أعلنت روسيا وإيران عن قيام طائرات حربية وقاذفات إستراتيجية روسية من نوع (تو-22، و ام3، و سو3)، باستخدام القاعدة العسكرية في همدان الإيرانية للقيام بطلعات جوية لضرب أهداف داخل سوريا، في دير الزور وحلب وادلب، بعد موافقة العراق على السماح لهذه الطائرات للمرور عبر أراضيه، هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام دولة أجنبية لقواعد عسكرية إيرانية، إذ أعلنت الدولتان إن الهدف من العملية هو مكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة، وأعلن المستشار العسكري لقائد الثورة الإسلامية الأدميرال (علي شمخاني) عن موافقة إيران على استخدام قواعدها العسكرية من قبل روسيا لانطلاق الطائرات لضرب الإرهاب في المنطقة.

ويرجع اهتمام روسيا بإيران إلى العهد القيصري في زمن (بطرس الأكبر 1675-1725 ) الذي كان يرغب في الوصول إلى الهند والمياه الدافئة في الخليج، ورغم الكثير من الحروب بين الدولتين خلال العهد الفارسي- القيصري الروسي، والتي خسرت فيها إيران الكثير من الأراضي في القوقاز واسيا الوسطى، إلا إن العلاقات بدأت بالتحسن بعد إعلان الثورة الشيوعية في روسيا وإعلان الاتحاد السوفيتي، وبدأت العلاقات بالتطور بين الدولتين حتى سقوط الاتحاد السوفيتي، إذ عقدت إيران وروسيا الاتحادية العديد من الاتفاقات العسكرية والتجارية، أهمها كانت بناء مفاعل بوشهر الإيراني، وعدة مفاعل أخرى وإعلان روسيا على إن من حق إيران في الطاقة النووية للأغراض السلمية، وتزويد إيران بالسلاح، وأخرها صواريخ (أس-300) لمقاومة الطائرات، كما وقفت روسيا إلى جانب إيران في الكثير من القضايا الدولية، وكانت الساند الرئيسي لإيران في وجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وتشترك روسيا الاتحادية وإيران بعدد من المنظمات الإقليمية مثل منظمة شنغهاي التي تأسست عام 1996 وتضم (الصين، وروسيا، وأوزبكستان)، إذ انضمت إليها إيران بصفة مراقب عام 2005، ومنظمة (بحر قزوين) للتعاون الاقتصادي والتي تضم كل من (إيران، وروسيا، وتركمانستان، وأذربيجان، وكازاخستان).

إن سماح إيران لروسيا باستخدام قاعدة همدان الجوية لضرب أهداف في سورية، على الرغم من إن البعض قد يرى فيه عملا تكتيكيا وتعاونا عسكريا عاديا بين دولتين لا تربطهما أحلاف عسكرية، كما هو بين تركيا وأمريكا ضمن حلف الأطلسي، إلا إن بعض المراقبين للشأن الدولي يرون في هذا العمل شكلا من أشكال التحالف الاستراتيجي بين الدول، لان استخدام أي دولة لأراضي دولة ما للإغراض العسكرية لا يتم إلا عندما تكون هناك ضرورة لذلك ومصلحة ملحة للطرفين، وخلال عقد اتفاق استراتيجي بينهما لهذا الغرض، كما انه سوف يكون له اثر فاعل في تغيير موازين القوى على الأرض السورية، لهذا ومن خلال قراءة تطورات المنطقة والموقف على الأرض يمكن استنتاج الآتي:

1- هذا التحالف الاستراتيجي بين الطرفين، وخاصة بعد التعاون العسكري بينهما، قد عرى التحليلات التي كانت تذهب من إن هناك خلافات بين الطرفين في قضايا المنطقة، وخاصة حول سوريا، إذ إن هذه الخلافات كانت خلافات وجهات نظر حول إدارة الصراع في سوريا وليس تنافس بين الطرفين، فقد وصل التعاون العسكري إلى مستويات عالية جدا، من خلال استخدام الأراضي الإيرانية، وهي سياسة لم تستخدمها إيران وروسيا من قبل.

2- يظهر التنسيق العسكري بين الطرفين بأنه جاء بعد مفاوضات بين القيادات العسكرية لهذه الدول، وخاصة بعد اجتماع وزراء دفاع روسيا وإيران وسورية، وبمشاركة العراق، وهو تنسيق عالي بين هذه الأطراف يصل إلى مستوى التعاون الاستراتيجي.

3- جاء هذا التحالف نتيجة لتراجع دور تركيا في المنطقة بشكل لافت للنظر، خاصة بعد الانقلاب في تركيا، ووقوف إيران وروسيا إلى جانب الحكومة التركية، جعل تركيا تغير من سياساتها تجاه المنطقة وخاصة حول سوريا، وظهور خلافات بين تركيا وأمريكا المتهمة بدعم الانقلاب في تركيا، مما فسح المجال لروسيا وإيران لزيادة تعاونهما العسكري بقوة.

4- إن هذا الاتفاق العسكري، ورغم الانتقادات الموجهة له من قبل دول المنطقة، إلا انه سيكون ورقة ضغط قوية على بعض الدول الإقليمية التي تبحث عن دور لها في المنطقة وخاصة السعودية، مما قد يخلق شرخا قويا بين السعودية وأمريكا، خاصة وان هناك تراجعا في السياسة الأمريكية في المنطقة لصالح إيران ودورها في سوريا والعراق، مما قد يجعل السعودية تصب غضبها على أمريكا لتخليها عن حلفاءها في المنطقة، وان هذا الخلاف قد بدأ فعلا في وسائل الإعلام السعودية التي بدأت تنتقد أمريكا علنا بأنها لم تقف بوجه إيران كما يجب.

5- إن استخدام الطائرات الروسية لقواعد الإيرانية لضرب أهداف في سوريا سوف يؤثر ايجابيا على الحرب في سوريا، لان الطائرات المستخدمة هي قاذفات إستراتيجية ومتطورة جدا وهي من الجيل الخامس، وهي تتفوق على الطائرات الأمريكية التي تنطلق من تركيا وهي من الجيل الرابع، وهذه الطائرات الروسية سوف تكون عامل مساعد للطائرات الروسية التي تنطلق من سوريا لضرب المجموعات الإرهابية، هذا ما يضع المجموعات المسلحة في سوريا والعراق بين فكي كماشة من الغرب والشرق، خاصة وان المجموعات المسلحة في موقف صعب الان بعد الحصار المفروض عليها في حلب، وبعد موافقة تركيا على رقابة دولية على حدودها الجنوبية مع سوريا، وتقدم قوات سوريا الديمقراطية السريع في شمال سوريا، كل هذه سوف تجعل الضربات الروسية مؤثرة وفاعلة.

6- كما إن هذه الضربات ستكون أكثر أمانا ودقة في إصابة الأهداف من استخدام الصواريخ التي يتم إطلاقها من بحر قزوين باتجاه سوريا، خاصة وان بعض المصادر ذكرت إن صاروخا روسيا سقط في إيران بعد إطلاقه من بحر قزوين، مما يشكل خطرا على السكان، وقد يسقط في دولة أخرى مثل تركيا ربما يثير أزمة سياسية بين الدولتين، كما حدث خلال إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا، وان انطلاق الطائرات من إيران عبر العراق إلى سوريا، هو أكثر أمانا وسرعة لضرب المجموعات المسلحة، لان انطلاقها من روسيا يضع في طريقها عدة عقبات منها عقبة تركيا التي ترفض مرور طائرات حربية روسية عبر مجالها الجوي، أو اختراقه، وهي التي أسقطت الطائرة الروسية قبل مدة، كذلك انطلاقها من روسيا عبر إيران والعراق سيجعل عملها مكلف وذلك لبعد المسافة إلى سوريا، لهذا تعد قاعدة همدان الأقرب والأكثر أمانا لتنفيذ القاصفات الروسية أهدافها في سوريا.

7- إن الهدف الآخر من هذا التعاون بين إيران وروسيا هو لتخطي المماطلة الأمريكية في التعاون مع روسيا وإيران لإنهاء الإرهاب في سوريا، وإتباع الحل السلمي، إذ إن هدف أمريكا الأساس هو ضرب داعش فقط في سوريا والعراق وليس القضاء على الإرهاب بشكل كامل، مع الإبقاء على الوضع المتدهور في سوريا، واستمرار الفوضى، لهذا جاء هذا التعاون لكشف ازدواجية المعايير الأمريكية في قضايا المنطقة، فقد أعلنت أمريكا عن معارضتها لاستخدام روسيا للقواعد الإيراني، بحجة إن روسيا انتهكت القانون الدولي الذي يفرض حظرا عسكريا على إيران، علما إن العقوبات الدولية قد رفعت عن إيران بعد الاتفاق النووي في مفاوضات إيران مع 5+1، كما إن تركيا هي الأخرى تستخدم قواعد عسكرية خارج أراضيها في تركيا وأوربا وغيرها لضرب أهداف في الشرق الأوسط بحجة محاربة الإرهاب.

8- إن هذا التعاون بين الدولتين قد يتعدى في المستقبل سوريا، ليشمل العراق أيضا، كذلك سوف يكون نواة لتعاون أوثق ضد العمليات الإرهابية في الدولتين، فقد تتعاون الدولتان لضرب المجموعات المسلحة في أراضيهما، في القوقاز أو في الأراضي الإيرانية، خاصة وان هناك عدد من العمليات الإرهابية نفذت أخيرا في غرب وجنوب إيران.

خلاصة القول، على الرغم من الاهتمام الروسي بإيران والدفاع عنها في المحافل الدولية وعدم وجود عداء للنظام السياسي الإيراني من جانب روسيا الاتحادية، غير إن اعتماد إيران على الحليف الروسي يبقى فيه بعض المخاطر عليها، لتذبذب الموقف الروسي فهو من جهة يدعم الموقف الإيراني ويساعده في البرنامج النووي، ومن جهة أخرى وافقت على عدد من القرارات الدولية ضد إيران، كذلك قد يحدث نوع من المساومات بين روسيا والولايات المتحدة حول إيران بحيث تطمئن روسيا إن النظام القادم، الذي ربما ستشكله الولايات المتحدة في حال قررت ذلك في إيران لن يكون خطرا عليها وعلى مصالحها في أسيا الوسطى والقوقاز، وبذلك قد توافق على توسيع العقوبات أو حتى القيام بعملية تغيير النظام السياسي الإيراني كما حصل في العراق عام 2003، وعلى المدى المنظور لا يمكن توقع مثل هذا السيناريو وذلك لوجود مصالح اقتصادية وإستراتيجية لروسيا في إيران ومحاولتها إضفاء نوع من الهالة والمشروعية على دورها العالمي والخشية من توسيع حلف الناتو شرقا بما قد يشجع روسيا إلى العمل على منع أي عمل ضد إيران باعتباره الضمان للحدود الجنوبية الروسية، وان وجود نظام سياسي في إيران مهدد من الغرب ويعمل تحت الأجندة الروسية خير من وجود نظام صديق وموالي للغرب أو حتى من وجود نظام سياسي مستقر ومستقل، لذلك وأن كانت روسيا الاتحادية توافق على القرارات الدولية ضد إيران إلا أنها لا تقبل القرارات إلا ضمن حدود عقوبات غير مؤثرة على الدولة الإيرانية.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

اضف تعليق