عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية يوم الاثنين الموافق 28/8/2015 حلقته النقاشية الشهرية تحت عنوان (المصارف الاسلامية بين النظرية والتطبيق – قراءة معاصرة في الفكر الاقتصادي للمرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، والتي هدفت إلى بحث النظام الاقتصادي الإسلامي في وقت يعاني فيه النظام الرأسمالي المعاصر من خلل هيكلي كبير تسبب بحدوث الأزمات المالية المتلاحقة.

وقد أدار الحلقة مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية الدكتور خالد العرداوي والذي أوضح أن الاقتصاد الإسلامي أصبح اليوم يمثل ضرورة ملحة جدا في الحياة البشرية، لاسيما بعد الأزمات المالية التي تواجه الانظمة الاقتصادية العالمية في الوقت الحاضر، مركزا على قضية آلية عمل المصارف الاسلامية التي اعتبرها اهم مفاصل الاقتصاد الإسلامي، إذ يمكن لهذه المصارف أن تكون منافسا مهما للمصارف التجارية القائمة على الربا.

المصارف الاسلامية بين النظرية وواقع التطبيق

وفسح الدكتور العرداوي المجال أمام الباحثين ليقدموا أوراقهم البحثية حول موضوع الاقتصاد الاسلامي وعمل المصارف الاسلامية في العراق، فكانت الورقة البحثية الاولى من نصيب الاستاذ المساعد الدكتور هاشم الحسيني في كلية الادارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، التي أوضح فيها أن الاقتصاد الاسلامي يحتل اهمية كبرى في الوقت الراهن، لأن الازمة المالية العالمية التي حدثت منذ عام 2007 اثبتت ان هناك خلل هيكلي في الاقتصاد الرأسمالي، مشيرا الى ان نفس الادوات والمتغيرات السياسية التي كانت تستخدم لحل المشاكل السابقة لم تعد تأتي بالنتائج المرجوة منها في حل هذه الازمات واصبحت معطلة - بحسب تعبيره-، مسلطا بذلك الضوء على كتاب الاقتصاد لمؤلفه المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي (قدس سره).

واستدرك الدكتور الحسيني حديثه قائلا: "ان السيد الشيرازي في كتابه اخذ بعين الاعتبار نقد الاقتصاد الشيوعي الماركسي والاقتصاد الرأسمالي، رغم ان السيد الراحل كان ينظر إليهما كنظام واحد، اذ ان الاول يعتمد على رأس مالية الدولة والثاني على رأسمالية الافراد".

وأوضح صاحب الورقة البحثية الكثير من التفرعات المتعلقة بالاقتصاد الاسلامي، مؤكدا على ضرورة تجميع هذه التفرعات ووضعها في قالب واحد من اجل أن تكون نظرية الاقتصاد الإسلامي واضحة المعالم.

هذا وقد تطرق الدكتور الحسيني إلى مسألة المصارف الإسلامية مبينا الفرق بينها وبين المصارف التجارية من خلال ضوابط العمل القانونية وسائر الأعمال المصرفية المتعلقة بعمل المصارف، مركزا في الوقت ذاته على ضرورة الارتكاز على المضاربة والقروض بدون فوائد في عمل المصارف الإسلامية، وختم حديثه بتوجيه الانتقاد لعمل المصارف الربوية وكيف إنها تؤدي إلى دمار الاقتصاد، وهذا ما حصل فعلا في الأزمة المالية العالمية الأخيرة إذ بدأ الانهيار في المصارف العالمية عندما أعلنت إفلاسها واتضح إنها بنوك فقاعة – بحسب تعبيره-.

تحديات المصارف الإسلامية في إطار عمل المصارف التجارية

انتقل الحديث بعد ذلك إلى الورقة البحثية الثانية والتي كانت من نصيب الأستاذ المساعد الدكتور عباس الدعمي من كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، والتي أوضح فيها اخلاقيات ادارة الاموال في المصارف الاسلامية، من خلال مقارنتها بطرق عمل المصارف التجارية (الرأسمالية).

وتطرق الدكتور الدعمي الى الازمة المالية الاخيرة وكيف ان المصارف الاسلامية لم تتعرض الى خسائر كبيرة على العكس من المصارف التجارية التي كانت تحتل المراتب الاولى في تسجيل الخسائر المالية مما تسبب في إعلان إفلاسها، مضيفا في الوقت نفسه الى ان هناك فجوة بين القطاع المالي والقطاع الحقيقي وظهر ما يعرف بإقتصاد الفقاعة –بحسب تعبيره-.

واشار الدعمي الى ان "المصارف الاسلامية هي ايضا مؤسسات ومنشئات تهدف الى ربح الاموال، وان هذا الربح قائم على ادارة الاموال بصورة صحيحة كدخولهم في مشاريع تنموية اقتصادية مضمونة الربح وهذه تتطلب ادارة مخلصة متمثلة بالأخلاق الاسلامية في ادارتها".

واكد على ان "المصارف الاسلامية تقدم اعمالها المصرفية وفقا للشريعة الإسلامية، مستعرضا بذلك مبررات المصارف الاسلامية ومقارنة عملها مع المصارف التجارية، وختم ورقته البحثية بالتأكيد على وجود الرغبة والحاجة الفعلية والتوجه العالمي الى العمل بمعايير الاقتصاد الإسلامي؛ لكونها تحقق الاستقرار الاقتصادي العالمي وفقا لتقارير اقتصادية عالمية، كما وجه دعوة الى الانظمة الاقتصادية العالمية بتطبيق قواعد الاقتصاد الإسلامي لتكون قواعد لتطبيقات الاقتصاد العالمي.

المداخلات:

الدكتور صالح نصر الله (دكتوراه هندسة مدني) اشار الى ان "السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة وترابطهما ترابطا وثيقا جدا"، مضيفا الى اننا اليوم نعيش في دولة تتبع النظام الاسلامي فهل يوجد اقتصاد اسلامي؟، واين يوجد المثال الجيد للمصارف الاسلامية؟.

فيما تساءلت الدكتورة وئام نصر الله (دكتوراه لغة عربية) عن ماهية الإضافات التي تضاف إلى المصارف الإسلامية إذا كانت تتمتع بنفس طريقة عمل المصارف التجارية ومنها عودة الادخارات للإفراد، وايضا ماهية المشاريع المضمونة الربح التي تعتمد عليها المصارف الإسلامية.

وطرح باسم عبد عون الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية استفسار عن امكانية توضيح الاقتصاد المخطط، مشيرا الى ان "هناك استحياء وخجل من تطبيق المصارف الاسلامية" مستفهما هذا السبب وكيفية المعالجة.

وتساءل حمد جاسم محمد الخزرجي الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية عن سبب ظهور الازمات المالية في الدول الاوربية وعدم ظهورها في الدول الخليجية؟، وهل نلاحظ نفس المظاهرات والاحتجاجات على قابضي السلطات؟، معتقدا ان ظهور الازمات المالية في الدول الاوربية بشكل واضح هو ليس بسبب الازمات الاقتصادية، وانما جاء بسبب السياسات الخاطئة التي تنتهجها تلك الدول في التعاملات الاقتصادية.

اما سكرتير نادي الكتاب خليل الشافعي فقد ذهب الى ان "اي نشاط او فعالية اقتصادية لا يمكن دراستها والبحث في خصوصيتها بغض النظر عن طبيعة النظام الاقتصادي العالمي، باعتباره يؤثر على كل الجزئيات الاقتصادية"، موضحا بالقول "ان الفعاليات الاقتصادية مترابطة ومتأثرة مع غيرها من الفعاليات، فاقتصاديات البلدان النامية خاصة مرتبطة بطبيعة النظام الاقتصادي العالمي الذي تهيمن عليه الرأسمالية العالمية، وهو موجود في تقسيم العمل الدولي التي اقرتها البلدان الرأسمالية عندما جعلت البلدان النامية هي المستهلكة والممولة للبلدان الصناعية"، واعتقد الشافعي "أن هناك ضوابطا أخلاقية في تعاملات المصارف الاسلامية لا غير، اما طبيعة الاموال فلا يمكن الافلات من هيمنة الرأسمالية العالمية".

هذا وقد أكد الدكتور حيدر حسين طعمة (كلية الإدارة والاقتصاد) الى "اننا اليوم بحاجة الى مزيد من التفاصيل حول المصارف الاسلامية لأنها تعتبر قاطرة التنمية في الوقت الحاضر"، متسائلا هل يمكن ان تنجح المصارف الاسلامية في العراق خصوصا بوجود ضعف الوعي المصرفي عند الأفراد؟.

اما الدكتور احمد المسعودي الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية فقد اثار تساؤلات امام الحاضرين تمثلت بعدة محاور منها: ان وزارة المالية العراقية على مدى يقارب من عشر سنوات قد أدارتها أحزاب اسلامية فما هو السبب في عدم تبني اطروحات اسلامية لتطبيق القواعد المصرفية؟، مؤكدا على ان المصارف في العالم الثالث تعيش الدمار والخراب الاقتصادي بسبب اتباع انظمة اسلامية بقواعد غير أخلاقية، مشيرا الى ان "40% من المجتمع العراقي يتعرض اليوم الى طعم المصارف التجارية التي تتعامل بالربا وجعلت منه حبيسا لهذه المصارف بسبب سياسة الاقتراض التي تتعامل بها"، متفقا مع ما جاء في الورقة البحثية بأن المصارف التجارية العالمية هي الاكثر تضررا في الازمات المالية، طارحا اشكاليته لماذا تعيش المصارف الاسلامية الكارثة الاكبر في كل أزمة مالية".

وكان آخر المتسائلين جاسم الظالمي رئيس منظمة حلقات التواصل الانسانية الذي طرح تساؤلا عن السبب في عدم تطبيق قواعد المصارف الاسلامية مادام هناك وجود الارضية الخصبة له.

توجه بعدها اصحاب الورقتين البحثيتين كلا من الدكتور هاشم الحسيني والدكتور عباس الدعمي، بالإجابة على التساؤلات والإشكاليات التي طرحها الحاضرون، ليتفق الجميع على ضرورة اعادة صياغة كتابة نظام الاقتصاد بلغة تتناسب مع لغة الاقتصاد المعاصر، وابراز دور الاقتصاد الاسلامي في فكر الامام الشيرازي الراحل، وايضا تحكيم القواعد الاخلاقية في تطبيق عمل البنوك الاسلامية.

اضف تعليق