وصل قطار الثورة الايرانية الى محطة جديدة في العالم العربي وهذه المرة توقف في المحطة اليمنية بحمولته الامنية والايديولوجية..

سبق ذلك محطات عديدة، بداية بسورية ولبنان، ثم الضفة الغربية في فلسطين والعراق، مرورا بمحطات اخرى مر بها ولم يتوقف عندها طويلا، مثل البحرين ومصر والسودان، وغيرها من بلدان في افريقيا او امريكا اللاتينية.

كانت كل محطة يمر بها قطار الثورة الايرانية او يتوقف عندها، اما ان تكون اوضاعها مرشحة للاضطراب او انها مضطربة اصلا، او انها قد سقط فيها نظامها السابق، وتحاول ترميم اوضاعها الجديدة..

في الذكرى السادسة والثلاثين للثورة الايرانية، يقر قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني بالنفوذ الايراني المتصاعد في الشرق الاوسط قائلا "نلاحظ اليوم تصدير الثورة الاسلامية الى المنطقة من البحرين الى العراق ومن سوريا الى اليمن وشمال افريقيا".

الرئيس، حسن روحاني، في كلمة ألقاها أمام الحشود في ساحة الحرية، إن "وفده المفاوض يعمل على حفظ استقلال البلاد في هذه المفاوضات"، مضيفاً أن "أعداء إيران ولا سيما الكيان الصهيوني يقفون بوجه التفاوض وبوجه التوصل لاتفاق".

كذلك، وصف روحاني المفاوضات بـ"الحرب الدبلوماسية"، قائلاً إن "توقيع أي اتفاق نهائي مرهون بإلغاء كل أنواع العقوبات المفروضة على بلاده".

على المستوى الشعبي، يردّد المتظاهرون في المدن الايرانية شعارات "الموت لأميركا" و "الموت لإسرائيل"، مطالبين الدول الغربية بالاعتراف بالحقوق النووية الإيرانية، وإلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد منذ انتصار الثورة، التي تم تشديدها بعد ذلك بسبب تطوير برنامج البلاد النووي.

رغم تحول الثورة الى دولة في ايران، الا ان المسؤولين فيها لازالوا لم يغادروا منطلق الشعار الثوري، وما يعنيه ذلك من هدم مستمر للعلاقات البينية بين الدول، وتهديد دول اخرى عبر التدخل في شؤونها.

تفترض العلاقات الدولية نوعا من التوازن بين المصالح الذاتية ومصالح الاخرين، الا ان عقلية الثورة والثائرين لاتسمح بمثل هذا التوازن، لانها تميل عادة الى قلب الموازين والمعادلات، لكي تستمر مشاعر الثورة الجياشة..

الاخرون لهم قلقهم ومصالحهم ايضا، لهذا نجد كثيرا مايحدث التصادم بين قطارات المصالح لتلك الدول وقطار الثورة الجوال، على سكة حديد لاتحبذ التصادم بل السير المحكوم بالتوقيتات الدقيقة..

التحول من الثورة الى الدولة، كان محل اشكالية قديمة ومتواصلة، منذ الثورة الشيوعية في روسيا، حيث كانت هناك مدرسة في الفكر السياسي تعتبر الدولة أداة للقمع ودعت لتفكيكها وبنائها على أسس جديدة.

لكن الملاحظ في التجارب الثورية الكبرى في العالم (الفرنسية، والشيوعية فى روسيا والصين، والثورة فى إيران)، انها في تفكيك الدولة والنظام السياسي اضطرت الى اعادة بنائها مرة اخرى على أسس قمعية وغير ديمقراطية.

هدم الدولة عن طريق الثورات واعادة بنائها من جديد، تؤدي الى اقصاء كثير من القوى التي تكون قد شاركت في الثورة، ولم تنجح تجربة ثورية واحدة من التجارب التي أسقطت الدولة في أن تبني نظاماً ديمقراطياً، فمعظم رفاق الأمس كانوا حلفاء حين كانت الثورة في الشارع، وتحولوا إلى أعداء خوّنوا بعضهم البعض بعد أن أسقطت الثورة الدولة ووصلت للحكم وشرعت في بناء نظام «ثوري» جديد.

إن (الفرق بين الثورة التي تسقط النظام السياسي والدولة معا، وتلك التي تسقط الأول وتصلح الثانية، هو فرق فكرى وسياسي كبير، فالأولى ليس لها حدود، فتسقط النظام ثم تسقط الدولة وتؤسس على أنقاضها «دولة الثورة»، التي تطهر نفسها من «دنس» النظام القديم والبشر القدامى، فتؤسس الجيش الثوري، «القذافي وصف جيشه بالثوري، لذا انهار بعد أسبوع» والقضاء الثوري والشرطة الثورية، وعادة ما يحل الثوار مكان رجال الدولة المهنيين والفاسدين على السواء، فتجد الميليشيات الثورية مكان رجال الشرطة، والقضاة الثوريين مكان القضاة المحترفين، بحثا عن نقاء مفقود لم تجلبه أي تجربة ثورية واحدة سارت في هذا الطريق).

 

اضف تعليق