q
تواجه الغالبية العظمى من العمالة الحرة المؤقتة عبر الإنترنت، مثل معظم العمالة غير الرسمية في البلدان النامية، مخاطر مثل عدم استقرار الدخل، وصعوبة ظروف العمل، ومحدودية القدرة على الادخار. ولا تتمتع هذه العمالة بالحماية الاجتماعية، لا سيما في البلدان منخفضة الدخل، حيث إن أكثر من 90% من القوى...

تتيح فرص العمل الكريم للجميع أضمن سبيل للإفلات من براثن الفقر المدقع، فضلا عن تعزيز الرخاء المشترك للجميع. ومع قيام التكنولوجيات الجديدة بإحداث تحولات في الاقتصادات العالمية، علينا توسيع نطاق تفكيرنا بشأن فرص العمل في البلدان النامية.

ويمثل اقتصاد العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت، من خلال المنصات الرقمية التي تعمل على التوفيق بين العمالة المتاحة والمهام المطلوبة من جانب العملاء، ما يصل إلى 12% من سوق العمل العالمي. وفي البلدان النامية، تفتح منصات العمل الحر عبر الإنترنت آفاقا فريدة للعمل، فضلا عن إتاحة إمكانات كبيرة للشباب والنساء والأشخاص في المناطق النائية الذين ربما تم استبعادهم من أسواق العمل التقليدية.

وإلى جانب ذلك، يوفر العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت مصدر دخل ضروري في أوقات الصدمات والفترات الانتقالية، ويساعد على بناء المهارات الرقمية للعمالة الأصغر سنا ويوفر فرص كسب مرنة للجميع. وعلاوة على ذلك، توفر منصات العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت أيضا مصدرا فعالا من حيث التكلفة من أصحاب المواهب للشركات الصغيرة والناشئة، وبالتالي مساندة الشركات للحفاظ على الإنتاجية والمرونة، والتكيف مع التحولات السريعة في طلب السوق.

زيادة معدلات النمو في عدد العمالة الحرة عبر الإنترنت في البلدان النامية

تماشيا مع نمو الاقتصاد الرقمي وروح الابتكار في جميع أنحاء العالم، نجد الطلب على العمالة الحرة عبر الإنترنت في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل آخذ في الارتفاع ويسير بوتيرة أسرع مقارنة بالدول الصناعية. ففي أفريقيا جنوب الصحراء على سبيل المثال، زادت إعلانات الوظائف المنشورة على منصة رقمية كبيرة للعمالة بنسبة 130%، في حين لم يتجاوز معدل نموها في أمريكا الشمالية 14% من 2016 إلى 2020. ومن المثير للاهتمام نجد بين البلدان متوسطة الدخل أن الشريحة الدنيا من هذه البلدان تساهم في الطلب على العمالة الحرة المؤقتة عبر الإنترنت أكثر من الشريحة العليا من هذه البلدان، والسبب الرئيسي في ذلك هو تلبية احتياجات الشركات الصغرى والصغيرة والمتوسطة.

ومن المثير أيضا أن أثر العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت في الاقتصادات الصاعدة غير مفهوم بصورة كبيرة ويتطلب الأمر مزيدا من الاهتمام لتحديد الطاقات الكامنة لهذه النوعية من العمل. فما هي أفضل السياسات لتعظيم منافع العمل الحر عبر الإنترنت في الاقتصادات النامية؟ وما اللوائح والضوابط اللازمة لحماية العمالة الحرة عبر الإنترنت؟ وما الدور الذي تؤديه منصات العمل الحر المحلية والإقليمية؟

ويتتبع تقرير جديد للبنك الدولي بعنوان "عمل بلا حدود: وعود وأخطار العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت"، العمالة المؤقتة عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من يعملون عبر المنصات المحلية أو يستخدمون لغات أخرى غير الإنجليزية، وهذه العمالة غالبا ما يتم تجاهلها في معظم الأبحاث. وكشف هذا التقرير أن انتشار العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت على مستوى العالم أكبر بكثير من التقديرات السابقة، وما يصل إلى 435 مليون شخص يؤدون هذا العمل كعمل ثانوي.

جني منافع العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت وتجنب مخاطره

لا يزال الكثير من العمال محرومين من فرص العمل الحر عبر الإنترنت حيث إن ما يقرب من 3 مليارات شخص على مستوى العالم لم يستخدموا الإنترنت في عام 2022، ومعظمهم في البلدان النامية. ولمواجهة هذا التحدي، يعمل البنك الدولي مع الحكومات والقطاع الخاص لسد هذه الفجوة. ويشمل ذلك إصلاحات على مستوى السياسات وتوفير التمويل من القطاعين العام والخاص وبرامج الدعم الذكية لشرائح سكانية محددة لتحفيز نشر البنية التحتية الرقمية في المناطق الريفية وزيادة القدرة على تحمل تكاليف خدمات الإنترنت عالية السرعة والأجهزة الرقمية واستخدامها. وبالإضافة إلى ذلك، يعد بناء المهارات الرقمية غاية في الأهمية. وفي بنغلاديش وماليزيا وكوسوفو، تقدم الحكومات دورات تدريبية على العمل الحر عبر الإنترنت لمساندة الشباب والنساء وأفقر 40% من السكان على وجه التحديد.

أهمية الحماية الاجتماعية للعمالة الحرة عبر الإنترنت

تواجه الغالبية العظمى من العمالة الحرة المؤقتة عبر الإنترنت، مثل معظم العمالة غير الرسمية في البلدان النامية، مخاطر مثل عدم استقرار الدخل، وصعوبة ظروف العمل، ومحدودية القدرة على الادخار. ولا تتمتع هذه العمالة بالحماية الاجتماعية، لا سيما في البلدان منخفضة الدخل، حيث إن أكثر من 90% من القوى العاملة غير مشتركين في التأمينات الاجتماعية وبالتالي لا يخضعون للوائح العمل. وعلى النحو المبين في نظام البنك الدولي للحماية الاجتماعية، ينبغي للحكومات أن تتبع أساليب مبتكرة لتوسيع نطاق التغطية لتشمل العمالة غير الرسمية والعاملين لحسابهم الخاص، ومنهم العمالة الحرة المؤقتة عبر الإنترنت.

ويمكن للتكنولوجيا الرقمية أن تتيح أنواعا جديدة من الحلول، كما يمكن أن تساعد منصات العمل الحر عبر الإنترنت في زيادة التعريف بالعمالة عبر الإنترنت، مما يدعم جهود الحكومة لتوسيع نطاق مظلة الحماية الاجتماعية. وتتخذ العديد من البلدان خطوات في هذا الاتجاه وتعمل مع المنصات لتشجيع العمالة على التسجيل والاشتراك في مظلة التأمينات الاجتماعية. على سبيل المثال، تعاونت الحكومة في ماليزيا مع إحدى منصات العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت لتقديم مساهمة مقابلة قدرها 5% للعاملين في سوق العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت لمن يشتركون في برنامج مدخرات التقاعد الحكومي.

وبالإضافة إلى ذلك، من الضروري تصميم أشكال أكثر حداثة من التفاوض الجماعي للعمالة غير الرسمية مثل العمالة الحرة المؤقتة عبر الإنترنت. وتعد التقييمات من جانب الجمهور لأصحاب العمل والشركات والمنصات أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتجميع مجموعات العمالة المتفرقة أمثلة على استخدام التكنولوجيا لإعداد نماذج وحلول جديدة.

وعلى الرغم من أن عدد النساء المشاركات في اقتصاد العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت أكبر من عدد النساء في سوق العمل العام ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى مرونة العمل عبر الإنترنت، نجد فجوة الأجور بين الجنسين لا تزال قائمة . فعلى سبيل المثال، في بعض منصات العمل الحر عبر الإنترنت في البلدان النامية، تحقق النساء دخلا أقل من الرجال ــ في الأرجنتين، يقل دخل النساء من العمل بنسبة 68% عن دخل نظرائهن من الرجال.

إنشاء حلقة حميدة تشمل زيادة فرص العمل ونمو الأعمال والشركات

على الرغم من أن العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت لا يزال شكلا جديدا وسريع التطور من أشكال العمل، فقد ترسخ بشدة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، بل ويتيح سبيلا ممكنا للإفلات من براثن الفقر، ويربط العمالة بفرص العمل على مستوى العالم.

كما يتيح فرصة لمجموعة متزايدة من الشباب المتحمسين لتعلم المهارات الرقمية والتوسع فيها بهدف الكسب من العمل، فضلا عن أن هذا العمل يمثل خيارا عمليا للنساء اللاتي يواجهن قيودا كبيرة في أسواق العمل التقليدية. وأصبح هذا العمل مصدرا مرنا لأصحاب المواهب التي يحتاجها رواد الأعمال والشركات لتنمية أعمالهم، وبالتالي خلق المزيد من فرص العمل.

ومن خلال التركيز على توسيع نطاق الربط الرقمي وبناء المهارات الرقمية ومساندة جهود توسيع نطاق تغطية برامج الحماية الاجتماعية، يمكن زيادة أعداد من ينعمون بالازدهار والرفاهية في عالم العمل الجديد عبر الإنترنت.

* بقلم: عفت شريف، المدير العالمي لقطاع الحماية الاجتماعية والوظائف
كريستين جينواي تشيانغ، مدير الممارسات العالمية للتنمية الرقمية
https://www.albankaldawli.org/

اضف تعليق