في ظل استمرار هبوط أسعار النفط في الاسواق العالمية تواجه دول الخليج العربي، التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات البترول لدعم ميزانيتها جملة من المشكلات والتحديات المهمة والحساسة، فقد القت هذه الأزمة بظلالها على اقتصادات هذه الدول التي تضررت كثيرا جراء انخفاض أسعار النفط وشح السيولة المالية، التي دفعت بعض الحكومات الخليجية الى اعتماد خطط واجراءات اصلاحية، منها تقليص الإنفاق واتخاذ إجراءات تقشفية وتقليص الدعم وغيرها من الاجراءات، التي قد تسهم وبحسب بعض المراقبين بخلق اضطرابات ومشكلات جديدة في هذه البلدان التي لن تصمد طويلاً في وجه عاصفة تراجع أسعار النفط العالمية، يضاف اليها التكاليف والنفقات الاخرى بسبب الحروب والازمات السياسية.

ومع زيادة انهيار أسعار النفط مع بداية العام 2015، اتخذت دول الخليج مجموعة من التدابير المالية الخاصة بترشيد الانفاق، حيث أعلنت البحرين زيادات تدريجية في أسعار الغاز اعتباراً من أبريل 2015، وفى رسوم التأمين الصحي على الموظفين وعلى تأشيرات الدخول. أما الكويت الدولة الخليجية الغنية بالنفط فإن حكوماتها اتبعت سياسة إصلاح دعم الوقود عبر رفع أسعار الديزل والكيروسين. أما سلطنة عمان فإن ميزانيتها خلال العام 2015 تتضمن خفضاً في نفقات الدفاع. وأعلنت المملكة العربية السعودية حزم إنفاق كبيرة في المالية العامة في يناير وأبريل 2015، في حين رفعت الإمارات تعريفات المياه والكهرباء. و قد قال صندوق النقد الدولي إن دول مجلس التعاون الخليجي ستشهد تراجعاً في رصيد حسابها الجاري من فائض قدره 15% من إجمالي الناتج المحلى في 2014 إلى عجز بنسبة 0.25% في 2015.

الوضع الائتماني

في هذا الشأن فقد قالت وكالة موديز انفستورز سيرفيس للتصنيف الائتماني إن موازين المعاملات الجارية والميزانيات العامة لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي ستظل معرضة لضغوط في ظل توقع بقاء أسعار النفط عند مستويات منخفضة لفترة أطول. وعلى مدى العقود الماضية اعتمدت دول مجلس التعاون الخليجي الست -وهي السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان والبحرين- على إيرادات النفط لتمويل حكوماتها. لكن كاهل الميزانيات يواجه الآن ضغوطا بسبب تضخم القطاعات العامة والإنفاق السخي على البرامج الاجتماعية بعد نزول أسعار النفط.

وقال شتيفن ديك المحلل لدى موديز في تقرير للوكالة "نتوقع أن يدفع تأثير انخفاض إيرادات الهيدروكربونات على الماليات العامة لدول مجلس التعاون الخليجي إلى إجراء تعديلات في السياسات في 2016." وأضاف "هذه التعديلات قد تشمل خفض الإنفاق على الدعم وإجراءات رامية لتوسيع قاعدة الإيرادات غير النفطية." وهبطت أسعار النفط نحو 60 بالمئة من مستواها فوق 115 دولارا للبرميل في يونيو حزيران 2014 بفعل تخمة المعروض العالمي.

وذكرت موديز في تقريرها أن إصلاح دعم الطاقة من بين الخيارات المالية المتاحة للتكيف مع هبوط أسعار النفط وهو ما قد يؤدي بدوره إلى توافر كميات إضافية من الخام المتاح للتصدير. وأعلنت عدة دول عن خطط إصلاح محدودة لكن الإمارات العربية المتحدة هي وحدها التي نفذت إصلاحات للدعم الحكومي على أسعار بيع الوقود بالتجزئة. غير أن موديز تتوقع أن تسجل جميع دول مجلس التعاون الخليجي ما عدا الكويت عجزا في موازنة 2016 أيضا. وتتوقع الوكالة أن تسجل منطقة الخليج عجزا مجمعا في الموازنة يبلغ حوالي عشرة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة في 2015 و2016 مقارنة مع متوسط فائض مجمع يقارب التسعة بالمئة في الفترة من 2010 إلى 2014.

سد العجز

الى جانب ذلك قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إن من المستبعد أن تتمكن دول مجلس التعاون الخليجي من سد العجز المجمع في ميزانياتها في ظل هبوط أسعار النفط. وقالت الوكالة في تقرير إن "ردود فعل دول مجلس التعاون الخليجي على مستوى السياسة المالية بشأن هبوط النفط ستكون محدودة على الأرجح مقارنة مع ما تفقده من إيرادات في 2015 و 2016." وأضافت أن "حجم التحديات المالية الناجمة عن هبوط سعر النفط يختلف من بلد لآخر ويرتبط إلى حد كبير بنصيب الفرد من إنتاج الهيدروكربونات." وهبطت أسعار النفط نحو 60 بالمئة من مستواها فوق 115 دولارا للبرميل في يونيو حزيران 2014 بفعل تخمة المعروض العالمي.

وعلى مدى العقود الماضية اعتمدت دول مجلس التعاون الخليجي الست -وهي السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان والبحرين- على إيرادات النفط لتمويل حكوماتها. لكن كاهل الميزانيات يواجه الآن ضغوطا بسبب تضخم القطاعات العامة والإنفاق السخي على البرامج الاجتماعية بعد نزول أسعار النفط.

وفي أبريل نيسان قدر البنك الدولي أن انخفاض أسعار النفط قد يكلف دول مجلس التعاون الخليجي 215 مليار دولار أو حوالي 14 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي لاقتصاداتها هذا العام. وذكرت فيتش في أن بعض ردود الفعل التي تتبناها دول أخرى مصدرة للنفط على مستوى السياسة المالية يصعب على دول مجلس التعاون الخليجي تنفيذها أو تنطوي على مخاطر أكبر لها. وأضافت "على سبيل المثال لا نتوقع أي تغيير في ربط أسعار الصرف بالمنطقة لتخفيف حدة التعديلات المالية. فربط العملات من (العوامل الرئيسية) لمواجهة التضخم ومدعوم باحتياطيات ضخمة ويوجد التزام سياسي قوي به ولا خبرة للقطاع الخاص في التعامل مع تقلبات سعر الصرف".

وقالت فيتش إن الجهود الخليجية الرامية لتعزيز الإيرادات غير النفطية محدودة وإن اختلاف متطلبات التعديل المالي يجعل من الصعب تدشين مبادرات على مستوى المنطقة مثل تبني خطط لتطبيق ضريبة القيمة المضافة على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي. وتابعت "ترشيد الإنفاق عبر الدعم الحكومي الموجه بشكل أفضل وتحسين كفاءة الأداء العام على أجندة بعض دول مجلس التعاون الخليجي لكن قد يصعب تنفيذ ذلك بسبب عدم مرونة الإنفاق والمعارضة السياسية."

"لذلك يمثل الإنفاق الرأسمالي مصدر التعديل الرئيسي المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي حيث تستمر المشروعات الحالية بصفة عامة لكن عددا أقل من المشروعات الجديدة يمضي قدما." غير أن الوكالة استثنت بعض الدول من ذلك "مثل الكويت التي نتوقع فيها أن يرتفع الإنفاق الرأسمالي مع تحسن العلاقة بين الحكومة والبرلمان بما يدعم عملية التنفيذ، وقطر التي تلتزم بمستوى مرتفع من الإنفاق الرأسمالي حتى عام 2020 وهو ما يرجع في جزء منه إلى استعدادها لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم."

وكان بنك الكويت الوطني قال في فبراير شباط الماضي إن الإنفاق الحكومي في الكويت نما بنسبة 9.6 بالمئة على أساس سنوي في الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية 2014-2015 رغم انخفاض الإيرادات بسبب هبوط أسعار النفط مدعوما بالإنفاق الرأسمالي الذي ارتفع 31 بالمئة حتى ديسمبر كانون الأول. ومن المنتظر أن تنفق قطر أكثر من 200 مليار دولار على الاستعدادات لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في إطار خطة رؤية قطر الوطنية 2030.

وقال تقرير الوكالة إن الكويت وقطر قد تتمتعان بقدرة أكبر على تحمل الإبقاء على مستوى الإنفاق الرأسمالي في مواجهة انخفاض أسعار النفط نظرا لأن ميزانيتهما تتضمن أقل مستوى لأسعار النفط التي تحقق نقطة التعادل بين دول مجلس التعاون الخليجي (57 دولارا و55 دولارا للبرميل على الترتيب). وتوقعت فيتش أن تسجل الكويت فائضا بالميزانية في عامي 2015 و2016 "حتى مع تقديراتنا المعدلة لمتوسط سعر النفط (خام برنت) البالغة 55 دولارا للبرميل في 2015 و60 دولارا للبرميل في 2016"

وجاءت توقعات فيتش رغم أن الموازنة الكويتية للسنة المالية الحالية 2015-2016 التي وافق عليها البرلمان في يوليو تموز تتوقع عجزا قدره 8.18 مليار دينار (27 مليار دولار). كما توقعت فيتش أن تسجل قطر عجزا ضئيلا نسبته 0.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015 وإن كانت تلك النسبة سترتفع إلى 5.3 بالمئة في العام القادم. وفي يونيو حزيران قالت وزارة التخطيط التنموي والإحصاء القطرية إن قطر تتوقع الآن تحول موازنتها إلى تسجيل عجز في العام القادم هو الأول منذ 15 عاما وليس فائضا مثلما توقعت قبل ستة أشهر. وتشير تقديراتها إلى أن العجز قد يصل إلى 4.9 بالمئة تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي.

وتتوقع وزارة المالية القطرية أن يتقلص الفائض المالي في الموازنة بشكل ملموس ليصل إلى 1.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في 2015 مقارنة مع 12.3 في المئة في 2014. أما عن البحرين وسلطنة عمان والسعودية فتتوقع فيتش أن تسجل عجزا في خانة العشرات في 2015 وإن كانت الدول الثلاث ستشهد بعض التقلص في العجز العام القادم مع تراجع الإنفاق الرأسمالي وبدء تعافي أسعار النفط "لاسيما السعودية التي نتوقع أن ينخفض العجز فيها إلى 8.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي من 16.7 بالمئة بما يعكس بعض النفقات الاستثنائية هذا العام". بحسب رويترز.

وفي ديسمبر كانون الأول أقرت الحكومة السعودية ميزانية توسعية لعام 2015 تتوقع أن تسجل المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم عجزا في الموازنة قدرته عند 145 مليار ريـال. كما تتوقع موازنة البحرين ارتفاع العجز إلى 1.47 مليار دينار هذا العام وإلى 1.563 مليار دينار العام القادم من عجز متوقع قدره 914 مليون دولار في 2014. وفي سلطنة عمان من المتوقع أن يبلغ العجز 2.5 مليار ريـال بما يعادل ثمانية بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للسلطنة. وأشارت فيتش إلى أن مستويات الدين الحكومي العام للدول الثلاث ستواصل الارتفاع في 2016 "مع استئناف الاقتراض أو زيادته من أجل تمويل العجز."

الكويت

في السياق ذاته أفادت صحيفة الأنباء الكويتية نقلا عن مصادر لم تسمها أن الهيئة العامة للاستثمار صندوق الثروة السيادي الكويتي تدرس بيع أصول لتغطية عجز الميزانية الحكومية بفعل هبوط أسعار النفط. وقالت الصحيفة إن الصندوق الذي تقدر أصوله بأكثر من 500 مليار دولار يدرس تسييل الأصول التي تقل عائداتها السنوية عن تسعة بالمئة. ويستثمر الصندوق أمواله بأنحاء العالم في فئات متنوعة من الأصول مثل السندات والأسهم والعقارات. ولم تذكر الصحيفة فئات الأصول التي قد تباع.

وقالت إن حجم الأصول المتوقع بيعها يبلغ نحو تسعة مليارات دينار (30 مليار دولار) حيث يعتقد مسؤولون أن بيع الأصول التي تدر عائدات أقل من تسعة بالمئة هو وسيلة أقل تكلفة نسبيا لتغطية عجز الميزانية وتمويل مشاريع البنية التحتية الكبيرة المزمعة. وبدأت دول خليجية أخرى ولاسيما السعودية تسييل أصول لتغطية عجز الميزانية في ظل تراجع أسعار النفط.

من جانب اخر عبر أمير الكويت، عن قلقه من انخفاض أسعار النفط العالمية وانعكاسه على ميزانية الدولة. طالب الحكومة والبرلمان إلى المسارعة لاتخاذ تدابير وإجراء إصلاحات اقتصادية لمواجهة تراجع في الإيرادات النفطية للدولة بلغ 60 في المائة، بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية. ودعا الشيخ صباح الأحمد الصباح أيضا إلى إيجاد مصادر أخرى للدخل في البلاد التي تعتمد بشكل كبير على عائداتها النفطية، وكان ذلك خلال إلقائه كلمة في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الأمة الكويتي.

وصرح أمير الكويت أمام البرلمان "لقد أدى انخفاض أسعار النفط عالميا إلى تراجع في إيرادات الدولة بحوالي ستين في المائة، في حين استمر الإنفاق العام على حاله دون أي تخفيض يتناسب مع انخفاض أسعار النفط، وهذا ولد عجزا في ميزانية الدولة يثقل كاهلها ويحد من طموحاتنا التنموية". ودعا إلى "مباشرة إجراءات جادة وعاجلة لاستكمال جهود الإصلاح الاقتصادي وإنجاز أهدافه، تستهدف ترشيد وتخفيض الإنفاق العام ". وأضاف أمير الكويت أن "التأخير يزيد العجز تراكما". بحسب فراس برس.

وتشكل العائدات النفطية نحو 94 في المائة من الدخل العام في الكويت، التي بلغ احتياطيها من النقد الأجنبي خلال السنوات الـ16 الماضية 600 مليار دولار. ويضع الصندوق السيادي للدولة هذا الاحتياط خارج البلاد. وقال صندوق النقد الدولي إن هذه الاحتياطات ستكون كافية للكويت على مدى السنوات الـ23 المقبلة. لكن الصباح شدد على ضرورة ألا تمس الحكومة بهذه الاحتياطيات لتمويل عجز الموازنة.

السعودية

على صعيد متصل اعلن وزير النفط السعودي ان المملكة تدرس رفع اسعار المنتجات النفطية المدعومة في السوق المحلية، فيما تواجه الحكومة السعودية عجزا ماليا قياسيا بسبب انخفاض اسعار النفط الخام. وقال علي النعيمي على هامش مؤتمر حول الطاقة في الرياض ان "الاسعار سترتفع في نهاية المطاف". وردا على سؤال حول امكانية زيادة اسعار المحروقات في المملكة، قال "هلى الامر قيد الدراسة؟ الجواب هو نعم". واسعار المحروقات في السعودية هي الأدنى في العالم.

وفي العام 2013، اظهرت دراسة اجرتها جامعة بيركلي الاميركية ان السعودية كانت اكبر الداعمين لاسعار الوقود في العالم، وسجلت رقما قياسيا في العام 2012 بحوالى 25 مليار دولار. ووفقا للدراسة، ارتفع استهلاك المحروقات في السعودية بتسعة اضعاف منذ العام 1971.

وتشكل العائدات النفطية 90 في المئة من الايرادات السعودية.

من جانب اخر قالت مصادر مطلعة إن وزارة المالية السعودية أصدرت تعليمات للجهات الحكومية بإعادة ما لم تنفقه من أموال مخصصة لمشروعاتها في ميزانية هذا العام وذلك في إطار سعيها لترشيد الإنفاق في ظل هبوط أسعار النفط. وعلى مدى الأعوام الماضية التي شهدت طفرة نفطية كانت الجهات الحكومية في أكبر مصدر للنفط في العالم لديها المرونة في صرف المبالغ الفائضة من الميزانية المخصصة لها بنهاية كل عام مالي عبر ما يعرف بالمناقلات بين بنود وبرامج ومشروعات الميزانية.

لكن المصادر قالت إن الوزارة أخبرت الجهات الحكومية هذا العام بأنه في حال عدم إنفاق المبالغ المخصصة لكل مشروع يجب إرسال هذه الفوائض لها مرة أخرى. ومنذ منتصف 2014 انخفضت أسعار النفط بأكثر من النصف. ويتوقع صندوق النقد الدولي ومحللون أن تسجل المملكة عجزا قياسيا في الموازنة. ولتغطية هذا العجز لجأت الحكومة لسحب أكثر من 80 مليار دولار من الاحتياطيات الخارجية منذ اغسطس آب العام الماضي.

ويسود اعتقاد بين الكثير من البيروقراطيين ورجال الأعمال والمواطنين السعوديين العاديين بأن فترة من التقشف النسبي باتت تلوح في الأفق مع سعي وزارة المالية لفرض المزيد من السيطرة على النفقات. يقول الاقتصادي السعودي فضل البوعينين "السعودية باتت تركز على كفاءة الإنفاق الذي يستدعي الضبط وتشديد الرقابة المالية."

ويضيف "إيقاف المناقلات بين بنود الإعتمادات المالية إن كان واقعا ربما كان على علاقة بتحقيق الكفاءة من الاعتمادات المالية بحيث تستثمر في المشروع الذي رصدت من أجله فإن لم تستغل أو كان هناك فائضا فمن الأفضل أن تستثمر لتمويل مشروع يتم اعتماده وفق الحاجة والضرورة." وكان وزير المالية إبراهيم العساف قال إن المملكة بدأت أيضا في خفض النفقات غير الضرورية مع الاستمرار في التركيز على مشروعات التنمية الأساسية في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية لما لها من أهمية للنمو الاقتصادي على المدى الطويل.

ولم يذكر العساف آنذاك تفاصيل خفض الإنفاق على المشروعات غير الضرورية لكن الأوساط المالية فسرت تصريحاته بأنها إشارة على أن المملكة ستخفض الإنفاق في بعض نواحي ميزانية العام القادم. وانتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي وثيقة ارسلتها الوزارة للجهات الحكومية تطالبهم فيها بوقف شراء السيارات والاثاث وايقاف التعيينات والترقيات على كافة السلالم الوظيفية الحكومية.

وقال مازن السديري رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال إن تلك التعليمات إجراء روتيني يصدر عن الوزارة بنهاية كل سنة مالية ويخص الربع الأخير من العام وذلك قبل إعداد الموازنة الجديدة. وأطلقت تلك الوثيقة عاصفة من التعليقات والتكهنات على موقع تويتر بشأن خفض الإنفاق الحكومي في المستقبل. لكن السديري استبعد ان تكون تلك إشارة على خفض كبير في الإنفاق الحكومي وقال "الاقتصاد الحكومي يمر بمرحلة تحول ما يثير مخاوف الناس هو انهم لا يفهمون أن التحول لا يعني أن الوضع الاقتصادي سيصبح أسوأ...الدولة لن تتوقف عن الإنفاق لمساعدة القطاع الخاص وخلق فرص العمل."

ومن المستبعد أن تعاني السعودية من أي أزمة مالية قريبا إذ أن صافي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي - الذي يضطلع بدور صندوق الثروة السيادي في المملكة ويدير استثماراتها من إيرادات النفط في الأسواق الخارجية - لا يزال عند مستوى هائل بلغ 655 مليار دولار في اغسطس آب وفقا لأحدث إحصاءات رسمية. ويعتقد أن اجمالي الإنفاق الحكومي مند بداية العام وحتى الآن تجاوز المستوى القياسي المخصص في ميزانية 2015 عند 860 مليار ريال (229 مليار دولار).

ويرجع ذلك لأسباب من بينها أمر العاهل السعودي الملك سلمان بصرف مكافآت سخية لموظفي الدولة والمتقاعدين وتخصيص مبالغ أخرى للإنفاق على الرعاية الاجتماعية عندما تولى الحكم في يناير كانون الثاني في حزمة تقدر بنحو 25 مليار دولار. كما أن الحملة العسكرية التي قادتها الرياض ضد الحوثيين في اليمن في مارس اذار وشملت ضربات جوية وتدخل بري محدود قد تكلف المملكة بعض المليارات من الدولارات بنهاية العام الجاري حسب تقديرات محللين عسكريين. لكن نواح أخرى باتت تظهر تباطؤا في الإنفاق الحكومي. وبحسب بيان لوزارة المالية أجازت الوزارة عقودا لمشروعات جديدة بقيمة 106.02 مليار ريال في الأشهر التسعة الأولى من العام بانخفاض 38 بالمئة عن العام السابق.

وتمثل العقود التي تجيزها وزارة المالية جزءا محدودا من الإنفاق الحكومي إذ يجري تنفيذ عدد من المشروعات الكبرى خارج إطار الميزانية العامة للدولة لكن هذا التراجع ربما يعكس بداية توجه حذر بين المسؤولين. وقال مصدران بوزارة المياه والكهرباء إنه لم يجر ترسية أي مشروع جديد خلال الأشهر الأربعة المنصرمة رغم طرح عدد من المشروعات في وقت سابق من العام. وقال مصدر إنه لم يجر إلغاء أي من تلك المشروعات مما يشير إلى احتمال المضي قدما في تنفيذها خلال 2016.

وبحسب ما أفادت به مصادر على مدى الأشهر القليلة الماضية تم تقليص خطة لبناء عدد من ملاعب الكرة بمختلف أنحاء البلاد وجرى إلغاء عقد بقيمة 201 مليون دولار لشراء قطارات سريعة كما تباطأت عملية توسعة أحد الحقول النفطية. وربما يستمر هذا الأمر العام المقبل. وفي تسعينات القرن الماضي عندما هبطت أسعار النفط إلى نحو 20 دولارا للبرميل خفضت الحكومة السعودية الإنفاق الإجمالي بنحو عشرة بالمئة خلال بعض السنوات وقد يكون رد فعل مماثل أمرا محتملا العام المقبل. بحسب رويترز.

وكانت الحكومة السعودية قالت إنها ستسعى لترشيد الإنفاق على الرواتب والمكافآت لموظفي الدولية والتي تمثل 50 بالمئة من الموازنة لكن يعتقد أنها ليس أمامها مجالا يذكر لعمل ذلك لما للأمر من حساسية سياسية وهو ما يجعل مشروعات البنية التحتية واستثمارات الدولة عرضة بشكل أكبر لخفض الإنفاق. ويقول الاقتصادي السعودي البارز عبد الوهاب أبو داهش إن الوضع الاقتصادي للمملكة لا يزال جيدا ومؤشرات النمو منذ بداية العام إيجابية ما يجعل الحديث عن خفض كبير في الإنفاق أمر سابق لأوانه. ويضيف "لكن تلك الخطوات وتأجيل عدد من المشروعات يعطي إشارات على إعادة ترتيب الحكومة لأولويات الإنفاق."

اضف تعليق