في النصف الاول من القرن العشرين برز خمسة اقتصاديين كبار وهم فردريك هايك، ملتن فريدمن، غاري بيكر، جيمس بوشان ورونالد كوس، عملوا على اعادة تأسيس فلسفة للحرية الاقتصادية والسياسية. هؤلاء الخمسة يمثلون طرقا مختلفة في تحديد فلسفة السوق الحر. هم لم يتفقوا على كل شيء، خاصة في مسائل المنهجية. لكن هذه المجموعة من الحائزين على جائزة نوبل حققوا تقدما حقيقيا في النظرية الاقتصادية والسياسية. انهم ليسوا تيارا يحمل ايديولوجية "الليبراليين الجدد" التي يرغب خصوم السوق نعتهم بها.

فردريك هايك 1899-1992

اولى مساهمات هؤلاء الليبراليين الكلاسيك كانت لفردريك هايك في حقل اقتصاد المعرفة. القصة بدأت عام 1935 بصدور مجموعة مقالات لهايك تحت عنوان "التخطيط الاقتصادي الجمعي". ذكرنا في مقال سابق ان لوج فون مايسز كتب عام 1920 مقالا اصليا حول استحالة الحسابات الاقتصادية المركزية. هايك قرر اعادة نشر هذا المقال معززا بدراسات عن التخطيط المركزي لمؤلفين آخرين بالإضافة لمقدمة واستنتاج خاص به. لا احد يعتقد بالاقتصاد المخطط مركزيا، السوق يثبت انه اكثر فاعلية من هيئة مركزية في وضع الاسعار لأن ديناميكية حركات الاسواق تعكس معرفة الملايين من مختلف الناس. عندما يكون فردا واحدا هو المخطط او المشارك الفردي، فسوف يعرف فقط جزء صغير جدا من الواقع. ما اوضحه هايك ومايسز عام 1930 ثبتت صحته بعد انهيار جدار برلين عام 1989 من جانب الألمان المتعطشين للحرية. ذلك اثبت ان الاقتصاد المخطط هو منْ كان في اضطراب وليس اقتصاد السوق.

قام هايك بتوظيف تلك الفكرة المركزية لذلك الكتاب في مقال له عام 1945 بعنوان "استخدام المعرفة في المجتمع"- وهو المقال الذي اختير من بين افضل عشرين مقالا صادرا عن مجلة الاقتصاد الامريكية American Economic Review طوال مئة عام من تأسيسها. هدف هايك كان توسيع و تعميق رفضه لمقترحات اوسكار لانك واينركو بارونس في المجتمع الاشتراكي التي جرى فيها استخدام نسخة مطابقة للسوق لتسهيل حسابات المخطط. هو الآن وسّع نقده بالإشارة الى الدور المنتشر والواسع للمعرفة في الاقتصاد.

هايك لم يبين فقط ان البيانات الاقتصادية المطلوبة من جانب المخطط المركزي لا يمكن الوصول اليها مركزيا، وانما هو رفض التصور عن اقتصاد السوق المتضمن في "العديد من استخدامات الرياضيين". هو لم يذكر تحديدا تعريف ليونيل روبنس للاقتصاد "بانه علم دراسة السلوك الانساني كعلاقات بين غايات معينة ووسائل نادرة ذات استخدامات بديلة"، وانما هو في الاساس رفض مفهوم المشكلة الاقتصادية المتضمنة في ذلك التعريف. الغايات ليست معطاة او معروفة بشكل عام وليست كذلك الوسائل النادرة واستخداماتها البديلة. كل من الغايات والموارد تُكتشف فقط من خلال عمليات السوق ذاتها.

هذا قاد هايك للتمييز بين نوعين من المعرفة في عمل الاقتصاد: المعرفة العلمية التي يمكن تلخيصها بالاحصاء، والمعرفة الفردية والمحلية التي يمكن جمعها فقط واستخدامها انفراديا وعمليا مثل معرفة وكالات الإسكان حول سوق السكن المحلي او معرفة المضاربين حول عدم التوازن السعري. هذا النوع الاخير من المعرفة يصعب تعميمه فهو في حركة وتغيير دائمين ويمكن جعله متوفرا بشكل عام فقط عبر نظام الاسعار. احدى الاستنتاجات التي يمكن الوصول اليها من نظرية هايك حول المعلومات في المجتمع هي ان المعرفة التامة بالسوق التام المنافسة يمكن افتراضها فقط كوسيلة تحليلية وكتقريب لدراسة بعض الاسواق ولكن ليس كتمثيل تام للواقع. سنرى كيف ادرك رونالد كوس ان السوق ذاته هو بعيد عن ان يكون مؤسسة بلا تكاليف.

ايضا من المهم لتصحيح الرؤية السلبية عن السوق الحر التي كانت سائدة خلال النصف الاول من القرن العشرين هي جهود هايك في قراءة التاريخ الاقتصادي للرأسمالية والفكر الاقتصادي. كان هذا شرطا ضروريا لإعادة تأسيس الليبرالية، كما ذكر هو في اول اجتماع لجمعية مونت بلرين عام 1947. في عام 1945 قام بمراجعة "الرأسمالية وتاريخها"، حيث وضع مجموعة من المقالات من مختلف المؤلفين بهدف تغيير الصورة السائدة عن الثورة الصناعية. تلك الصورة الزائفة للحياة السعيدة في الارياف والاستغلال المزري في مصانع الضواحي والمناطق السكنية ثبت عدم صحتها. بالطبع، الحياة كانت صعبة للفقراء في بداية الثورة الصناعية. حتى اليوم الواقع القاسي لمناطق اطراف المدن في الدول النامية يشير كأنها ضد التنمية الرأسمالية، مع انها ذاتها تتضمن التقدم: وهكذا في الصين اليوم، حيث الجماهير التعيسة للفلاحين ينتقلون الى الساحل حيث مستويات المعيشة اعلى رغم الظروف الفقيرة للعامل الصيني في عيون الغرب.

اخيرا، اصبح شائعا اليوم تسليط الضوء على التحول الاستثنائي للمجتمع الانساني الذي صنعته الرأسمالية، والذي نشرته اخيرا جامعة كامبردج "تاريخ الرأسمالية لكامبردج" 2015 الذي يعرض الدليل لذلك، لكن هذا بالتأكيد لم يكن الرؤية المقبولة خلال السنين المظلمة بين الحربين العالميتين.

ملتن فريدمن 1912-2006

مساهمات ملتن فريدمن في الدفاع عن اقتصاد السوق عكست تأكيدا مختلفا وميلا فلسفيا اقل بالمقارنة مع هايك، لكنها ثبت لها نفس الاهمية في معركة الحرية. فريدمن، كاحصائي متدرب جيدا ادخل طريقة أكثر تطبيقية في معالجة الاسئلة الاقتصادية التي اصبحت العلامة المميزة لمدرسة شيكاغو. هو كشف عن اهتمام خاص بالبيانات القابلة للقياس، سواء في دراساته في الاقتصاد الكلي او في دراساته النقدية، وفي بحوثه التاريخية. بالنسبة له، ليس الاحصاء طريقة لجمع معرفة شاملة حول المجتمع وانما، هو طريقة لإثبات ان النظرية خاطئة لأنها كانت مضادة للحقيقة، كما اشار لذلك كارل بوبر. انه دائما من الجيد تبيان ان نظريات جون مينرد كينز غير منسجمة مع الرؤية الاكثر صحة للطبيعة الانسانية التي جسدها اقتصاديو المدرسة النمساوية، لكن هذه الانعكاسات الجوهرية سوف لن تقنع الكنزيين المتمسكين بمواقفهم. الحقائق وتفسيراتها هي اساسية في النقاشات العلمية. اقام كنز دعوته في ان نظام السوق غير متوازن ذاتيا على، "قانونه الاساسي للتوفير والاستهلاك"، حيث الناس يوفرون الكثير كلما كان دخلهم اكبر. في عام 1957 وفي "نظرية دالة الاستهلاك" بيّن فريدمن ان هذا القانون السايكولوجي المفترض كان مرتكزا على عمل احصائي ناقص. الافراد لم يستهلكوا القليل كلما اصبحوا اكثر غنى كما يعتقد كنز، وهو ما يقود الى نقص دائم في الطلب المتراكم. وبالاستناد على تحليلات احصائية ملائمة، كشف فريدمن بان الافراد اتخذوا قراراتهم في الاستهلاك والتوفير على اساس توقعاتهم لنجاح طويل المدى، لذا فان ميلهم الحدي للتوفير بقي تناسبيا مع دخلهم.

مرة اخرى، في عمله النظرية الكمية للنقود (1971-1974)، اوضح فريدمن ان الطلب على النقود هو اكثر استقرارا مما كان يفترض كنز وان الدخل الاسمي ومستوى الاسعار كانا مرتبطين وظيفيا بعرض النقود. عبر عرضه النقود كأصل في محفظة الافراد واثباته ان الناس يختارون مقدار السيولة الحقيقية التي يرغبون الاحتفاظ بها كنسبة من اصولهم الحقيقية، هو كان قادرا وبدقة على توضيح لماذا "التضخم دائما وفي كل مكان هو عبارة عن ظاهرة نقدية"، ليست له علاقة بالطلب والعرض المتراكمين الحقيقيين، كما يتصور كنز.

مساهمته الاخرى جاءت مع Annan Schwartz في كتاب "التاريخ النقدي للولايات المتحدة "عام 1936، خاصة الفصل المتعلق بـ "التقليص الكبير" للاعوام 1931-1940. هما بينا انه مهما كانت اسباب الركود لعام 1929، فانها كانت نتيجة لأخطاء البنك الاحتياطي الفيدرالي الذي جعل الموقف اكثر سوءا. التحليل الميداني للسياسة النقدية اثناء الكساد الكبير سمح لهما برفض استنتاج كنز بان سلسلة الاحداث الكلية المميتة كانت ناتجة عن فشل الرأسمالية.

اخيرا، اثبت فريدمن وزوجته روس مقدرتهما على نشر الفلسفة الاقتصادية والسياسية لليبرالية الكلاسيكية. اولى محاولاتهما الناجحة في هذا المجال كانت نشر كتاب "الراسمالية والحرية عام 1962". باختصار ساهم فريدمن وزوجته في نشر فكرة ان الرأسمالية هي المصدر الحقيقي للازدهار.

Gary Becker (1930-2014)

اتجاه غاري بيكر كان الاكثر تطرفا ضمن مدرسة شيكاغو في طريقة عمل الاقتصاد، وذو نتائج مثمرة. الاتجاه المزدوج من السلوك المعظّم وتوازن السوق والافضليات المستقرة يشكل لب الاتجاه الاقتصادي، حسب قول بيكر عام 1976. حسب رؤيته، لا حاجة (لتنظير منفصل لمشاكل الجزئي ومشاكل الكلي وقرارات غير السوق).

وبكلمة اخرى، عبر افتراض ان الافراد يحاولون تعظيم رفاهيتهم الفردية، وان افضلياتهم الاساسية هي جزء من طبيعة الانسان، وان وظائف رب المنزل تشبه مصنع صغير بمدخلات من سلع، وخدمات سوق ووقت- ومخرجات من الخدمات الفردية، وان محاولات الناس مجتمعة تميل لتكون مسايرة للسوق: يستطيع المرء التركيز على تنبؤات الاوضاع الاجتماعية التي يمكن اختبارها ببيانات احصائية حقيقية. هذا الاتجاه لبيكر واتباعه مفيد لتحليل عدد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. هو طبق طريقته لبناء نظريات في التمييز العنصري والزواج والطلاق، وعدد من الاطفال في مختلف فئات السكان، وفي الهجرة ومعدلات الجريمة، والمخدرات والادمان على الكحول، ونسب اجور خريجي الجامعات ثم اختبر هذه النماذج امام الحقائق.

James Buchanan 1919-2013

ومن المساهمات الاخرى الهامة هي محاولة جيمس بوشنان في حل ما يبدو من عدم انسجام بين الحرية الفردية والديمقراطية. ذكرنا سابقا ان جوزيف شمبتر رفض الاقتراح بان الديمقراطية ستكون مناصرة للسوق. هو ادرك جيدا جوهر الراسمالية لكنه اعتبرها قيدا ضروريا للتحطيم الذاتي. في كتابه "نظرية التنمية الاقتصادية 1912"هو شخّص نظام السوق الحر باعتباره يتحرك بفعل"التدمير الخلاق"، حيث التقدم يرتكز على اجراءات جديدة تؤدي الى تقادم واهمال النماذج القائمة من الانتاج. ولكن في كتابه الشهير "الرأسمالية، الاشتراكية والديمقراطية 1943" وصل الى استنتاج ملفت بان التدمير الخلاق سوف يتوقف تدريجيا في الديمقراطية لأن الناس سوف لا يرغبون بتحمّل تكاليفها. فقط الدكتاتورية الاشتراكية المختفية بدرجة ما سوف تجبر الناس على قبول التضحيات المطلوبة للاقتصاد. بدلا من ذلك، يرى بوشنان ان الحل للصراع بين الديمقراطية والحرية الفردية يكمن كليا بطريقة فردية. اولا، في الديمقراطية كل انسان يُعد انفراديا اي ان الموقف يُحكم عليه جيد الى المدى الذي يسمح للافراد للحصول على ما يريدون.. وهم مقيدون فقط بمبدأ الاتفاق المتبادل.

لكي لا تكون القرارات الجمعية مبنية على اساس حماية الخاسرين او تقييد المبتكرين، رآى بوشنان ان القرارات الجمعية تُتخذ بخطوتين منفصلتين: واحدة، باسلوب دستوري، عندما تتقرر القواعد الاساسية للّعبة دون معارضة، الثانية، في الاسلوب السياسي، حيث القرارات يمكن اتخاذها بشكل من تصويت الاغلبية. الخطوة الابتدائية ستكون اختيار القواعد، ثم يأتي الفعل السياسي ضمن تلك القواعد. انت لا تغير القواعد اثناء اللعبة. الناس سيكونون حذرين في صياغة دستور يضمن حقوقهم الاساسية من الحرية الفردية، الملكية الخاصة، حكم القانون، والسوق الحر، لكي يتجنبوا الاضطهاد لو ضعف موقفهم المستقبلي في المجتمع مقارنة بالموقف الحالي. القواعد ستكون مرتكزة على مايسميه هايك قيد العمومية the Generality Constraint او القاعدة بوجوب ان لا يحصل تمييز لأي جماعة اجتماعية او فرد من جانب القانون او من جانب ادارة الدولة: وهكذا، لا توجد ضرائب دخل تصاعدية او تمييز ايجابي او اعانات للشركات والصناعات.

يرى بوشان ان السوق مؤسسة تولد من التبادل المتكرر بين الافراد. لا طرفا خارجيا يشاهد الفعالية الاقتصادية من الاعلى يستطيع الحكم في مسائل الرفاهية الاجتماعية لتلك التبادلات. انما الناس المشتركون فيها هم من يقرر التبادل لانها تشبع حاجاتهم. واذا كان كلا الجانبين غير مقتنعين كليا بالمحصلة فهم سوف يحاولون مجتمعين اصلاح مؤسسة ذلك السوق لكي تكون محصلة المستقبل اكثر اشباعا للطرفين. هو يرى ان العملية السياسية لا يمكن فرضها او الحكم عليها من الخارج. هذا التحريم يراه خصيصا موجّه للفلاسفة السياسيين الذين لايمكنهم "اللعب كالاله". بوشان ذاته لا يفترض (كما الحال بالنسبة لاقتصاديي الرفاهية الاجتماعية) ابلاغ المصوتين بما يجب تفضيله. هو يرى ان الناس ذاتهم هم من يجب ان يقرر كيفية تنظيم المسائل الاجتماعية.هو يأمل في بروز مؤسسات في اقتصاد السوق تعكس رغبات المصوتين في المدى الطويل. الديمقراطية يمكن تعلمها.

رونالد كوس 1910-2013

ذكرنا سابقا ان موقف ارثر بيغوس المضاد لاقتصاد السوق كان مرتكزا على انه اقتصاد غير فعال بسبب الأعداد اللامتناهية من التأثيرات الخارجية الايجابية والسلبية. هذا اصبح شعار الاقتصاديين الارثودكس خاصة اولئك المشككين بالسوق الحر. رولاند كوس هاجم بيغو بحجتين: ان الناس والشركات في السوق عادة يصححون التاثيرات الخارجية بالاتفاقات المتبادلة وان الحلول المفروضة من الحكومة عادة تقود الى نتائج اسوا مما كان في البداية. في العشاء الشهير عام 1959 في منزل مدير ارون، بحضور ملتن فريدمن وجورج ستجلر مع 17 اخرين من الاقتصاديين المشككين، عرض كوس رؤيته بان الحلول المفروضة من جانب الحكومة ليس لها تبرير وان التاثيرات الخارجية يمكن حلها بالاتفاق المتبادل. منتقدو الليبرالية الجديدة يشيرون الى ان كوس لايضمن عمل السوق بشكل تام. كلفة الاجراءات العالية جعلت من الصعب الوصول لاتفاق فعال.

نظرية كوس عادة اسيء فهمها. تقوم النظرية على انه في ظل وجود تعريف لحقوق الملكية وكلفة اجراءات مساوية للصفر، فان ما يسمى بالمؤثرات الخارجية externalities (1) يمكن حلها عبر الاتفاق بين الاطراف المتأثرة، اي طرف يترك الاتفاق سيؤدى الى تغيير في التوزيع الناتج عن الاتفاقية. هذا يعني ان حقوق الملكية يجب ان تُعرّف قبل حل مشكلة المؤثرات الخارجية. هذا يجعل افتراض صفر لكلفة الاجراءات محل تساؤل.كما انه يتجاهل صعوبة الاشتراك بالمنافع المتحصلة من الاتفاقات التعاونية التي تنقل الاقتصاد الى المستوى المثالي المرغوب من كل الناس المشاركين.

الليبرالية الكلاسيكية والاقتصاد السياسي

هناك القليل من الشك ان اعادة بناء الليبرالية اصبحت مطلوبة في منتصف القرن العشرين. جهود هؤلاء الليبراليين الكلاسيك في القرن العشرين كانت حاسمة لهذا العمل من الاصلاح واعادة التشكيل. اتجاههم المثمر كان ان الفلسفة الليبرالية يمكن انعاشها فقط عبر التطبيق الصارم والقوي لها على المشاكل الاجتماعية لاقتصاد السوق الحر. هم كانوا جماعات مختلفة من المفكرين ذوي اتجاهات مختلفة في الاقتصاد السياسي. نقطة البدء للاقتصاديين الليبراليين هي الفردية ودفاعاتها – حكم القانون، حقوق الملكية، الحرية الاقتصادية والسوق الحر. ان الفردية individualism هي ليست الفردية المنهجية methodological individualism. التعبير الاخير يعكس الطريقة الاختزالية المطبقة من جانب بعض اقتصاديي الرفاهية الاجتماعية الذين يؤسسون "وظائف للرفاهية الاجتماعية" و"معايير للرفاهية" طبقا لافضلياتهم والتي من خلالها يستنتجون دليلا مرشدا للسياسة الاقتصادية، ومن ثم يحاولون تأكيد صلاحية هذه المعايير بجعلها مستندة على السلوك الفردي المفترض سلفا. مثل هؤلاء الاقتصاديين هم في الحقيقة جماعيون اخلاقيون يحاولون تغيير ادعائهم التراكمي حول العدالة الاجتماعية بعصا من الفردية المصطنعة.

في الواقع ان الاقتصاديين المتعددي التفكير يجب ان يكونوا متحررين بعمل الافتراضات التي يعتقدون انها اكثر انتاجية في توضيح الظاهرة الاجتماعية. الاساس يجب ان يكون فرديا والهدف هو العثور على الحقيقة – ان امكن. اختيار هؤلاء المفكرين الخمسة في اقتصاد السوق يبين صعوبة وجود ميثدولوجيا ارثودكسية واحدة في الاسئلة الاجتماعية: التعليل الفلسفي لهايك، النقد الاحصائي والمراجعة التاريخية لملتن فريدمن، التوضيحات الاقتصادية الجزئية والتنبؤ لدى بيكر، الديمقراطية الفردية لدى بوشنان، او التنظير المؤسسي الجديد الذي تبناه كوس يجب ان لا يُمنع لعدم انسجامه مع تصوراتنا الميثدولوجية المسبقة – مادام هؤلاء يحافظون على الفردية الصارمة ويعطون نتائج مثمرة.

* Library of economics and liberty,july 2016

.................................
الهوامش
(1) تشير المؤثرات الخارجية الى الموقف حينما يؤدي انتاج السلع والخدمات الى فرض تكاليف او منافع لأطراف خارج عملية الانتاج، دون ان تنعكس تلك التكاليف او المنافع في اسعار تلك السلع والخدمات المُنتجة. هذه المؤثرات على نوعين ايجابية وسلبية. المؤثرات السلبية مثل التلوث حينما يلقي صاحب المصنع بمواد كيمياوية في النهر فيؤدي الى موت الأسماك والنباتات في الاماكن المجاورة. اما المؤثرات الايجابية مثل بناء طريق يؤدي الى انعاش مناطق سكنية وتطوير تجارة او سياحة جديدة. اختراع الترانسستور خلق مؤثرات ايجابية هائلة في صناعة الاتصالات الحديثة والستريو وتجهيزات الكومبيوتر. تبرز هذه المؤثرات عندما لا تكون حقوق الملكية محددة بشكل واضح.
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق