خلال اثني عشر عاماً مضت، دخلت العراق خلالها ملايين الانواع من المواد والسلع المختلفة، الغذائية، الكهربائية، الانشائية والطبية وغيرها، عقد من الزمن كان شاهداً على اننا شعب مستهلك، أغلب موازنتنا الاتحادية يذهب نصفها تقريباً الى الرواتب والمتبقي الى الفساد عن طريق آلاف المشاريع التي كان من المفترض بها أن تدعم البنية التحتية وتقيمها بما يحقق انجاح الخدمة العامة على أكمل وجه، إلا إننا فرطنا بها حينما حولناها الى جيوب المفسدين، بقصد أو دونه، ذهبت اموالنا ولم نستطع معها من بناء مؤسساتنا الرقابية على أكمل وجه ومنها المؤسسات المسؤولة عن فحص المواد الواردة أعلاه وفقاً للمواصفات العالمية أو العراقية القياسية على أقل تقدير.

الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، يعتبر من أهم الاجهزة الرقابية في البلد حيث تقع على عاتقه مهمة وطنية بالغة الاهمية تتمثل في فحص المواد والسلع المستوردة للعراق والمنتجة فيه وبما لا يسبب بأي ضرر على المستهلك من ابناء شعبنا، إلا إننا نسجل ملاحظات كثيرة وهي من باب إستيضاح بعض الامور المهمة في عمل الجهاز فالعشرات من الحرائق الكبيرة إندلعت وتسببت بخسائر تقدر بمليارات الدنانير والخسائر البشرية وأسبابها كانت بفعل التماس الكهربائي الناجم من مواد كهربائية من مناشىء رديئة وغير مطابقة للمواصفات القياسية ونخص بالذكر أجهزة الحماية التي أصبحت نقمة على ابناء شعبنا وتسببت بالكثير من الوفيات حرقاً بسبب عدم مطابقتها للمواصفات وحالات التخسفات في الشوارع بعد فترة قصيرة من رصفها وأخرى منها مايخص بالمياه ومئات المصانع المنتشر لتنقية المياه، هل تطابق المياه المواصفات التي كتبت على العبوة وكيف تم فحصها ومطابقتها وهل هناك فحص عينات عشوائية من رفوف الاستهلاك تتم بين فترة وأخرى لضمان إستمرار جودة المنتج أم أن الاعتماد على أول منتج صفري تم إنتاجه من قبل المصنع؟

آلاف العلب التي تحتوي على مواد غذائية مع مواد حافظة: هل تم مطابقة مواصفات محتوياتها مع ما كتب من معلومات المستهلك على غلاف تلك العبوات؟ وهل ظهرت نتائج لمواد رفضت ولم تدخل، الكثير من الاسئلة التي تدور بمخيلة المواطنين حول هذا الموضوع الذي قد يعتبر مهما في حين أن ابناء شعبنا يمرضون ويموتون يومياً بسبب منتجات غير خاضعة للمواصفات دخلت بصورة رسمية الى القطر وتسببت في إزهاق ارواح الكثيرين، فكم من قضية على غرار قضية الشاي غير الصالح للإستهلاك البشري مرت دون حساب وكم من مواد مهجنة أو غير مطابقة للمواصفات أو حتى تم العبث في معلومات العبوات أو تم تعبئتها في البلد بعد نفاذ صلاحيتها.!

إن معرفة أبناء شعبنا بحقوقهم الكاملة في ظل قانون حماية المستهلك وإزاء المواد غير المطابقة للمواصفات أو تلك التي يتم التلاعب، بأساليب ذكية بتغليفها، له الدور الاكبر في ضبط تداول المواد في السوق ولو كانت لديه معرفة بتلك الحقوق لما هدأت مراكز الشرطة من الدعاوى التي تقام ضد المجهزين ممن جلبو الويل على وطنهم وشعبهم، فكم من مواطن اقتنى جهاز أو سلعة كهربائية وظهرت عيوبها في أول يوم استخدام لها، كيف دخلت تلك القطعة الى البلد؟ ومن فحصها واصدر لها شهادة مطابقة؟ ولو تمكنا من تعريف المواطن بحقوقه وكيف يمكنه ان يرفع دعوة قضائية على المجهز ويكسب تعويضاً مادياً محدداً، بصورة جيدة، وتحميل المجهز اجور الدعوة والمحامي لتمكنا أن نضع كافة المستوردين والمجهزين امام زاوية ضيقة لايستوردوا معها إلا المطابق للمواصفات ونجبر دوائرنا الحكومية على اتباع اشد الانظمة دقة في فحص ومطابقة المواصفات وإصدار شهادات الفحص لأنهم المسؤولية الكبرى ف دخول المواد.

لدينا المعرفة الكاملة بجسامة المهمة الملقاة على عاتق الجهاز والجهود الكبيرة المبذولة من قبل كوادره إلا إننا نحاول أن نذكّر بأن عملهم يجب أن يرقى للمستوى الذي يتناسب وأهميته في الحفاظ على حقوق المستهلك والحفاظ على حياتهم فالتهديد من قبل المجهزين لا يقل خطورة عن الارهاب حينما يهدد أمنهم الغذائي والاجتماعي والاقتصادي.

كما أن لمجلس حماية المستهلك الذي شكل بموجب المادة 4 من قانون حماية المستهلك رقم 1 لعام 2010؛ الدور الاساس في الحفاظ على ضبط متغيرات السوق تبعاً لمستوى نشاطه في ترشيق مستوى المخالفات الاقتصادية الى أدنى مستوياتها إذا لم نقل القضاء عليها حين وصلت تلك المخالفات الى أعلى درجاتها في السنوات السابقة بسبب غياب دوره المهم في تلك العملية، فلغاية يومنا هذا لم نقرأ أو نلاحظ وجود معامل أغلقت أو أتلفت قبل دخولها العراق، ولكننا نرى أن مواداً أتلفت داخل المحافظات ونتساءل كيف دخلت البلد؟

حماية المستهلك، من الناحية الاكاديمية، واضح المعالم فلكل من الجهاز المركزي ومركز بحوث السوق وحماية المستهلك التابع لجامعة بغداد رؤيته المتكالمة والرسالة الواضحة ولكننا أمام معضلة التطبيق الحرفي والكامل لكل الرؤي والقوانين والرسالات التي نعقد على اساسها دوراتنا وندواتنا النقاشية وبحوثنا وما أكثرها، علينا أن نصل الى مرحلة التطبيق الكامل ولنعيد حسابتنا فيما نقوم فيه فقد نكون بحاجة الى ماهو أكبر من المراكز والقوانين.

علينا إدخال قوانين حماية المستهلك الى مناهجنا الدراسية ليعرف الجميع حدود الحقوق الممنوحة، فكل منا له قصة مؤلمة مع تلك المواد التي تدخل البلد بلا فحص كامل أو ان يكون للفساد ضلعاً فيها، فالغش الصناعي في أوجه، نحن بحاجة الى توعية كبيرة بالخصوص والتعريف بقوانين حماية المستهلك وإعادة النظر بالغرامات المالية التي نص عليها قانون حماية المستهلك والتي لا تتناسب مطلقاً مع حجم الخرق التي تشهده أسواق السلع والمنتجات المستوردة ولنضع الحد أمام إولائك المتلاعبين بإقتصاد الشعب ومقدراته.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق