يتصرف الإنسان في كثير من الأحيان وفقا لمحددات معينة وغايات ما تغيب مرة وتنأى مرة أخرى عن فهمه الاعتيادي وإدراكه البسيط، فيجهل، لهذا، معرفة دورها في دفع سلوكه باتجاه هدف معين دون آخر بغض النظر عن نوع هذا السلوك ومستوياته وتأثيراته على البيئة التي تحيطه.

ويحاول الإنسان، تحت تأثير غير مرئي ولاشعوري من نرجسيته، تأطير تصرفاته بتبريرات عقلانية وسمات موضوعية يزعم، من خلالها، انها هي الدافع الحقيقي الذي يقف وراء ماصدر عنه من سلوك وتصرف في موقف ما.

ان وضع صورة أي مشترك في أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، كالفيسبوك وتويتر والانستغرام ولينكدن وكوكل بلس وغيرها، هو سلوك وتصرف شأنه شان أي سلوك آخر يقوم به الإنسان، فيه دلالات معينة وأهداف ما تكشف عن جانب مهم من شخصية صاحب الصورة وقيّمه ومبادئه التي يحملها وتوجهاته التي يسير عليها.

وطبقا لبحث نشره eMarketer فان 75% من محتويات الفيسبوك عبارة عن صور، اما البقية فهي روابط وفيديوات ونصوص والبومات وغيرها، اما الاثر والفاعلية الحقيقية فهي للمنشورات التي تتضمن صور، اذ راقب الباحثون في Media Blog مئات الالاف من المنشورات على مدار عدة اشهر من قبل الاف المدونين ووجدوا ان المنشورات التي كانت مؤثرة بنسبة 35% اكثر من غيرها هي التي تتضمن صور، كما وجدوا ان المنشورات التي تحتوي صورا تجمع لايكات اكثر من البوستات التي تخلو من الصور بنسبة 53%.

دراسات متعددة حديثة كُتبت حول موضوع الصور التي يضعها الفرد في موقعه على الفيسبوك او أي موقع أخر من مواقع التواصل، وناقشت هذه الدراسات ما يمكن ان تشير اليه صور المشتركين وما ترسله مضموناتها من رسائل للآخرين ممن يزورون صفحته الشخصية يوميا وهم يقدرون، لبعض الحسابات، بالآلاف كما كشفت ذلك دراسة (Online Reputation Management Company(ORMC) بل ان بعض لقطات الصور الملتقطة يكون لها تأثير، كما يقول استاذ الانثروبولوجيا في جامعة نيو مكسيكو والمتخصص في دراسة المرح الدكتور جيل كرين روس، قد يستمر لعدة عقود زمنية، وهذه اللقطات او الصور هي الجديرة بالملاحظة والدراسة على نحو دقيق ومتخصص.

وقد أجرى الدكتور باتريك سيدر والاستاذ شيكاهيرو اوشي، وهم استاذان في علم النفس في جامعة فرجينيا، دراسات على 92 طالبا في فصلهم الدراسي الاول ممن لديهم صورا وهم في لحظة ابتسامة على صفحتهم في الفيسبوك، وتوصل هذا الباحث الى ان لهذه الصور اثراً وتوقعاً على حياتهم المستقبلية وتكون في نفس الفصل لهم علاقات اجتماعية جيدة.

وخاضت دراسات عديدة اخرى غمار هذا الموضوع من اجل الوقوف على بعض النتائج التي يمكن ان تترتب على وضع صورة ما دون غيرها، حيث كشفت دراسة جديدة عن العامل الحاسم الذي يسمح بتشكيل انطباع لدى اي انسان حول اخر حينما ينظر لحسابه الشخصي في الفيسبوك، واوضح استاذ الاتصالات في جامعة ولاية اوهايو الباحث برنادون فاندير هيد ان صورتك على البروفايل الشخصي تمنح الاخرين فرصة ليشكلوا عنك انطباع من غير قراءة اي شيء كتبته، فالصور هي الطريق الاساسي لهذه المعرفة.

واستخدمت الدراسة التي ظهرت بعنوان "مع الصورة الصحيحة.. يصبح النص في حسابك على الفيسبوك اقل اهمية" والتي اشترك بها الى جانب فاندير الاستاذ جوناثان دانغلوا والسيدة ايرين شماركر، استخدمت الدراسة عينات من الطلبة طُلب منهم الحكم على صور بعض الاشخاص ومعرفة هل انهم من الانطوائيين او المنبسطين واتضح، بعد سلسلة التجارب، ان حكمهم على الحساب جاء من الصورة وليس ممن كتابات الشخص او ما كتبه في فقرة about me.

وهذه النتائج لاتشمل الفيسبوك فقط بل مواقع المواعدة العاطفية وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي ويمكن ان نطبقها على الحكم على سمات اخرى في الاشخاص كالميول الاجتماعية والتوجهات السياسية والتي تعتمد جميعها على الصور التي ان اعطت انطباعا مباشرا فسوف يؤدي بالإنسان الى اهمال بقية محتويات الحساب، اما اذا كانت الصورة غير واضحة فان الناس سوف يبدون اهتمام اكثر بمضمونات الحساب.

وهذا يعني انه عندما تكون الصورة غير اعتيادية او تصور الشخص بصورة سلبية او غريبة فانهم يحتاجون لوقت اضافي لتشكيل انطباع عنه في حين ان الصورة الايجابية تؤدي الى تشكيل انطباع فوري.

من جانب اخر كشفت دراسات اخرى مثيرة نشرتها صحيفة الديلي ميل البريطانية بقلم السيدة لوسي بكلاند عن نتائج مغايرة متضمنة بعض الارقام، اذ اوضحت ان المتصفح لأي موقع فيه صورة شخصية عن شخص ما يحتاج خمس دقائق ونصف بعد رؤية الصورة ليتشكل لديه انطباع عنه ويصدر عليه الحكم، لكن اللقاء الواقعي بين شخصين يحتاج لفترة اطول هي تسعة دقائق ونصف لكي نحكم اننا نحب او نكره هذا الشخص، وبالطبع ان الحكم على الآخرين أمر لا مفر منه في كثير من المواقف، وقد أكدت مجموعة (ORMC) ذلك بقولها " انه من الصعب ان لاتصدر حكم حول شخص اذا ما التقيته بالواقع او على شبكة الانترنيت".

الدراسة فحصت ايضا المظاهر والانطباعات المختلفة التي تتشكل لدى الشخص سواء في الحياة الواقعية او على شبكات التواصل الاجتماعي حينما يحصل بينه وبين الفرد الاخر اي نوع او شكل من انواع التعارف والعلاقات الاجتماعية.

وتضيف الدراسة : اذا وضع أي شخص صورة غريبة وغير مألوفة فانه من السهل الحكم عليه والقفز بعد ذلك لاستنتاجات عن هذا الشخص، كما يجب ملاحظة أن نشر الصور في الفيسبوك يؤدي في حالات معينة الى نتيجة معاكسة لما يبتغيه صاحب الصور، فصورة امرأة وهي تكشف عن أجزاء كثيرة من جسدها، كالصورة في ملابس السباحة (البكيني)، او صورة رجل يشرب الخمر او يحمل زجاجتها، سوف تثير انطباعات سلبية لدى الاخرين، وتصورات سيئة عن هذه الشخصية مع العلم ان الصورة التي توضع في المواقع الاجتماعية يجب ان تعزز، كما تشير الدراسات، شخصية الفرد وحضوره لا ان تعمل بالضد من ذلك.

وعلى العكس والنقيض من ذلك هنالك انطباعات ايجابية تأتي لمن يتصفح حساب شخصي فيه صورة محترمة للشخص او صورة معقولة للفرد كأن تكون وسط جماعة محترمة او صور الزواج او صور فيها أطفال او غيرها من الصور التي تعتبر محترمة او معقولة ولا تكشف عن توجهات غير مقبولة عند المجتمع.

* باحث في مجال مواقع التواصل الاجتماعي

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق