إسلاميات - الإمام الشيرازي

الاستهانة بالأخطار في سبيل الهدف

من قاموس الامام الشيرازي

(لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا، بل خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي). تلك هي صيحة الامام الحسين (عليه السلام) للمعترضين على خروجه بعد رفضه البيعة ليزيد بن معاوية.

وهذا الخروج المظفر، رغم الخطر المحدق به وباهل بيته (عليهم السلام) جاء تتويجا لعدد من مسؤوليات جسام اضطلع في القيام بها قبل لحظة الخروج، التي اتت تتويجا لتحمل تلك المسؤوليات الخطيرة والجسيمة والتي واجهت الامة الاسلامية، وهي اضافة الى كونها مسؤوليات وتحديات فهي ايضا اسباب ساهمت في القيام بتلك النهضة المباركة.

من ذلك:

المسؤولية الدينية : حيث على كل مسلم تقع عليه مسؤولية التصدي لما يحدث في بلاد المسلمين من الاحداث والازمات التي تتنافي مع دينهم، وتتقاطع مع مصالحهم، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته).

وقوله ايضا (صلى الله عليه وآله وسلم):

(من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بقول ولا فعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله).

المسؤولية الاجتماعية، حيث موقع الامام الحسين (عليه السلام) في المجتمع الاسلامي.

اقامة الحجة في اعلان الجهاد - حماية الاسلام - تحرير ارادة الامة - تحرير اقتصاد الامة - الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وكان من نتائج هذا الخروج على السلطان الجائر ما هو معروف، حيث التضحية بنفسه (عليه السلام) والتضحية باهل بيته والتضحية بأمواله.

من ذلك السفر التاريخي وغيره من اسفار، قرآنية ونبوية من خلال النصوص المقدسة والشريفة، ينطلق المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) في تحديد العوامل المساعدة على انهاض المسلمين وتقدمهم، كما ترد في كتابه (الصياغة الجديدة لعالم الايمان والحرية والرفاه والسلام).

فعن قوله سبحانه وتعالى: (ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرةٍ أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) (التوبة: 13).

يقول الامام الشيرازي: (نفى سبحانه وتعالى في هذه الآية خشية المؤمن من شيء غير الله سبحانه وتعالى فالله أحق أن يخشوه إذا كانوا مؤمنين).

وعن قوله سبحانه وتعالى: (أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجةً والله خبير بما تعملون) (التوبة: 16).

يرى ان (اللازم على الإنسان المسلم أن يجاهد في سبيل الله، ولا يتخذ من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة يلج إليها ويخرج منها، بل يلزم أن يكون دخوله وخروجه إلى حكم الله ومن حكم الله سبحانه وتعالى، فصدوره ووروده يكون حسب القوانين الإسلامية فقط).

ودعوة الامام الشيرازي للجهاد لا يمكن ان تفسر ظاهريا، كما حدى بالكثير من الحركات والتنظيمات المحسوبة على الاسلام ان تفسر آيات الجهاد كما تتصور وتشتهي بعيدا عن أي تعقل، ليصبح شعار الجهاد لدى هذه التنظيمات والحركات مشروعا للقتل المجاني للآخرين، طمعا لتحقيق مصالح شخصية او طائفية ضيقة.

ففي كتابه (فقه السلم والسلام) يتطرق الامام الراحل الى ما يسميه الارهاب الاستعماري وكيفية مواجهته، ويسوق مثلين على ذلك هما الثورة الجزائرية التي دفعت مليون ضحية للتحرر من المستعمر الفرنسي ولم تتحرر الجزائر من تبعات ذلك الاحتلال وتلك الثورة حتى الان، وحزب المؤتمر الهندي وكان أسلوب الأخير في مواجهة الإرهاب الاستعماري هو الطرق السلمية وقد نجح تماماً، ويرى الامام الراحل ان (هذا السبيل في زماننا هذا هو الأفضل وربما المتعين لمواجهة المستعمرين، فعلى المسلمين وحركاتهم اتخاذ سياسة اللين والسلم بعيداً عن القوة والعنف مطلقاً، وبرفع راية السلام أمامهم بعيداً عن الاستعداد للحرب مطلقاً).

وهو قدس سره في رفعه لشعار السلم والسلام واللاعنف، كطريق ناجز لمواجهة المستعمرين، فانه يعمل على تشريح معنى القوة وامتلاكها، ليس بما الت اليه من دلالات بعيدة عن الصواب، بل بما تعنيه قرآنيا. وهو يرى ان (الإسلام كما أنه يؤكد على ضرورة السلم والسلام يرى ضرورة أن يكون المسلم قوياً غير ضعيف حتى لا يطمع فيه الأعداء، فتحقيق السلام لابد له من وجود قوة كافية للحفاظ عليه، لأنه لو لم يكن الحق مدعما بالقوة، لما انتصر على القوى التي تدعم الباطل، فإن الحق وإن كان يتمكن من أن يفتح الطريق أمام نفسه، إلا أن هناك من لا يرضى بالحق ويتجاوز على حقوق الآخرين).

ولذا فإن الله سبحانه وتعالى أمر المسلمين بأن يكونوا مستعدين حتى لا يؤخذوا على حين غرّة، حيث قال: (وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ).

علماً بأن القوة ليست في الجانب العسكري فحسب، بل في جميع الجوانب الاقتصادية والإعلامية والاجتماعية والدبلوماسية وغيرها، وربما كانت القوة العسكرية سبباً لهجمة الأعداء على الدولة، فيلزم التوازن في امتلاك القوى، فإنه شرع لردع العدوان أما إذا كان سبباً للعدوان فيكون ناقضاً للغرض.

ومع الأسف نرى بعض الدول تسعى بجد لصنع مختلف أنواع السلاح وشراء الطائرات والدبابات والغواصات والصواريخ وما أشبه، وهي في نفس الوقت لا تمتلك القوة الإعلامية والقوة الدبلوماسية الكافية، ولا تتصف بالحكمة والحنكة السياسية، فإن شراءها للأسلحة وسعيها لصنعها يعجل في القضاء عليها.

ولذلك يرى الامام الشيرازي، إن الطريق إلى السلم والسلام القائم على الحق والعدل والإنسانية هو امتلاك القوة في مقابل الضعف، لا القوة بمعنى العنف، فيلزم أن يكون الإنسان ـ منفرداً كان أو جماعة ـ قوياً بحيث يتراجع أعداؤه عن مقابلته للخوف من مكانته.

 

اضف تعليق