تموج ظاهرة العنف الأسري بين سرية وعلنية، والعلني قليل أمام ما لا يعلم وما يجري خفية تحت ستار العادات والتقاليد والأعراف والقوانين وكل ذلك خلافا للتوجيه الإسلامي والتشريع الإلهي والنور الرباني والعقل المستنير الإنساني.

فعلى الرغم من أن المولى عز وجل قد أوصانا بهم خيراً في قوله تعالى، ((واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين أحسنا وبذي القربى واليتامى والمساكين))، وقد عرفت البشرية العنف الأسري من قديم العصور ولهذه الظاهرة أشكال عديدة فهناك العنف الذي يتعرض له الأطفال سواء بالإهمال وسواء التربية أو الضرب والتعذيب وهناك العنف المتبادل بين الآباء والأولاد وبين الآباء والأمهات وبين الأخــوة والأخوات بل وقد أمتد العنف خارج نطاق الأسرة الصغيرة إلي الأقارب والأصهار من عــــداوة وعنف في ما بينهم وهناك العنف الذي تتعرض له الزوجات من الأزواج والمتمـــثل فـــــي سوء المعاملة والضرب والتعذيب وأن الأبواب المغلقة خلفها حكايات كثيرة وهذا النوع من العـــــنف يؤثر على الأولاد وبالتالي على المجتمع ككل. وقد طفت على السطح حديثاً ظاهرة العنف الجنسي الذي تتعرض لها المحارم بارتكاب الفحشاء معهم. بل هناك ظاهرة خطيرة للعنف الأسري والمتمثلة في آيذاء كبار السن من الآباء والأمهات سواء بالضـرب أو الأهانة أو بتركهم بدون رعايـة أو حمايــة.

ويرى الخبراء في الشؤون الاجتماعية ان العنف الأسرى يتضمن نطاقا واسعا من الافعال والاقوال يشمل أي عمل عنيف جسديا أو تهديد باستخدام العنف أو الإساءة من احد الزوجين سواء حاليا أو سابقا أو أي تهديد من أحد أفراد الاسرة البالغين.

وقد يعتبر التهديد المالي أحيانا من أنواع العنف الأسري عندما يسيء أحد الزوجين استخدام الموارد المالية للاخر أو يورطه في ديون، فيما تعتبر جريمة الشرف آفة من اقات العنف الاجتماعي تقتل مئات النساء كل سنة في باكستان على أيدي أقربائهم بحجة صون "شرف العائلة"، وتصل عقوبة جريمة القتل في الاردن الى الاعدام شنقا، الا ان المحكمة تفرض عقوبات مخففة في حال ما يسمى بـ "جرائم الشرف" خاصة اذا ما تنازل اهل الضحية عن حقهم الشخصي، فيما يشهد الاردن سنويا 15 الى 20 جريمة قتل تصنف على انها "جرائم شرف".

و يرى الكثير من المتخصصين الاجتماعيين انه مع تسارع التطورات العصرية في كافة المجالات، تفاقمت هذه المشكلات الأسرية بالرغم من وجود القوانين والتشريعات التي تخص شؤون الأسرة والمجتمع، وتهتم الكثير من المنظمات العالمية بتفعيل هذه القوانين لتحسين الوضع الأسري وضمان تطوير الحياة المجتمعية، إلا أن واقعنا الأسري في معظم المجتمعات العربية أصبح أكثر غموضا من خلال حجم المشكلات الإجتماعية المتزايدة والمتمثلة في العنف الأسري بكل ما يتركه من أثار سلبية أصبحت واضحة رغم السعي لحجبها بمختلف الوسائل.

وما يثير الجدل في هذه القضية المجتمعية أنها تعتبر من التابوهات (المحرمات) التي يفضل الكثير التكتم عنها وعدم البوح بها حفاظا على السمعة وطبقا للعادات والكثير من المعتقدات الخاطئة متجاهلين في الوقت ذاته، حجم ضحايا العنف الأسري خاصة عندما تمتد أشكاله لتصل الأطفال ما يتسبب لهم بأزمات عديدة تستمر معهم للكبر وبالتالي تتحول لا إراديا إلى سلوك مستقبلي متوارث وقد يبقى راسخا في أذهانهم مدى الحياة وبذلك تنتقل ظاهرة العنف الأسري من جيل إلى جيل ما يهدد أمن واستقرار المنظومة المجتمعية.

وعليه يكتسب موضوع العنف الأسري أهمية خاصة لدى المؤسسات الحكومية علـى مستوى العالــــم نظراً لتأثر المجتمعات به، في يلي بعض التقارير والحوادث حول تفاقم العنف الاسري في العالم خلال الآونة الاخيرة.

باكستان

في سياق متصل قتل والد ابنته بطلقة رصاص لصون "شرف العائلة" في مدينة لاهور غداة فوز وثائقي باكستاني عن جرائم الشرف بجائزة أوسكار، على ما أعلنت الشرطة، وأفادت عناصر التحقيق الأولى بأن محمد رحمات الذي لاذ بالفرار قد قتل ابنته كومال بيبي البالغة من العمر 18 عاما لأنها رفضت أن تقول له أين أمضت الساعات الخمس الأخيرة. بحسب فرانس برس.

وقال محمد يعقوب المسؤول في الشرطة المحلية لوكالة فرانس برس "لاذ الوالد بالفرار بعد أن قتل ابنته وتقوم الشرطة بالبحث عنه"، مشيرا إلى "أنها جريمة شرف على ما يبدو"، وقد نال فيلم "ايه غيرل إن ذي ريفر: ذي برايس أوف فورغيفنس" (فتاة في النهر، ثمن المغفرة)الذي يروي قصة فتاة نجت من جريمة شرف، جائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي قصير في هوليوود، والتقت مخرجته شارمين عبيد-شينوي منذ فترة وجيزة برئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف الذي تعهد إنهاء هذه الممارسات "المذلة" و"الشنيعة".

الاردن

على الصعيد نفسه وجهت تهمة "القتل القصد" الى شاب اردني قتل شقيقته طعنا بسكين 19 مرة بداعي "الدفاع عن شرف العائلة" بعد تغيبها عن منزل العائلة اربعة اعوام، على ما افاد مصدر قضائي، وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، لوكالة فرانس برس ان "مدعي عام محكمة الجنايات الكبرى وجه تهمة القتل القصد لشاب يبلغ من العمر 25 عاما اقدم على طعن شقيقته البالغة من العمر 27 عاما باكثر من 19 طعنة سكين أثر تغيبها عن منزل العائلة اربعة اعوام"، واوضح ان "الحادث وقع مساء الاثنين في منطقة دير علا في مدينة السلط (30 كيلومترا غرب عمان)"، وقرر القاضي ايقاف المتهم 15 يوما على ذمة التحقيق وهو يواجه في حال ادانته عقوبة السجن 15 عاما، بحسب المصدر.

وقال مصدر مطلع على التحقيق ان الضحية "مطلقة وكانت قد تزوجت في العام 2008 وحصلت على الطلاق في العام 2010"، مشيرا الى "انها كانت قد غادرت متوجهة الى الضفة الغربية بحجة مقابلة طليقها لتحصل على اولادها وان غيابها استمر مدة اربعة اعوام"، واضاف ان المرأة عادت الى منزل عائلتها حيث سألها شقيقها عن سبب غيابها للتأكد ان كانت في الضفة الغربية وطلب منها ابراز جواز سفرها، "الا انها رفضت ما حدا به الى طعنها بالسكين الى ان فارقت الحياة"، وقالت مصادر مطلعة على التحقيق ان "والد الجاني والمغدورة كان قد قتل ابنة له في العام 2002 بحجة الدفاع عن شرف العائلة وقد جرت محاكمته".

أمريكا

أفادت السلطات القضائية الأمريكية أن رجلا بالقرب من نيويورك، يبلغ من العمر 100 عام قتل زوجته، 88 عاما بفأس، عندما كانت نائمة ثم قطع شرايينه في الحمام ومات، قتل رجل يبلغ المئة من العمر زوجته بفأس عندما كانت نائمة ثم انتحر بالقرب من نيويورك، على ما كشفت السلطات القضائية.

ووقعت هذه الحادثة في منطقة إلموود بارك (نيو جيرزي)، على بعد 30 كيلومترا تقريبا من شمال مانهاتن، وقد قام مايكل جاسكون الذي بلغ عامه المئة في تشرين الثاني/نوفمبر بقتل زوجته روزاليا (88 عاما) عندما كانت نائمة في سريرها. ثم قطع شرايينه في الحمام، على ما كشف المدعي العام جون مولينيلي. بحسب فرانس برس.

وأضاف المدعي العام على حسابه في "تويتر" أن الزوجين تشاجرا في الماضي لكن أسباب هذه الجريمة لا تزال مجهولة حتى الآن، وكشفت عائلة مايكل جاسكون أن هذا الأخير كان يعاني من الخرف، بحسب موقع "نورث جيرزي.كوم" الذي ذكر بأن الشرطة تدخلت ثلاث مرات منذ العام 2012 لحل خلافات بين الزوجين، وأبلغت الشرطة بالجريمة من قبل أحد أفراد العائلة اكتشف الجثتين عندما قصد منزلهما بعدما لم يفلح بالاتصال بهما.

سويسرا

اعلن قائد شرطة كانتون آرغاو في شمال سويسرا ميشال لوتبولد الاحد عن مقتل خمسة اشخاص في حادث اطلاق نار وقع في فورينلينغن، من بينهم مطلق النار، وقال لوتبولد في مؤتمر صحافي ان "الحصيلة نهائية"، مشيرا الى ان التحقيق يتجه حتى الآن نحو مشاكل "اسرية"، واضاف "استبعدنا فرضية العمل الارهابي" موضحا ان المتورطين في الحادث جميعهم سويسريون، وبحسب المحققين فان مطلق النار سويسري عمره 36 عاما اقدم لاحقا على الانتحار، ولم تكشف هوية الفاعل لكن بحسب الشرطة هو متزوج واب لثلاثة اطفال، ولم يكن يملك رخصة حمل سلاح واطلق النار من سلاح غير عسكري ، بحسب الشرطة.

وقد توجه المسلح اولا الى منزل حيث قتل رجلين (58 و32 عاما) وامراة (57 عاما)، وبحسب الشرطة فان القتلى هم والدا زوجته وشقيقها، ثم توجه الى منزل ثان وقتل رجلا (46 عاما) قبل ان ينتحر، وقالت الشرطة ان الرجل يقطن كانتون شويتز (شمال شرق) ومنفصلا عن زوجته وابنائه، وهو معروف لدى اجهزة الشرطة بارتكاب اعمال عنف. وتم تفتيش منزله في الثاني من نيسان/ابريل لكن لم يعثر على اي سلاح، ولجات زوجته واطفاله الى مؤسسة اجتماعية في كانتون شويتز.

صربيا

قالت الشرطة إن صربيا قتل بالرصاص زوجة ابنه الجديدة بعد يوم من زفافها وزوجته ووالدي كلا المرأتين قبل أن يقتل نفسه ببندقية صيد، وجاء في بيان الشرطة الذي نقلته وكالة الانباء الرسمية في صربيا "أن علاقات اجتماعية مضطربة سببت مأساة في قرية مارتونوس قرب كانيزا فقد فيها سبعة أشخاص حياتهم صباح"، وقالت الشرطة إنها تجري تحقيقا في الحادث لكنها لم تقدم أي تفاصيل أخرى. بحسب رويترز.

ونقلت الوكالة عن مصادر قولها أن الرجل ويدعى ريد سيفر (55 عاما) يملك رخصة بندقية الصيد التي استخدمها في القتل، وتقع القرية على بعد نحو 185 كيلومترا شمالي بلجراد.

بريطانيا

تقول الشرطة البريطانية في إقليمي انجلترا وويلز إنها الزيادة "المذهلة" في البلاغات من العنف الأسري ضد المرأة يكاد"يغرقها"، وحسب احصاءات الشرطة فقد تزايدت نسبة البلاغات بسبب العنف الأسري بما يقرب من 30 في المائة خلال الأعوام الثلاثة الاخيرة.

وتؤكد الشرطة أن هذه الزيادة تسببت في وضع مزيد من أعباء العمل على افرادها بشكل يتعدى طاقتهم وهو ما أثر على كفاءة التحقيقات او سرعتها في بعض الحالات، وفي الوقت نفسه قالت الشرطة إن بحثا أجرته أوضح أن 31 من بين 43 مركزا لها بحاجة لتعزيز إجراءات الحماية للأشخصاص الضعفاء في الاحياء التابعة لها إداريا.

ويعد البحث متابعة لبحث سابق أجرته الشرطة أيضا ونشر عام 2014 موضحا ان هناك العديد من الثغرات في الخدمة التى تقدمها الشرطة لضحايا العنف الأسري، ويعتبر البحث الجديد أن هناك تحسنا في اداء الشرطة رغم وجود زيادة بما يقرب من الثلث في عدد البلاغات حيث يعتبر البحث أن هذه الزيادة تعكس تحسنا في تسجيل البلاغات الواردة للشرطة.

وتقول إحدى ضحايا العنف الاسري إنها تعرضت للضرب والإساءة من زوجها رغم ان الزواج استمر 13 عاما لكن العنف تزايد عندما كانت تحمل بابنتها ثم بابنها حيث حاول زوجها في إحدى المرات خنقها ثم عاد واعتذر مؤكدا انه لن يكرر الامر.

وتضيف انه عاد بعد ذلك وقذفها ببطاريات جافة وكرر اعمال العف ضدها عدة مرات فاتخذت قرارها بفراقه، وتؤكد أنها عندما ذهبت بصحبة الشرطة للمنزل لتأخذ متعلقاتها نسيت نحو نصف الاغراض بسبب تعجل الشرطة ومطالبتها بمغادرة المنزل قبل أن يعود الزوج، وعدلت الحكومة البريطانية تعريف العنف الاسري عام 2012 ليتضمن التهديدات من افراد الاسرة في عمر السادسة عشر فما فوق.

الهند

قتل رجل هندي 14 من أفراد عائلته - من بينهم سبعة أطفال - طعنا أثناء نومهم، وشنق القاتل نفسه بعد ذلك، وقالت الشرطة إنها تقلت بلاغا يفيد سماع صراخ سيدة تستغيث من داخل منزل قريب من مومباي، وكانت السيدة التي تصرخ - وهي شقيقة القاتل - الناجي الوحيد من الهجوم، وأضافت الشرطة أنه من المرجح أن القاتل، حسنين أنور راكار، أوصد جميع أبواب المنزل قبل قتل أقاربه، وقال غاجانان لاكسمان كابديول، المتحدث باسم الشرطة في مدينة ثاين الهندية، إن والدي القاتل من بين الضحايا، بحسب وكالة فرانس برس.

وأضاف: "حتى الآن لا نستطيع الاستماع إلى شهادة شقيقة راكار، البالغة من العمر 21 سنة والناجية الوحيدة من الهجوم، المودعة بمستشفى المدينة لتلقي العلاج من الصدمة الحادة التي تعرضت لها"، وقالت وسائل إعلام محلية إن راكار قتل أقاربه ذبحا بعد أن دس مخدر في الطعام الذي قدمه لهم، لكن صحيفة إنديان إكسبريس رجحت أن القاتل، الذي يعمل محاسبا قانونيا، ذبح أقاربه أثناء نومهم بعد أن قرروا قضاء الليلة في المنزل.

ايطاليا

لقيت امرأة تركها زوجها على الطريق السريع بين جنوى وفاله داوستا (شمال غرب) إثر شجار بينهما، حتفها عندما صدمتها سيارة وهي تمشي في الظلمة، على ما أفادت صحيفة "لا ستامبا"، وكان نيلو ألفونسو كابوتو (47 عاما) يعود مع زوجته كلاوديا تولو (37 عاما) من فاله داوستا على الطريق السريع "ايه 26" عندما وقع شجار عنيف بينهما. بحسب فرانس برس.

وترك الرجل زوجته من كثرة غضبه على حافة الطريق وليس في حوزتها سوى حقيبتها اليدوية وتابع طريقه، فمشت الزوجة في الظلمة مسافة 20 كيلومترا وصدمتها سيارة كان يقودها رجل في السابعة والستين عند وصولها إلى منحنى، ووصلت خدمات الإسعاف إلى الموقع قرابة الخامسة صباحا لكن الأوان كان قد فات، وقد وصل زوجها إلى المنزل ونام في سيارته وأبلغه الجيران بالحادثة صباحا. وهدد بالانتحار عند علمه بالنبأ، واوقف الرجل الستيني على ذمة التحقيق على خلفية تهمة القتل غير العمد والأرمل كذلك بتهمة التواطؤ في القتل.

فيما يلي التوصيات المقدمة من مختصين في الشؤون الاجتماعية حول ردع العنف الاسري:

1. نشر الوعي الديني من خلال وسائل الإعلام والمناهج الدراسية ومراكز التوجيه في المجتمع.

2. رصد مظاهر العنف الأسري من خلال مؤسسات متخصصة، والعمل على تحليلها والتعامل معها بصورة علمية وفق النظريات التربوية والاجتماعية.

3. التنسيق بين المؤسسات المجتمعية في سبيل معالجة ظواهر العنف الأسري ومحاصرة أسبابه.

4. رعاية ضحايا العنف الأسري من خلال مؤسسات الرعاية الاجتماعية الرسمية والأهلية، تحسباً لاستفحال أدوار غير إيجابية لهم في المستقبل.

إطلاق مشروعات مجتمعية توفر الخدمات الاجتماعية والمادية والمعنوية للأسر ذات الاحتياجات الخاصة، والتي يمكن أن تكون مصدراً للعنف الأسري.

اضف تعليق