مثل فوز الرئيس الأمريكي الحالي "دونالد ترامب" في الانتخابات الأمريكية التي جرت في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، بارقة أمل جديدة بالنسبة للأحزاب اليمينة المتطرفة في القارة الأوروبية، وزادت من حظوظهم السياسية في الانتخابات القادمة، لاسيما في فرنسا وإيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية، مستغلة بذلك تصاعد الحركات والتيارات الشعبوية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والفوز المفاجئ للرئيس الأمريكي الحالي.

ويعد المرشح الفرنسي عن اليمين المتطرف "فرانسوا فيون" المرشح الأكثر حظاً في التسلق إلى الرئاسة الفرنسية عن اليمين الفرنسي. فهل يكون فيون ترامب الجديد في القارة الأوروبية أم أن التيارات الشعبوية ما زالت لم تنضح أكثر بعد في فرنسا، عكس ما افرزته الانتخابات الأمريكية؟

من هو فرانسوا فيون؟

يعد فرانسوا فيون (62 سنة) من أبرز الشخصيات الفرنسية التي تقلدت مناصب سياسية هامة ومتعددة سواء كنائب في البرلمان أو كوزير في حكومات اليمين. وخلق مفاجأة كبيرة في الدورة الأولى من الانتخابات التمهيدية بتقدمه على "آلان جوبيه" وبقية المتنافسين بنسبة كبيرة من الأصوات، بعدما فاز بالدورة الثانية للانتخابات التمهيدية لليمين والوسط. بدأ فرانسوا فيون مسيرته السياسية كملحق برلماني للنائب "جويل لو تول" عن منطقة سارت غرب فرنسا. وعندما أصبح "جويل" وزيرا للنقل ثم الدفاع، وظف معه فيون كمكلف مهمات.

وفي 1981، انتخب الشاب فرانسوا (27 سنة) نائبا في الجمعية الوطنية ليكون أصغر نائب يدخل البرلمان. وفي 1983، فاز في الانتخابات المحلية ببلدة سابلي سور سارت بمنطقة سارت. كان مقرباً جداً من وزير الداخلية ورئيس البرلمان السابق "فيليب سوغان". بدأ مسيرته الحكومية عام 1983م. إذ شغل منصب وزير التعليم العالي في حكومة إدوار بلادور (1993-1995). وحافظ على منصب في حكومة "آلان جوبيه" في 1995 عقب فوز "جاك شيراك" بالرئاسة على حساب مرشح فيون في هذا الاستحقاق (بلادور)، فأصبح وزيرا للتكنولوجيا والبريد والمواصلات. في 2003، تم تعيين فرانسوا فيون في منصب وزير الشؤون الاجتماعية ثم وزيرا للتربية الوطنية في حكومة "جان بيار رفران".

مني فيون بأول خسارة له في العام 2004 عندما فاز "الحزب الاشتراكي برئاسة المجلس الجهوي لمنطقة بلاد لوار (وسط فرنسا) ومثلت هذه الخسارة الضربة القاسية لفيون، الذي تفرغ فيما بعد للعمل الحزبي قبل أن يصبح رئيسا للحكومة عند انتخاب نيكولا ساركوزي رئيسا لفرنسا في مايو/أيار 2007، وبات في منصبه لغاية وصول فرانسوا هولاند للرئاسة في 2012.

وبعد فشل نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية في 2012 وتبخر أحلام اليمين، قرر فرانسوا فيون المشاركة في الانتخابات التشريعية وانتخب نائبا في الجمعية الوطنية ممثلا عن الدائرة الثانية للعاصمة باريس. كما أنه دخل في منافسة عنيدة مع زميله في الحزب جان فرانسوا كوبيه على زعامة "الاتحاد من أجل حركة شعبية" (الجمهوريون) حاليا. وبعد انتخابات داخلية شاقة شابتها اتهامات بالتزوير، دخل فيون في عراك سياسي غير مسبوق وهدد بتأسيس حزب سياسي جديد. لكن في نهاية المطاف، استسلم لأمر الواقع مقابل فرض مبدأ تنظيم انتخابات تمهيدية مفتوحة لاختيار مرشح اليمين في 2017.

استراتيجيته الانتخابية:

ترتكز استراتيجية فرانسوا فيون الانتخابية على اللقاءات الميدانية خاصة في الأقاليم الفرنسية والمناطق الريفية وعلى خطاب أساسه "الحقيقة مهما كان الثمن". وهذه الاستراتيجية تّذكرنا باستراتيجية ترامب التي تمكن خلالها من اقصاء المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي كانت تحظى بقبول داخلي وخارجي، إلا أن تركيز ترامب على المناطق الريفية والبعيدة عن المدن وتوعدهم بمزيد من الوظائف والقطيعة نوعا ما مع الماضي الذي خلفته الإدارات الأمريكية السابقة، زاد من فرصه الانتخابية، كذلك يتوافق الرجلان بدعايتهما الانتخابية من حيث الصراحة في الخطاب الانتخابي وقول الحقيقة، إلا أن فيون يختلف عن ترامب بهدوئه الإعلامي وعدم تزمته اتجاه قضية اللاجئين، ولم يركز فيون كثيراً في حملته الانتخابية على قضية الهجرة واللاجئين بقدر تركيزه على الإصلاح الاقتصادي.

استراتيجيته الاقتصادية:

يمتلك فيون فكراً سياسيا خاصاً واستراتيجية داخليه يختلف بها عن الرؤساء الفرنسيين الذين تبوؤا الرئاسة الفرنسية. كان فيون دائما يدعو إلى تطبيق برنامج اقتصادي يكرس القطيعة مع الماضي، وقال في بداية عهد ساركوزي إن "فرنسا في حالة إفلاس"، ما خلق توترا شديدا في العلاقات بين الرجلين. وهو يقترح في برنامجه إلغاء نصف مليون وظيفة في القطاع العمومي وتمديد ساعات العمل إلى 39 ساعة في الأسبوع ورفع سن التقاعد إلى 69 سنة. ويوصف فيون بمرشح "المقاولين" وأرباب العمل وهو يريد إحداث "صدمة"، على حد قوله، في الاقتصاد الفرنسي لكي ينتعش ويسمح للشركات الصغيرة أن تنمو بسرعة وتخلق فرص عمل جديدة. كما يريد تسهيل عملية تمويل الشركات الصغيرة عبر تخفيض نسبة الضرائب التي تدفعها هذه الشركات بين 30- 50%، كما أنه ينوي إعادة النظر في النصوص التي تقنن "الإرث العائلي" وتسهيل نقل الشركات والممتلكات العائلية من الآباء إلى الأولاد. كما أعلن عن خطة تقشف تتضمن تجميد رواتب رئيس الجمهورية والوزراء في حال انتخب رئيسا.

استراتيجيته السياسية:

على الرغم من عدم تركيز فيون على قضية اللاجئين في فرنسا إلا أنه يطمح إلى وضع استراتيجية وإصلاح قانوني ودستوري داخل البرلمان فيما يتعلق بقضية اللجوء. إذ يرى بأن استقبال فرنسا للاجئين لابد أن يرتبط بطاقتها الاستيعابية من خلال تحديد عدد المهاجرين الذين يسمح لهم بدخول فرنسا والاستقرار فيها سنوياً؛ وذلك من خلال ادراج هذا بقانون يصوت عليه البرلمان. ويريد بهذا الخصوص القيام بإحصائيات مبنية على أساس الجنسية بهدف تحقيق نوع من التوازن العددي بين الدول المصدرة للمهاجرين. وسيكون قانون "جمع الشمل العائلي" أيضا محل إصلاح من قبل فيون في حال وصوله إلى قصر الإليزيه، على أن يخضع المرشحون للهجرة إلى فرنسا لامتحانات مسبقة حول معارفهم بشأن الثقافة والقوانين الفرنسية.

ويرفض فيون أن تواصل فرنسا تحمل "الأعباء" المادية للهجرة وسيدفع في اتجاه تقليص مدة البث في ملفات طلبات اللجوء من عامين إلى ستة أشهر، ويفيد برنامجه أن 80%من الطلبات تواجه بالرفض إلا أن أصحابها يبقون في فرنسا بطريقة غير شرعية، وهو يتعهد في هذا الإطار بتحريك آليات الترحيل بحق هؤلاء.

سبب فوزه المفاجئ؟

أن الفوز المفاجئ الذي حققه فيون في الانتخابات التمهيدية على حساب منافسه "كوبيه" في الدورة الأولى؛ يعود لاستقطابه شريحة كبيرة من المصوتين أغلبها من الكاثوليكيين المحافظين بمختلف شرائحهم وبينهم المناهضين للإجهاض وزواج المثليين. وتركيزه على ارباب الحرف الصغيرة وابناء الارياف والمحرومين، الذين يناصبون السياسة الفرنسية الحالية العداء؛ بسبب برامجها الحكومية المعولمة.

موقفه من الإسلام؟

لم يتردد فيون في الإعلان عن موقفه عن الإسلام والمسلمين وعن الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها باريس ومدينة نيس وغيرها من المدن الفرنسية. إذ قال إنه ("لا توجد هناك مشكلة دينية في فرنسا" ولكن "هناك مشكلة ترتبط بالإسلام"، وأن "الشمولية الإسلامية هي العدو"). واعتبر "فيون" في كتابه –الذي اصدره بعد اعتداءات نيس- أن "الاجتياح الإسلامي الدامي لحياتنا ينذر بحرب عالمية ثالثة". هذا الموقف قد يقربه من دونالد ترامب، لاسيما مع التغيير السياسي الحاصل في أوروبا.

علاقته مع بوتين؟

تربط فيون علاقة خارجية قوية بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتعود تلك العلاقة إلى الفترة التي تولى فها فيون رئاسة الحكومة الفرنسية. ودعا في مناسبات عدة إلى رفع الحصار عن موسكو، ويرى بأن بوتين منح نفساً جديداً للجيش السوري بعد تدخله في سوريا ومحاربته لتنظيم "داعش"، وكذلك يرى بأن روسيا أقوى دولة بالعالم ولا تهدد السلم والأمن الدوليين.

المواجهة المرتقبة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؟

يتطلع فيون إلى مواجهة جدية على الصعيد الخارجي في حال تبوأ كرسي الرئاسة، لاسيما ضد الولايات المتحدة الأمريكية حول شروط التحالفات. إذ يرى بأن الولايات المتحدة "تمارس شكلا من المراقبة على الاقتصاد الأوروبي لا يطاق بالمرة، في تضارب مع القانون الدولي والأخلاق الدولية". وأن المصالح الفرنسية مقيدة بالتدخل الأمريكي، فضلاً عن تكبيلها الاقتصاد الفرنسي. كذلك يعد فيون من الداعين إلى احترام الحدود القومية الفرنسية وإلى خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي. ويقترح فيون على أوروبا الانكباب على ثلاث أولويات استراتيجية، التي يمكن العمل بها من الآن، وهي "أمن المواطنين بتعزيز مراقبة الحدود، هجرة متحكم فيها، إضافة إلى السيادة الاقتصادية والمالية، وخدمة المشاريع الأوروبية الكبرى".

المخاوف العالمية المقبلة؟

لعل أكثر المتخوفين من السياسة الترامبية والتحول الأمريكي الجديد في ظل الإدارة الحالية، قد تزداد تخوفاتهم في الأشهر القادمة في حال تمكن اليمين الفرنسي والإيطالي من مسك زمام السلطة في هذين البلدين، لاسيما وأن الرجلان "ترامب وفيون" تجمعهم الكثير من الخصال وبالتحديد فيما يتعلق بالرفض المتكرر للسياسات الأوروبية والأمريكية المعولمة، والانكفاء نحو الداخل والحفاظ على الحدود القومية، فضلاً عن تقاربهم مع الرئيس الروسي وموقفهم من قضية اللاجئين. كل تلك القواسم المشتركة بين الرجلين بالإضافة إلى الرئيس الروسي ومواقفه المعروفة وتطلعاته السياسية التي تريد أن تطيح بالتحالفات الأوروبية-الأمريكية. وبهذا ربما تكون تطلعات (ترامب وفيون وبوتين) متقاربة من بعضها وقد تطيح ببعض التحالفات العالمية، وربما تكون نتيجة الانتخابات الفرنسية هي الفيصل في كل هذه التحولات؛ لأن عدم نجاح اليمين الفرنسي بالتسلق إلى كرسي الرئاسة يعني الابقاء على نفس السياسات التقليدية المتبعة في القارة الأوروبية، وأن خطورة التغيرات السياسية التي يتوعد بها ترامب قد تصبح محدودة؛ بسبب الرفض الأوروبي لها، فضلاً عن أن الانتخابات الإيطالية ستصبح تحصيل حاصل ليس إلا. ولهذا قد يكون فرانسوا فيون هو ترامب القارة الأوروبية في حال تمكن من الفوز في الانتخابات الفرنسية القادمة.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق