فاجأ قادة الحشد الشعبي، ظهر الثلاثاء، الشارع العراقي باجتماع غير متوقع جمعهم في بيت المرجع الراحل السيد محمد صادق الصدر، برعاية زعيم التيار الصدري، السيد مقتدى الصدر، بعد زيارتهم للمراجع الدينية في النجف الأشرف، وجلوسهم الى الغداء على مائدة واحدة في بيت الصدر. وأكد المجتمعون على "دعم الجيش العراقي والقوات الأمنية في معركة تحرير الموصل، وتوحيد الصف الوطني في المرحلة الراهنة بما يخدم مصلحة العراق"، فيما شدد الصدر على "أن يكون الحشد تحت إطار قانوني والابتعاد عن الطائفية والفئوية وعما يسيء لسمعة الحشد وعدم السماح للتدخل الأجنبي بشؤونه".

امين عام منظمة بدر هادي العامري وامين عام حركة النجباء الشيخ اكرم الكعبي كانوا على راس الحضور، الا ان المفاجئة كانت بحضور امين عام حركة عصائب اهل الحق الشيخ قيس الخزعلي، والذي استغل الزيارة لتأكيد الدور المهم لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، وتقديم الشكر "لما يقوم به من دور وطني في العراق".

حينما يأتي هذا الاجتماع في هذه المرحلة الحساسة والتاريخية للعراق فالمؤكد انها تحمل الكثير من الرسائل، ورغم غياب المعلومات التفصيلية عنها لكن المتابع لسير الاحداث يمكن ان يرصد مجموعة من الامور وهي كالاتي:

١_ يبعث الاجتماع برسالة لتوحيد الصفوف والمواقف ازاء معركة تحرير الموصل بهدف الحفاظ على انسيابية سير العمليات العسكرية، وسد كل الثغرات امام الاعلام العربي والدولي للتلاعب بالتقارير وتضليل الراي العام. وفي هذا السياق اكد السيد مقتدى الصدر ان الاجتماع كان مثمرا على مختلف الاصعدة، واشار الى ان الجميع يشعر بحجم المسؤولية تجاه ما يمر به العراق.

٢_ الرسالة الثانية لهذا الاجتماع كانت موجه للجمهور العراقي بصورة عامة وجمهور القوى الشيعية بصورة خاصة، اذ ان ما قيل في الفترة السابقة كان كفيلا بخلق اجواء من الخوف والرعب من ما يسمى (مرحلة ما بعد داعش)، اذ ان اغلب القراءات والتحليلات كانت تشير الى فرضية اندلاع حرب شيعية وهو ما سيكلف العراق الكثير، فضلا عن حجم الاحباط الذي بدأ يترسب الى الشارع بفعل الخوف من هكذا سيناريوهات مقبلة، وبالتالي فان هذا الاجتماع كان مهما جدا وجاء في لحظة حاسمة ليبدد كل المخاوف ويضع الامور في نصابها من جديد، لا سيما مع حديث السيد الصدر عن عقد اجتماعات مقبلة لبلورة الرؤى لمختلف الاطراف.

٣_ للاجتماع وقع خاص على المقاتلين المرابطين في الخطوط الامامية للحرب ضد جماعة داعش الارهابية، فالخلافات التي بدت واضحة بين القوى الشيعية وخاصة قوى الحشد الشعبي ادت الى نوع من المشاعر السلبية تجاه الوضع بصورة عامة لا سيما وان اغلب المقاتلين يرون ان هذه الخلافات تعبر عن الطمع السياسي، وهو ما يتنافى مع عقيدة الجهاد التي يفترض ان تتبناها قيادات الحشد الشعبي الذي انبثق من فتوى الجهاد الكفائي.

٤_ تزامنُ هذا الاجتماع مع التظاهرات التي قام بها انصار التيار الصدري امام السفارة التركية في بغداد يؤكد انه يحمل في طياته قرارا جماعيا لرفض التدخل التركي في شمال العراق، كما ان قيادات الحشد الشعبي استشعرت حجم الهجمة التي يواجهها العراق مع الاصرار التركي الذي يوحي بوجود مشروع اكبر من ادخال بعض القطع العسكرية الثقيلة اوانشاء معسكر صغير.

تصريحات قيادات التحالف الوطني التي تشدد على التلاحم بين القوى الشيعية وحكومة حيدر العبادي تؤكد ان هناك اتجاها جديدا يتخذ من رص الصفوف واعادة ترتيب البيت الشيعي وسيلة للتصدي للتدخلات الخارجية.

بعض المحللين يرون ان هذه "التوافقات" تأتي في اطار الاستعداد للمرحلة السياسية المقبلة بعد ان اصبحت حقبة داعش بحكم المنتهية نظريا، كما ان الانتخابات المقبلة تحتم على مختلف الكتل السياسية في البحث عن اقامة تحالفات قوية قادرة على فرض الحضور السياسي في مرحلة ما بعد داعش والتي تمثل تاريخا مفصليا للعراق، مع بروز تحديات جديدة وانتشار السلاح بشكل كبير في العراق، ووضع كهذا يفرض على الجميع البحث عن حلول وتوافقات قبل الوقوع في مصيدة الخلافات الداخلية التي قد تؤدي الى حرب لا يعلم احد كيف ستنتهي.

لا يمكن لمشاكل التحالف الوطني ان تحل بكبسة زر واحدة كما لا يمكن لاجتماع واحد ان يلملم شمل قوى الحشد الشعبي، لكن النتيجة الحتمية لهذه الاجتماعات هي مزيد من التقارب ونبذ الخلافات الداخلية التي باتت تؤثر على مجمل الوضع العراقي.

قيادات التحالف الوطني وقيادات الحشد الشعبي امام فرصة تاريخية للعبور بالعراق الى بر الامان والاستقرار السياسي، والجماهير متحمسة لهكذا اجتماعات ومن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي يشعر بهذه الرغبة الشعبية لفتح صفحة خالية من التوترات والصراعات الحزبية الضيقة.

....................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق