انطلقت عمليات تحرير الموصل فجر يوم الاثنين 17 تشرين الاول الجاري بعد ساعات من تواصل القصف الجوي من قبل سلاح الجو العراقي وطائرات التحالف الدولي التي استهدفت مقرات وتجمعات ومخازن اعتدة للتنظيم.

سبقت هذه العمليات عمليات تحرير مدن عدة في محافظة الانبار وأبرزها مدينة الفلوجة ومدن في محافظة صلاح الدين. ولكن عمليات تحرير مدينة الموصل تُبرّز الى السطح دلالات قوة للدولة العراقية سياسياً وأمنياً، اذ سبقت هذه العمليات ورافقتها متغيرات محلية واقليمية وعالمية على المستويين السياسي والعسكري وهذه المتغيرات انعكست ايجابا بصورة دلالات قوة على الرغم من ان البعض ركز على سلبية بعض المتغيرات الاقليمية على عمليات التحرير وعلى الوضع السياسي بشكل عام واقصد هنا متغير التدخل التركي في العراق.

مؤكد ان هذه العملية متميزة عن العمليات التي سبقتها وهنا سنحاول مناقشة بعض دلالات القوة والتي يمكن توظيفها وفق رؤية واضحة هدفها ترميم البيت العراقي ووضع حلول طويلة المدى لكثير من الاشكاليات التي طغت على تفكير الكثير في السلطة التشريعية والتنفيذية والمراقبين ناهيك عن تساؤلات الاطراف الدولية الفاعلة في التحالف الدولي وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية، لاسيما واننا الان امام عملية تحرير أكبر المراكز السكانية بالنسبة لتنظيم داعش الارهابي في العرق وتعني له الكثير من الناحية الاستراتيجية.

• تبلور ارادة دولية للقضاء على داعش في المنطقة: أصبح التوجه العالمي ذو هدف استراتيجي وهو القضاء على داعش الارهابي في العراق وسوريا بعد الهجمات التي شنها التنظيم في اوربا والولايات المتحدة خلال الصيف الماضي والذي وصِف بانه صيف قاسي عليهما، فضلا عن مرحلة الانتخابات الاميركية وهدف الديمقراطيين في الانتهاء من هذا الملف مع بدء الانتخابات الاميركية. وكذلك التعاون الذي ابدته دول التحالف الدولي في مساعدة العراق في مجال الاستعدادات للحاجات الانسانية خلال عمليات تحرير محافظة نينوى. هذا الامر يوجب الاهتمام الوطني في تضاعف الجهود لإكمال العمليات المذكورة.

• ان موقف الدول الاقليمية واهتمامها بعملية تحرير الموصل على الصعيدين السياسي والامني وقلقها منها يعزز من كون العراق ساحة صراع نفوذ رئيسة لهذه الدول، وهذا ليس بجديد ولكن الجديد ان هذه المواقف شكلت اساس للتماسك الشعبي والرسمي الداخلي. وهذا ما يلاحظ مع التعامل الرسمي العقلاني مع التدخل التركي في الموصل والرفض الذي جوبهت به والتأييد الكبير لتعامل الحكومة مع هذا الملف. وهذا بحد ذاته دلالة قوة زادت من التماسك الوطني وبرّزتْ تأييد كبير لصانع القرار العراقي. وهذا الامر يمكن الاستفادة منه في وضع استراتيجية للسياسة الخارجية العراقية هدفها ابعاد العراق عن صراع المحاور الاقليمية.

• على الصعيد العسكري، يختلف وضع القوات المسلحة العراقية بكل تصنيفاتها كثيرا عن وضعها قبل حزيران 2014. اذ عملت حكومة السيد حيدر العبادي على اعادة ترتيب المنظومة العسكرية وفي مقدمتها الجيش العراقي حيث مُنحت كثير من الصلاحيات لقيادات الفرق والتشكيلات الرئيسة على عكس ما كانت عليه في الحكومات السابقة. كما تمت اعادة ترتيب تشكيلات الكثير من الصنوف وباتت تمتع بقدرات تدريبية وتسليحية كبيرة جدا بذات الوقت الذي تقاتل فيه عصابات داعش الارهابية.

وقادت هذه الجهود الى ان القوات العراقية اليوم في مقدمة جيوش العالم التي تقاتل داعش الارهابي على الارض وعلى جبهات متعددة في نفس الوقت كما في عمليات تحرير الانبار. وهذا ما يبرر المساندة الشعبية والسياسية لتلك القوات فضلا عن تأييد التحالف الدولي لقتال داعش. وهذه فرصة مناسبة للاستمرار في اعادة تنظيم المنظومة العسكرية على اسس وطنية تتناسب والمشروع الوطني لبناء الدولة الذي لابد ان يفكر به مليا صانع القرار العراقي لتحديد اسسه ومبادئه.

• على صعيد آخر، وفي ذات السياق تشكل قوة الحشد الشعبي ذراع قوي لمساندة القوات المسلحة العراقية وهذا ما لوحظ في معارك عدة شهدتها مدن شمال وشمال غرب البلاد. والمهم هم ان نلاحظ ان الحشد الشعبي التزم بالمهام التي اوكلت له على صعيد العمليات وفق ادوار محددة وتجلى هذا في معارك محافظات صلاح الدين والانبار واليوم في معركة الموصل كما أكد ذلك السيد هادي العامري/ القيادي في الحشد الشعبي ورئيس منظمة بدر بأن الحشد لن يدخل مدينة الموصل. وكذلك الدور الواضح لتشكيل الحشد العشائري في مجابهة داعش كما حصل خلال اليوم الثالث من العمليات (21/ تشرين الاول الجاري) لحشد عشائر الجبور والعيساويين وغيرهم. هذا الموضوع له اهمية كبيرة في ضرورة التفكير ودراسة التكييف القانوني لقوات الحشد الشعبي من قبل صاني القرار في المؤسسات التشريعية والتنفيذية ذات العلاقة –بعد الخلاص من داعش- كأن يتم دمجه في القوات المسلحة العراقية او يتحول الى قوة احتياطية،...الخ.

• العلاقة مع اقليم كردستان: لأسباب عدة، شهدت العلاقة بين حكومة اقليم كردستان والحكومة المركزية حالة من التحسن بعد غياب التقارب بينهما لسنوات عدة. هذا التقارب، مع انه أصبح حاجة ملحة للطرفين وفي صالح الطرفين، الا انه حصل في وقت مهم تكون الدولة العراقية فيه امام مرحلة جديدة بعد خلاصها من القتال مع داعش الارهابي على صعيد التعاون السياسي والعسكري وهو بالنتيجة دلاله سياسية قوية. هذا الامر يحتم على الطرفين التفكير ملياً للوصول الى اتفاق حول صيغة مشتركة لحل الملفات السياسية والاقتصادية العالقة بينهما.

كل ما تقدم يشكل دافع قوي يوازيه حماسة الانتصار لراسمي السياسية العامة والقوى السياسية في العراق الى حتمية الاتفاق على مشروع بناء الدولة العراقية وادارتها بعيدا عن تضاد المحاور الاقليمية وتحديد مبادئ واضحة وهادفة للسياسة الخارجية وفق مقتضيات هذا المشروع وهذا يعزز درجة المقبولية بمؤسسات الدولة من قبل الدول والمؤسسات الدولية ويعود بالعراق تدريجيا الى لعب دوره الريادي في المنطقة كلاعب اقليمي.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

اضف تعليق