب أعين شبابنا الإسلامي دائما أثناء التحادث، وخصوصا أن هناك الكثير من المواقع العالمية قد أخذت على عاتقها بث الأفكار المشوهة التي تشوه واقعنا وديننا الإسلامي.

لذا كان وظيفة الشباب المؤمن أن يكون ذا ثقافة عالية أولاً.. وثانيا أن يمتلك العصا السحرية في أسلوبه وتعامله مع الأفراد..

ولعله من أهم النقاط الواجب علينا التنبيه إليها وعرضها في هذا الموضوع هي النقاط التالية:

أولاً: الحرص على التحدث من خلال هذه الوسائل عند الحاجة فقط وعدم الإكثار منها على حساب ما هو أهم من عبادة أو فعل خير أو تعلم، فالمسلم ليس لديه وقت يهدره في اللهو والعبث، وهو يعلم أنه خلق لمهمة أكبر وأعظم من ذلك.

ثانياً: الاستئذان عند إضافة أي شخص إلى قائمة التحادث إذ أن البعض يتضايق من ذلك، لذلك فإن الأسلوب المهذب يحثك على إرسال رسالة استئذان في الإضافة، لأن الشخص الآخر قد لا يرغب بتلك الاستضافة، وهذا الأمر يجعل من شخصيتك شخصية قوية ذا قيمة كبيرة، مما له أثر إيجابي واضح في مناقشة أية فكرة قد تطرح بينكما.

ثالثاً: لا يشك عاقل في ضرر مشاركة المرأة للرجل في نقاشهما، وبالذات إذا كان النقاش خاصا، لما يسببه ذلك من افتتان كل منهما بالآخر، وعندما نتحدث عن هذا الجانب لوحده والقصص المأساوية التي حدثت بسبب التحادث بين الجنسين فلا شك أننا سنحتاج ونستهلك الكثير من الوقت، فيكفي الإشارة هنا إلى خطورة تلك المحادثة إلا أن تكون في مناقشة فكرة معينة والوصول إلى نتيجة حقيقية.

رابعاً: من أدب المسلم أن يبدأ من يحادثه بتحية الإسلام (السلام عليكم) بدلا من كلمات عصرية دخلت في حياتنا كبديل عن سلام الإسلام. مثل هلو وهاي وغيرها من الكلمات المستوردة، وأيضا السؤال عن حال من تتحدث معه، وعدم الإطالة في المقدمات التي تضيع الوقت ولا طائل من ورائها. لأن الوقت هنا من ذهب فعليك الاستفادة منه قدر الإمكان من أجل الدخول فيما تريد أن تتكلم به.

خامساً: احترم رغبة الآخرين في حال التحاور معهم، كأن أحدهم مشغولا بأمر آخر والوقت غير مناسب للمحادثة، وإذا اعتذر لك فاقبل عذره، وحدثه في وقت آخر، وأحسن الظن به، إذ أن البعض قد يصف ذلك كنوع من أنواع الكبر أو الاستعلاء وهذا خطأ، قد تعصف بالعلاقة بين الأصدقاء.

سادساً: احترم خصوصيات الغير، وأعني بهذا أن لا يكون الواحد منا فضوليا يحب أن يعرف كل شيء، سواء أكان هذا مهما أو تافها.. فلا تسأل محدثك عن مهنته أو بلده أو عمره أو اسمه أو غير هذا وتكرر وتلح عليه بالطلب، فقد يكون لا يريد أن يعرفه أحد.. أما إن رأيت أنه موافق أو غير مهتم فهذا أمر لا بأس به ومحبب أيضا.

بهذه الوصايا المهمة والتي يعرفها القليل وتغيب عن الكثير، نذكر أنفسنا وشبابنا المؤمن أن تكون ثقافته إسلامية تعتمد على احترام الغير أولا ومن ثم أن تكون لدية ثقافة خاصة تسمى ثقافة قبول رأي الآخر، وخصوصا أننا وفي مجتمعنا العراقي على وجه التحديد نعاني من هذه المسألة كثيرا، فهناك صعوبة كبيرة في تقبل آراء الآخرين، والانسجام مع أطروحاتهم.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق