بلغ حازم الثلاثون وهو يعيش أزمة فشل دائمة، فلم يكمل دراسته بسبب كسله المفرط، حيث كان بالكاد يقرأ ويكتب، وكثيرا ما كان ينام في الدرس، وطرد من المدرسة بعد أن اجتاز السن القانوني، نتيجة رسوبه المتوالي في الصف الخامس الابتدائي، حيث كانت أخر محطاته الدراسية، ولم ينجح في أي عمل، حيث كان يطرد دوما نتيجة كسله أو سوء تصرفه، حتى جرب حظه ليكون لصا، فتم الإمساك به، وهو يهم بسرقة دجاج جاره، فقام بضربه حتى حلف حازم أنه لن يعود للسرقة، فكان نكتة الحي في تلك الأيام.

حازم كان دوما يشعر بالحسد والبغض لابن عمه صادق، الذي أكمل دراسته وتخرج من الجامعة، وكانت كل العائلة تقدر وتحترم صادق، الناجح دوما في تصرفاته، والكل يتوقع له مستقبل باهر، بخلاف حازم الذي كان نكتة المجالس العائلية، وكانت صفة الفشل والكسل لا تفارقه.

في احد الأيام شاهد فلما للممثل المصري سمير غانم، عن إنسان فاشل، تخلص من الفشل بالزواج من العوانس، فكبرت الفكرة في مخيلته، ليقرر أن يتزوج باسلوب سمير غانم، حيث اعتبر الزواج هو طوق النجاة من واقعه، فبحث عن زواج استثماري، يكون له فيه مغانم مادية، حتى وجد ست صبيحة، المعلمة التي عبرت الأربعون عاما، وهي فتاة غير جميلة، فتقدم لها بشرط أن تساعده بأول الزواج، فوافقت فرحة بل غير مصدقة أن يتحقق الاعجاز.

وتم الزواج، حيث استأجر حازم بيت، وزوجته هي من تدفع إيجاره، واشترت له سيارة (كيا) ليعمل بها، فعاش أشهر في بحبوحة وسعادة، وسيطر تماما على المسكينة صبيحة، خصوصا بعد ولادة الطفل الأول، واخذ كل مدخراتها، مدعيا أن سيدخل مشروع كبير، فأما الموافقة والا الطلاق، فتحول لوحش البيت، الأمر الناهي، وعلى صبيحة الطاعة التامة.

كان حازم يردد كلمات تعبر عن حاله: ((كن ذكرا تكن غنيا))، فالمسالة للصعود تعتمد على مدى ذكوريته، والنجاح عبر الإيقاع بنساء قد فاتهن القطار، وحانت الفرصة لاصطياد فريسة أخرى.

تزوج حازم مرة أخرى، من موظفة أربعينية تستلم راتب كبير، الست نوال، كانت بالتاسعة والأربعون عاما، لا تشبه النساء بشيء الا بالاسم، حيث فقدت أنوثتها نتيجة العمل والزمن، فلم تصدق أن حازم يطلب يدها، وافقت فورا على كل شروطه، فهو صارحها انه لا يملك شيء، وانه يطلب مساعدتها له ماديا في أول الزواج.

وتم الزواج، واشترت زوجته بيتا للسكن، وسيارة كيا للعمل، بل واخذ سيارتها الصالون، ليتسكع بها في بغداد، وتحول لسيد البيت يأمر وينهي، وعلى نوال أن تطيع والا طلقها.

مع الأيام أصبح حازم يعرف بالحاج حازم! حيث تكاثرت الباصات التي يملكها، والدكاكين التي افتتحها، ولديه أربع بيوت وجيش من الأطفال، وكسب احترام عائلته وأقاربه وأهل الحي، احترام يعتمد على حاله الجديد، بعد أن كان نكتة الحي، سارق الدجاج الفاشل، لينقلب الميزان وتصبح الناس تتملق الحاج حازم.

في ذلك اليوم شاهد ابن عمه صادق مصادفة، وهو بثياب رثة وبحال لا تسر، حاملا ابنه المريض، فصادق مجرد موظف بسيط، لا يملك شيئا في الحياة، مستأجر بيتا، وفي عسر دائم، كحال اغلب الموظفين، فقال حازم:

- كيف حالك يا ابن العم، تبدو متعبا؟

- الحمد لله، أني بخير.

- هل ترى تصاريف الحياة، الناس الان تحترمني لا تحترمك، ومن كان بالأمس يستهزئ بي، الان عبدا عندي، انظر لم تنفعك دراستك ولا نجاحك، فالنجاح الحقيقي هو ملكي، وأنت لم تكسب الا الوهم.

ضحك صادق بصخب كبير، وتكلم بطريقته الخاصة، التي تدلل على علو شخصه، وصغر المستمع، فقال لحازم:

- انه نوع من انقلاب الموازين، لكن صدقني يا حازم مهما ملكت من الأموال، ستبقى ذلك الفاشل الكسول سارق الدجاج، ومن يتملقك فليس لشخصك بل لمالك، وخلف ظهرك الكل يتناقلون ماضيك العجيب، ومازالوا يتضاحكون حول سيرتك الغريبة، ولولا الدنانير لما مدحك احد، ولما أتاك زائر.

- مازلت في غرورك وتكبرك القديم، حتى وأنت فقير، كنت ارغب في إعطائك بعض المال، لكن بغرورك سددت باب مساعدتي لك.

ضحك صادق من جديد بصوت عال، ونضر شزرا لحازم ليصوب له كلمات:

- أنا لا احتاج مساعدتك، لأني بخير، فقط المرضى هم من يحتاجوك.

تسمر حازم في مكانه، فأحاسيس الزمن اتجاه صادق لم تتغير، فمع ما يملك الان من ثروة، فانه ما أن شاهد صادق حتى أحس بأنه حشرة أمام جبل عال، حاول أن يفهم دوافع هذا الإحساس، لم يصل إلى شيء فقط لازمه حزن، فمسالة علو الشأن والاحترام لا تتعلق بالمال، بل بشيء أخر لا يعرفه.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق