منوعات - معلوماتية

وسائل الهدم الاجتماعي

في المجالس تسمع الناس يتناقلون أخباراً عن أمور لا وجود لها، وعندما تسأل عن مصدرها، يأتيك الجواب: (نازلة بالفيس). هكذا بات الفيس مصدراً موثوقاً للمعلومات لا تستطيع مجادلة جمهور المؤمنين به، والمدمنين عليه في صدقية محتواه. تتجول في الانستغرام والسناب والفيس فترى هيمنة التفاهة...

هل فكرنا في أسباب تفشي حالة العنف في السلوك والكلام في المجتمع؟ هل بحثنا في أسباب حالة التوتر والانفعال والحدة في سلوكنا؟ في المحاكم يقول قاضٍ إن حالات الطلاق في تزايد كبير وأغلبها بسبب وسائل التواصل الاجتماعي.

في المجالس تسمع الناس يتناقلون أخباراً عن أمور لا وجود لها، وعندما تسأل عن مصدرها، يأتيك الجواب: (نازلة بالفيس). هكذا بات الفيس مصدراً موثوقاً للمعلومات لا تستطيع مجادلة جمهور المؤمنين به، والمدمنين عليه في صدقية محتواه. تتجول في الانستغرام والسناب والفيس فترى هيمنة التفاهة، والتافهون يحققون متابعات بالملايين دون أن يكون أحد من هؤلاء ما يؤهله لأن يحظى بعشرة متابعين. هي تفاهة متبادلة بين تافهين وجمهور تائه تتقاذفه أمواج التضييع والهدم.

من يصنع هذه التفاهة؟

فرنسيس هوغن، مديرة رفيعة المستوى في شركة الـ(فيسبوك)، استقالت قبل شهور وكشفت عن موقف إدارة هذه المنصة من أعمال العنف والكراهية والتوتر والحدة التي تشيع في محتوى الفيس. تحدثت للإعلام ومن بعده قدمت شهادتها أمام لجنة في الكونغرس. تقول: عندما نعترض على السماح بهذا المحتوى يأتينا الجواب من الإدارة العليا: إذا أردتم الاستمرار في الحصول على الرواتب العليا والامتيازات، فعليكم السكوت والسماح بهذا المحتوى فهو الذي يجلب المال. تضيف: الرقابة على المحتوى في غير اللغة الإنكليزية شبه معدومة. لكن ما لم تقله هوغن هو أن الرقابة على بعض اللغات اعطيت لدول وأفراد بتوجهات محددة، فباتوا يتحكمون بالمحتوى وفق سياستهم.

انظروا قائمة الممنوعات في المحتوى العربي هذه الوسائل. وسائل التواصل الاجتماعي باتت عاملاً رئيسياً في عملية الهدم الاجتماعي. هذه شركات تمثل الرأسمالية المتوحشة التي لا تتورع عن الهدم والتخريب من أجل جني المليارات، لكن مواجهتها وتحاشي اضرارها يحتاجان الى سياسات دولة، تنبع من إدراك عميق بخطورة بعض محتواها على الانسان والمجتمع وأمنه واستقراره وسلامته.

لا ينفع التحجج بان هذه الوسائل لا يمكن السيطرة على توغلها في المجتمعات. بشكل عام الذريعة صحيحة الى حد ما، لكن لا يعني ذلك استحالة تنفيذ خطوات تحدُّ من الأضرار. دول عديدة فرضت منظومة قيمها الأخلاقية على هذه الشركات مقابل عدم إغلاقها.

الشركات تبغي الربح وبالتالي تنصاع للشروط. لا أتكلم هنا عن حرية الرأي والتعبير، فهي مقدسة، لكنني أتحدث عن خطاب يهدم الانسان ذوقاً ومنطقاً ووعياً ليشيع مكانه التفاهة والكراهية والعنف. صحيح إن التكنولوجيا تتطور بأسرع من الإجراءات المتخذة لتنظيم استخدامها، لكن يجب التحرّك بخطوات تنظيم سريعة. لهذه الوسائط فوائدُ وأضرارٌ، والتنظيم هو توسيع فرص الفائدة وتحاشي الضرر.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق