q
إن رؤية أشخاص من مختلف الأعمار والأجناس يشاركون في تحدٍّ ما يمكن أن يشجع الأطفال والمراهقين على المشاركة في التحدي، حتى لو كان محفوفاً بالمخاطر أو ضاراً، عندما ينشغل الشباب في ظاهرة التفكير الجماعي قد يعتقدون أيضاً أنهم أكثر قدرة على الصمود مما هم عليه بالفعل...

في السنوات الأخيرة، تغير مشهد وسائل التواصل الاجتماعي مع انتشار العديد من «التحديات» المشوقة والممتعة على منصات مثل « تيك توك»، اكتسبت هذه الاتجاهات شعبية عالمية، خاصة بين الأطفال والمراهقين، ومع ذلك كانت هناك العديد من الحوادث التي أدت إلى وفاة الأطفال والمراهقين بشكل مأساوي أثناء مشاركتهم في هذه التحديات.

على سبيل المثال، توفي صبي يبلغ من العمر 15 عاماً في ولاية أوكلاهوما في «تحدي بينادريل»، وهو تحدٍّ خطير يتطلب من المشاركين تناول كميات مفرطة من الأدوية التي لا تستلزم وصفة طبية لإحداث الهلوسة، وفي تحدٍّ آخر يُدعى «تحدي فقدان الوعي»، قام شباب بخنق أنفسهم حتى فقدان الوعي، وقد تم ربط هذا التحدي بموت أكثر من 20 طفلاً ومراهقاً، جميعهم دون سن 15 عاماً.

على الرغم من مشاركة الكثير من البالغين على هذه المنصات الاجتماعية، فإن الأطفال والمراهقين هم الأكثر مشاركة في هذه التحديات الخطيرة، وهناك عدة أسباب لذلك:

1. ضغط الأقران المتزايد:

يتميز سن المراهقة بالحساسية المتزايدة للتأثيرات الاجتماعية، والأطفال والمراهقون بطبيعتهم أكثر ضعفاً أمام الضغوط الاجتماعية، ولأن الرغبة في القبول من قبل أقرانهم قد تكون مغرية للغاية، فقد يشعرون بالضغط عندما يشارك أصدقاؤهم أو المؤثرون المفضلون لهم في تحديات وسائل التواصل الاجتماعي، حتى لو كان التحدي محفوفاً بالمخاطر أو غير مريح، الخوف من فقدان الفرصة أو الاستبعاد يفوق أي مخاوف بشأن العواقب السلبية المحتملة.

2. الرغبة في التجديد:

الأطفال والمراهقون فضوليون بطبيعتهم ودائمو البحث عما هو جديد، وغالباً ما تتضمن تحديات وسائل التواصل الاجتماعي أنشطة جديدة ومثيرة للاهتمام تثير فضولهم، تتيح لهم هذه التحديات الفرصة لتعلم أشياء جديدة، واختبار حدود جديدة، وتجربة مواقف تختلف عن روتينهم اليومي.

3. ضعف القدرة على تقييم المخاطر:

عند الأطفال والمراهقين لم يكتمل تطوير قشرة الفص الجبهي، والمعروفة أيضاً باسم «المركز التنفيذي»، بشكل كامل، هذا يعني أنهم لا يمتلكون بعد القدرات الإدراكية للتساؤل أو التفكير في مخاطر تحديات وسائل التواصل الاجتماعي بالطريقة نفسها التي يمتلكها الشخص البالغ.

4. التفكير الجماعي:

جميعنا عرضة لظاهرة التفكير الجماعي، وهي ظاهرة نفسية يسعى فيها الأفراد في المجموعة إلى الإجماع بينما يتجاهلون المخاطر المحتملة، والتي يمكن أن تؤدي إلى قرارات غير عقلانية أو غير فعالة.

يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تعزز هذه الظاهرة لأنها تربط مجموعات كبيرة من الناس، إن رؤية أشخاص من مختلف الأعمار والأجناس يشاركون في تحدٍّ ما يمكن أن يشجع الأطفال والمراهقين على المشاركة في التحدي، حتى لو كان محفوفاً بالمخاطر أو ضاراً، عندما ينشغل الشباب في ظاهرة التفكير الجماعي قد يعتقدون أيضاً أنهم أكثر قدرة على الصمود مما هم عليه بالفعل.

زيادة شعبية التحديات الخطيرة على وسائل التواصل الاجتماعي تضع ضغوطاً على المنصات لمراقبة وتنظيم محتواها، ومع ذلك لا يمكن للمنصات أن تتحمل المسؤولية وحدها، فمن المهم أيضاً أن يكون لدى الآباء والمعلمين والشباب حوار مفتوح حول سلامة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وقدرات الإعلام، يجب أن يكون الأطفال والمراهقون على دراية بالمخاطر المرتبطة بهذه التحديات، وأن يتم تشجيعهم على التفكير بشكل نقدي بشأن المحتوى الذي يستهلكونه، وتذكيرهم بأن الشهرة على الإنترنت يجب ألا تأتي أبداً على حساب السلامة الشخصية.

فيما يلي بعض النقاط المحددة التي يمكن للآباء والمعلمين تضمينها في هذه الحوارات:

– القيم المرتبطة بتحديات وسائل التواصل الاجتماعي؛ يشجع البعض الإبداع والمتعة، بينما يشجع البعض الآخر السعي وراء الإثارة والشعبية.

– مخاطر تحديات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل خطر الإصابة والتنمر عبر الإنترنت والموت.

– كيفية التعرف على التحديات الخطيرة وتجنبها.

– كيفية إجراء تقييم نقدي للمحتوى الذي يرونه على وسائل التواصل الاجتماعي.

– أهمية السلامة الشخصية والرفاهية.

يتطلب المشهد الديناميكي لوسائل التواصل الاجتماعي تعليماً مستمراً وحواراً مفتوحاً، من خلال إجراء محادثات مفتوحة وصادقة حول هذه المسائل، يمكننا تزويد أطفالنا والمراهقين بالمعرفة والأدوات التي يحتاجون إليها للتنقل في العالم الرقمي بأمان ومسؤولية.

يمكننا تعزيز ثقافة التفكير النقدي والمسؤولية الفردية التي تتجاوز التفاعلات عبر الإنترنت، في النهاية سيمكّن هذا النهج جيلنا الشاب من اتخاذ قرارات مستنيرة، وتقدير قيمة سلامتهم ورفاهيتهم، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة للتعبير الإيجابي والإبداع والتواصل الهادف.

* بقلم: د. صالحة أفريدي، أخصائية نفسية إكلينيكية
المصدر: «CNN الاقتصادية»

اضف تعليق