q
استحوذت مشروعات الهيدروجين في الشرق الأوسط على اهتمام عالمي متزايد خلال السنوات الأخيرة، لوقوعها في دول نفطية ذات قدرات مالية عالية تمكّنها من دفع مخططات تنفيذها للأمام سريعًا، ورغم موجة الإعلانات الكبرى منذ عام 2020 لمشروعات الهيدروجين الطموحة من قبل الخليج فإن التقدم المحرز في هذه الخطط ما يزال بطيئًا ولا يلائم أهداف 2030...

استحوذت مشروعات الهيدروجين في الشرق الأوسط على اهتمام عالمي متزايد خلال السنوات الأخيرة، لوقوعها في دول نفطية ذات قدرات مالية عالية تمكّنها من دفع مخططات تنفيذها للأمام سريعًا، ورغم موجة الإعلانات الكبرى منذ عام 2020 لمشروعات الهيدروجين الطموحة من قبل الخليج فإن التقدم المحرز في هذه الخطط ما يزال بطيئًا ولا يلائم أهداف 2030، بحسب تحليل حديث اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.

وتركز أغلب مشروعات الهيدروجين في الشرق الأوسط على الإنتاج بغرض التصدير، وسط منافسة عالمية لاقتناص الحصص في تجارة الهيدروجين الناشئة المترقب انطلاقها بقوة بحلول 2030، وتتطلع الدول المتنافسة على مشروعات الهيدروجين في الشرق الأوسط إلى أن تكون جاهزة للتصدير بحلول عام 2030، إذ يستهدف الاتحاد الأوروبي شراء 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول التاريخ نفسه، ما قد يمثل دفعة قوية لأصحاب المشروعات تحت التطوير والبناء حاليًا، لتسريع خططهم للاستفادة من هذه الفرصة.

تحديات مشروعات الهيدروجين في الشرق الأوسط

ما زال من الصعب تحديد القيمة الدقيقة للدعم الحكومي الذي ستحصل عليه مشروعات الهيدروجين في الشرق الأوسط، وهي إحدى الصعوبات الرئيسة التي قد تعوق هذه المشروعات عن تحقيق أهدافها بسرعة.

واتخذت دول المنطقة نهجًا أكثر دقة في دعم مشروعات الهيدروجين يختلف عن أساليب الدعم المباشر لكل كيلوغرام منتج من الهيدروجين المفضل لدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إذ تبنت أنظمة ضريبية منخفضة للغاية أو منح حقوق تطوير الأراضي إلى الشركات.

وتتميز مشروعات الهيدروجين في الشرق الأوسط، بأن أغلب الشركات الكبرى المُعلنة لها أو التي أنفقت عليها حتى الآن، مملوكة للدولة بصورة كاملة أو جزئية، ما يجعل أهدافها متناغمة مع الأهداف الوطنية المعلنة.

ورغم ذلك، فإن مشروعات التصدير كبيرة الحجم قد تستغرق وقتًا أطول لتطويرها ما بين 6 و10 سنوات، ما يستلزم تسريع خططها التنفيذية حتى تتمكن من اللحاق بفرصة التصدير للاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030.

استنادًا إلى هذه المخاوف الزمنية، يلقي التقرير الضوء على حالة مشروعات الهيدروجين في الشرق الأوسط ومدى جاهزيتها للحاق بفرصة التصدير لعام 2030، خاصة في 4 دول خليجية رئيسة هي: عمان والسعودية والإمارات وقطر، مع تصنيف مصر ضمن مشروعات شمال أفريقيا، في تحليل آخر نشرته وحدة أبحاث الطاقة.

مشروعات الهيدروجين في عمان

تعتمد سلطنة عمان، أحد رواد مشروعات الهيدروجين في الشرق الأوسط، وسائل دعم متنوعة للمشروعات، أبرزها تخصيص قطع من الأراضي عبر مزادات تطرحها شركة هيدروم العمانية أمام الشركات العالمية والمحلية الراغبة في الاستفادة من موارد الرياح القوية والطاقة الشمسية الوفيرة، ما يساعد على إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكاليف رخيصة للغاية.

وتخطط البلاد لإنتاج مليون طن من الهيدروجين سنويًا بحلول عام 2030، ورجح تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية في عام 2023 بأن تصبح سلطنة عمان أكبر مصدر للهيدروجين في الشرق الأوسط.

ورجح تقرير لمنصة هيدروجين إنسايت المتخصصة (hydrogen insight)، قدرة البلاد على إنتاج الأمونيا الخضراء مقابل 400 دولار للطن، بالإضافة إلى 50 دولارًا لتكاليف الشحن، ما قد يجعلها منافسًا قويًا للأمونيا الزرقاء أو الرمادية في الأسواق وسط تقلب أسعار الغاز.

ونجحت شركة هيدروم -المؤسسة حديثًا- في توقيع 6 اتفاقيات إنتاج ملزمة خلال 2023 بقيمة 20 مليار دولار، عبر مزادات متخصصة أسفرت عن منح الشركات الفائزة قطعًا واسعة من الأراضي اللازمة لتطوير المشروعات.

وأسهمت هذه الاتفاقيات في زيادة الطاقة الإنتاجية المحتملة للهيدروجين في سلطنة عمان إلى 925 ألف طن، لكن العديد من المشروعات التي فازت بقطع الأراضي عبر مزادات شركة هيدروم ما زالت في منتصف دراسات الجدوى أو الهندسة والتصميم الأمامي، بحسب تقرير هيدروجين إنسايت.

كما ما زالت الشركات الفائزة لم توقع اتفاقيات تأجير الأراضي بصورة نهائية، إذ يتوقف ذلك على استمرارها في تطوير المشروعات المحتملة ومدى سرعتها في اتخاذ قرارات الاستثمار النهائية المتصلة، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

حالة مشروعات الهيدروجين في السعودية

تبدو السعودية، أكبر مصدر للنفط عالميًا، قد أخذت زمام المبادرة في وقت مبكر من سباق مشروعات الهيدروجين في الشرق الأوسط المحتدم بين دول المنطقة، وقد فعلت ذلك حتى دون وجود إستراتيجية رسمية للهيدروجين، بحسب التقرير.

ويُعد مجمع الهيدروجين الأخضر والأمونيا في مشروع نيوم أقصى شمال غرب البلاد، أول مشروع عالمي بحجم غيغاواط يصل إلى الإغلاق المالي ويبدأ البناء، إذ تصل قدرته إلى 2.2 غيغاواط.

وقد سُلمت توربينات الرياح الأولى إلى شركة نيوم للهيدروجين الأخضر المطورة للمشروع، وسط توقعات بأن تكون قادرة على بدء إنتاج 1.2 مليون طن من الأمونيا بحلول عام 2026.

ورغم أن المشروع يقع على البحر الأحمر فإن شركة نيوم للهيدروجين الأخضر لم تشتكِ من تأخر أعمال البناء أو توريد المعدات، بسبب الخطر المستمر لهجمات الحوثيين في اليمن على السفن بالمنطقة منذ الحرب الإسرائيلية على غزة.

وحددت شركة أرامكو السعودية في عام 2022 هدفًا طموحًا لإنتاج 11 مليونًا من الأمونيا الزرقاء بحلول عام 2030، بل سلّمت أول شحنة تجريبية من الأمونيا الزرقاء إلى كوريا الجنوبية، كما سلمت شحنة تجريبية أخرى إلى اليابان في عام 2023.

وبعد هاتين الشحنتين، أبطأت أرامكو عملها في مجال الهيدروجين الأزرق والأمونيا، إذ أعرب رئيسها التنفيذي عن مخاوفه عام 2023، من أن السعر المحتمل للهيدروجين عند 260 دولارًا للطن كان مرتفعًا للغاية، ولا يمكّن المتعهدين من الاشتراك في عقود طويلة الأجل دون الحصول على دعم حكومي.

وبعيدًا عن التطورات المحلية لمشروعات الهيدروجين، تتجه السعودية إلى ضخ استثمارات أكبر في مشروعات إنتاج للهيدروجين خارج البلاد مثل أوزبكستان وتايلاند وإندونيسيا ومصر، بالإضافة إلى اتجاهها للاستثمار في الشركات الناشئة بالقطاع.

مشروعات الهيدروجين في الإمارات

ضمن سباق مشروعات الهيدروجين في الشرق الأوسط، تسعى الإمارات لتأكيد جهودها المناخية منذ سنوات، مع زيادة جهودها في هذا الإطار قبل استضافتها الأخيرة لمؤتمر المناخ كوب 28 الذي انعقد أواخر العام الماضي.

 

ونجح رئيس المؤتمر الدكتور سلطان الجابر، الرئيس التنفيذي لشركة النفط الحكومية أدنوك ورئيس مجلس إدارة شركة مصدر للطاقة المتجددة، في دفع ممثلي الدول الأعضاء في مؤتمر المناخ على نشر الهيدروجين النظيف محليًا على نطاق واسع.

وتوجهت جهود الجابر عبر موافقة الدول الأعضاء على إدراج أول إشارة إلى الهيدروجين منخفض الكربون في البيان الختامي للمؤتمر بوصفه أحد البدائل المطلوبة للتخفيف من آثار المناخ.

وتستهدف إستراتيجية الهيدروجين في الإمارات إنتاج مليون طن من الهيدروجين الأخضر، و400 ألف طن من الهيدروجين الأزرق سنويًا بحلول عام 2031، ما قد يمكنها من الاستحواذ على حصة تصل إلى 25% من سوق الهيدروجين العالمية.

ورغم هذه الخطط الطموحة فإن منشأة واحدة فقط، وهي مصنع فرتيغلوب "Fertiglobe" بمجمع الرويس الصناعي في أبوظبي، قد بدأت إنتاج كمية غير محددة من الأمونيا الزرقاء، بحسب تقرير هيدروجين إنسايت.

ويعتمد هذا المصنع تقنية احتجاز الكربون وتخزينه من عمليات الإنتاج، إذ يجري احتجاز الكربون وإعادة حقنه في الخزانات الجوفية لتعزيز استخلاص النفط، وقد تم بالفعل إرسال كميات صغيرة من الأمونيا المنتجة في هذا المصنع في صورة شحنات تجريبية إلى عملاء في اليابان وألمانيا.

وكانت شركة أدنوك -التي اشترت حصة شركة "أو سي آي" في المصنع لتصبح المالك الكامل له نهاية 2023- قد تعهدت في عام 2021 ببدء تشغيل منشأة الأمونيا الزرقاء في مجمع الرويس بطاقة مليون طن سنويًا عام 2025، لكن لم يُتخذ قرار الاستثمار النهائي حتى الآن.

في الوقت نفسه، تعهدت شركة مصدر الإماراتية بإضافة مليون طن سنويًا من قدرة إنتاج الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، لكنها لم تحدد حصص الإنتاج المحلي والخارجي لهذا الهدف الطموح.

كما يبدو أن العمل توقف في مشروع للهيدروجين الأخضر بقيمة مليار دولار في منطقة خليفة الصناعية في أبوظبي من قبل شركة هيليوس للصناعة (Helios Industry)، رغم انضمام عدة شركات عالمية إلى تحالف المشروع في يونيو/حزيران 2022.

مشروعات الهيدروجين في قطر

يقترح أنصار الهيدروجين على قطر، أحد أكبر مصدري الغاز المسال عالميًا، إعادة استغلال البنية التحتية لديها في إنتاج الهيدروجين، على الرغم من أن جدوى إعادة الاستعمال هذه محل شك من قبل آخرين.

ولم تنشر قطر حتى الآن مثل السعودية إستراتيجية رسمية للهيدروجين، ولم تحدد أهدافًا محددة، لكنها ما تزال تستثمر بصورة كبيرة في هذا القطاع.

ووقعت شركة قطر للأسمدة الكيماوية (قافكو) المملوكة للحكومة عقدًا مع شركة تيسين كروب الألمانية في أغسطس/آب 2022، لبناء مصنع للأمونيا الزرقاء بقيمة مليار دولار، ومن المقرر اكتماله خلال الربع الأول من عام 2026.

ورغم ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كانت "قافكو" تخطط لتصدير الأمونيا الزرقاء مباشرة أو استعمالها لإنتاج الأسمدة التي تُباع محليًا أو للأسواق العالمية.

وبصرف النظر عن هذا المشروع، فلم يكن هناك سوى القليل من الإعلانات أو التحديثات خلال السنوات الأخيرة حول طموحات قطر، ما يجعلها من أقل الدول تنافسًا حول بناء مشروعات الهيدروجين الأخضر في الشرق الأوسط.

اضف تعليق