منذ الانشغالات الاولى للفكر الانساني في مجال السياسة، احتلت شخصية الحاكم ونوع الحكم الاولوية في الجهد التنظيري للكثيرين من مفكري وفقهاء السياسة.

استقرت تلك الاشكال في وقتنا الراهن، وبعد تجارب ومخاضات طويلة على ثلاثة اشكال،

أنظمة وراثية وأنظمة انتخابية وأنظمة انقلابية أو ثورية.

الانظمة الوراثية: هي أنظمة الحكم التي ينال الحاكم الحكم فيها بالوراثة وفق الدستور والعرف الذي تحدده كل دولة على حدة. ويوجد العديد من المسميات تحت أنظمة الحكم الوراثية مثل:

الملكية – الأميرية – السلطانية – الإمبراطورية.

وتختلف صلاحيات الحاكم من دولة إلى أخرى فمنها مايكون فيها الملك هو الحاكم المطلق او مايكون منصبه منصباً فخرياً لا أكثر.

في الانظمة الانتخابية يتم اختيار الحاكم من قبل الشعب أو من يمثله ولفترة زمنية محدودة يتم تحديدها وقابلية تجديدها وفق دستور كل دولة على حدة. ويتم اختيار الحاكم عادة بعدة طرق حسب ما ينص عليه دستور كل دولة منها: الإنتخاب من مرحلة واحدة، حيث يدعى من يحق لهم الإنتخاب إلى اختيار رئيس الدولة مرة واحدة فقط ويتم تسمية المرشح صاحب أعلى نسبة تصويت بغض النظر عن هذه النسبة.

 أو مرحلتين حيث يدعى من يحق لهم الإنتخاب إلى اختيار رئيس الدولة فيكون المرشح الذي يحصل على نسبة تصويت تتجاوز 50% من المرحلة الأولى وفي حال لم يحصل أي من المرشحين على هذه النسبة يدعى من يحق لهم الإنتخاب مرة اخرى لاختيار الرئيس من بين المرشَّحَين اللذين حصلا على أعلى نسبة تصويت في المرحلة الأولى، والمرشح الذي يحصل على اعلى نسبة تصويت (الجولة الثانية) فيكون هو الفائز.

أو الانتخاب ضمن البرلمان المنتخب شعبياً، حيث يقوم البرلمان المنتخب مباشرة من قبل الشعب باخيتار رئيس الدولة. ويشترط عادة في طريقة الانتخاب هذه عدم انتماء المرشحين لأي تيار أو حزب سياسي وغالباً من يكون رئيس في مثل هذه الحالة ذو صلاحيات ضيقة.

من الملاحظ في انظمتنا السياسية الحالية في البلدان العربية والمسلمة، طابع التعارض بين السلطة والمواطن حيث يعيش الطرفان (ازمة دائمة) متمثلة بالشك والخوف من بعضهما البعض والقلق مما قد يحمله المستقبل من مخاوف وازمات في زمن تتسابق فيه المجتمعات والدول باتجاه التقدم العلمي والرفاهية بأشكالها المختلفة.

سبب تلك الازمة يعزوه الباحثون الى ضآلة الشرعية وهشاشة البنى السياسية والايديولوجية السائدة، ولم تعد المجتمعات العربية تطمئن الى انها تمتلك القدرة على ايجاد الحلول للمشكلات التي تعترضها، كما لم تعد السلطة قادرة على تجاوز انانيتها لإيجاد وضع مقبول ومناسب لها ولمجتمعاتها،

ويتجلى مفهوم الشرعية كما اتفق عليه منظرو وفقهاء السياسة بـ«قبول مواطني دولة ما غير القسري (الطوعي) بالحكومة». وينشأ عن هذا التحديد، مساهمة الشرعية باستقرار الحالة بين الحكام والمحكومين والمجتمع بكامله، ما دامت الشرعية هي انعكاس لواقع الرضا والقبول الذي قد يبديه المواطنون ازاء النظام وممارسة السلطة وتتحقق بتطابق ادراكات النخبة الحاكمة لنفسها وادراكات الجماهير لها.

اذا كانت السطور السابقة عنت بشكل الحاكم وطريقة وصوله الى السلطة في الانظمة السياسية الحديثة شرقا وغربا، فإنها في الاسلام تأخذ شكلا اخر من خلال شرطين، الاول لاتلتفت اليه الانظمة السياسية الحديثة وهو (كونه مرضيا لله سبحانه تعالى)، والثاني يكاد يكون مشتركا بينها من حيث المبدأ العام مع اختلاف الطريقة وهو (كونه منتخبا من قبل اكثرية الامة). وهذا مايفصل فيه المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) في الفقه/كتاب السياسة/ج 106 .

عن الشرط الاول يرى الامام الراحل ان الولاية لله سبحانه عقلا وشرعا، فلا يحق لاحد تولي الامر بدون رضاه سبحانه، اما عقلا فلان الله سبحانه خالق الخلق ومالك الملك وكما لايجوز عقلا ان يتصرف احد في ملك احد الا برضاه، كذلك لايجوز التصرف في ملك الله الا برضاه، واما شرعا، فلورود الايات والروايات بلزوم ان يكون من يلي الامور مرضيا لله سبحانه.

واما الشرط الثاني فينطلق الامام الشيرازي من قوله سبحانه (وامرهم شورى) وقوله تعالى (وشاورهم في الامر) فان اطلاق الايتين يعطي انه بدون الشورى لايصح الحكم  الا فيما خرج، مثل حكم الرسول وحكم الامام، وحكم من عيّناه نصا، مثل تعيين الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) أسيدا على مكة، وتعيين علي (عليه السلام) مالكا لمصر فانه لامجال للشورى مع النص في الموضوعات، كما لامجال للشورى مع النص في الاحكام.

وحيث انه لاحكم الا ورد به كتاب او سنة، يبقى مجال الشورى في الموضوعات، فما دل على ان الشورى فيه ليس على سبيل الوجوب.

وعلى هذا حسب الامام الشيرازي يكون هناك انتخابان للناس:

الاول: انتخابهم للفقيه العادل الجامع للشرائط، حتى يكون هو الذي يتولى عامة الامور، وهذا مايسمى (بولاية الفقيه) فاذا كان هناك جماعة من الفقهاء العدول، اختار المسلمون أحدهم رئيسا اعلى للدولة ويحق لهم ان يختاروا جماعة منهم ليكونوا رؤساء الدولة بالاستشارة فيما بينهم وهذا الثاني أقرب الى روح الاسلام، حيث ان الاسلام استشاري، كما انه أقرب الى الاتقان.

وهؤلاء الفقهاء هم الذين يفسرون السياسة العليا للدولة، بالاستشارة فيما بينهم، اما بان يجعل بعضهم رئيسا والبقية مشاورون، واما ان تنفذ الامور بالهيئة الجماعية.

الثاني: انتخابهم لنواب الامة، الذين يكونون بدورهم تحت اشراف الفقهاء، اي تكون ولاية الفقيه المشرفة العليا على النواب وعلى غيرهم، وبعد ذلك ان شاءت الامة انتخبت رئيس الجمهورية، وبالتشاور بين الثلاثة، يكون انتخاب الوزراء (السلطة التنفيذية) و(الهيئة العليا للقضاء، وان شاءت الامة جعلت انتخاب رئيس الجمهورية على السلطة التشريعية مع السلطة الفقهائية، ولعل انتخاب الامة لرئيس الجمهورية أقرب الى روح التشاور، وان كان يجعل الامر اصعب.

 

اضف تعليق