كشف التفجير الإرهابي الذي حدث في حي الكرادة في بغداد فجر الثالث من تموز الحالي، وبآثاره الإجرامية المفجعة، المتمثلة بإزهاق أرواح عشرات المواطنين الأبرياء وإهراق دماء العشرات الآخرين من الجرحى في المحلات والمقاهي والأبنية والطرقات في هذا الحي المظلوم الذي تعرض الى مثل هذه الإنتهاكات الإجرامية مراراً منذ العام 2003، كشفت مرة أخرى عن هشاشة الملف الأمني في العاصمة بغداد وخاصة في حي الكرادة الحيوي والمكتظ بالسكان والوافدين من جميع أحياء بغداد للتسوق والتمتع بأوقات عائلية رمضانية وإستعداداً لإستقبال عيد الفطر المبارك..

لكن العصابات الإجرامية التي فقدت عنصر المبادأة بالقتال وخسرت الكثير من دعايات القوة والقدرة على الإحتفاظ بالاراضي التي إغتصبتها في غفلة من الزمن والإداء العسكري والشرطوي المهلهل السابق، وبقيادة عملياتية وقيادة عامة للقوات المسلحة أقل مايقال عنها أنها فرطت بالوطن عن طيب خاطر.. كما كشفت هذه الحادثة الإجرامية عن مدى الفشل الذريع الذي طالما حذرنا منه ـ وحذر الكثير من المتصدرين للشأن الأمني والإعلامي والسياسي ـ لجهاز(كشف الزاهي وحشوات الأسنان ) والذي حامت حوله الشبهات منذ الفصل الأول من مسرحية إستيراده والتي راح ضحيتها مدير مكافحة المتفجرات السابق اللواء جهاد الجابري حيث تم الحكم عليه بالسجن لعدد من السنوات في العام 2012 دون أن يطلع الراي العام العراقي على ملابسات الإتهام وأسماء الأشخاص المتورطين بهذه القضية خلا اللواء الجابري.. ودون أن يستبدل بالتقنيات الحديثة التي تتوفر بالأسواق العالمية والعراق قادر على إستيرادها مثل سيارات الكشف المبكر للمتفجرات ( راب سكان ) التي يتواجد عدد منها فعلاً في وزارة الداخلية حسب تقارير إعلامية.

لقد ساهمت عوامل محددة في هذا الخرق الأمني الفظيع في العاصمة :

ـ أولها الصدمة التي أصابت قيادة تنظيم داعش البعثوهابي في طردهم من الفلوجة بهذا السيناريو البطولي الذي لم يشهد له التأريخ العسكري العالمي نظيراً في التنظيم والتسليح والتجهيز والقيادة والسيطرة والسرعة والمهنية في الحفاظ على ارواح المواطنين المدنيين والبسالة في بذل التضحيات وجني ثمار الإنتصارات، وحين نقول الفلوجة فإننا أزاء مدينة تعج بمعامل التفخيخ المستنسخة من منشأة التصنيع العسكري الصدامية والتي على ما يبدو انتقلت تلقائيا هي ومنتسبوها الى هذه المدينة التي إهتم بها النظام السابق كثيراً لإعدادها فكرياً ومادياً لهذا الوقت التي شكلت فيه سكين خاصرة لبغداد العاصمة، لقد أوضحت التقارير التلفزيونية المُعَدّة من داخل المدينة بعد تحريرها أن ثمة معامل كاملة متكاملة بمكائن الخراطة والفريزة الحديثة والمصنعة محلياً وخزيناً ستراتيجياً من مواد التفجير تكفي لإحراق العراق برمته. وهذه الصدمة السوقية المفاجئة تطلبت من الإرهاب البعثوهابي أن ينتقم بطريقة واسعة ويستنفد كافة طاقاته التفجيرية بعمليات نوعية تساوي حجم الهزيمة التي مني بها في جبهات القتال مع قواتنا العسكرية والحشد الشعبي والحشد العشائري.

ـ الرسائل المشفرة التي يطلقها بين الحين والآخر السفير السعودي غير المرغوب فيه ثامر السبهان في العراق والتي يستهدف فيها قواتنا العسكرية والحشد الشعبي بطريقة تحريضية واضحة مما يفهم منها أنها أوامر سعودية لضرب الشعب العراقي في العمق عقوبة له لإسقاطه أسطورة داعش في العراق، وإثارة الرأي العام الجماهيري ضد الحكومة لفتح ثغرة يتمكن بها تحطيم العملية السياسية برمتها. ولاتبتعد هذه المواقف والرسائل المشفرة عن مثيلاتها التصريحات التي يطلقها وزير مهلكة الإرهاب عادل الجبير بين الفينة والأخرى في الإتجاه ذاته.

ـ إنشغال قيادة عمليات بغداد بأعمال قتالية كبرى خارج العاصمة بغداد في الكرمة والصقلاوية والفلوجة وكذلك في قاطع مكحول وقواطع أخرى وتحقيقها إنتصارات باهرة على العدو هناك، وعدم حسم تسليم الملف الأمني للعاصمة الى وزارة الداخلية، يصاحب هذا الخلل الحملة التي يشنها بين الحين والآخر سياسيون من اللجنة الأمنية للبرلمان العراقي وغيرهم لتسقيط وزارة الداخلية والتهجم المتناوب على شخص الوزير والتقليل من أهمية ماتقوم به الوزارة من جهود إستخبارية ولوجستية في بغداد وكذلك في قواطع العلميات ضد الإرهاب بواسطة الشرطة الإتحادية المنسوبة إليها التي ضربت أعظم الأمثلة في القضاء على داعش وتحرير المدن من قبضته الدموية، والشرطة الإتحادية ذاتها لم تسلم من تهجم رئيس اللجنة الأمنية في البرلمان على قائدها المرابط في السواتر وكيل التهم العشوائية إليه لدواعٍ سياسية وشخصية صرفة، دون وازع وطني أو وجداني، مما أنتج تقاطعات بين القيادات المسؤولة عن حماية العاصمة لم يتمكن القائد العام للقوات المسلحة من ترتيب أوراقها المبعثرة كما فعل بالتشتت والتقاطع الذي اصاب قيادات العمليات في قواطع الجبهات ضد الإرهاب.. حيث إستطاع ثمة من لملمة وترتيب أوراق القيادة والسيطرة وتوحيد الجهود وإنسجامها بين القيادات العسكرية المختلفة وبضمنها قيادات الحشد الشعبي مما أنتج وضعاً مثالياً لإدارة العلميات الناجحة.

ـ صحيح اننا كثيرا ما نسمع ان الأجهزة الإستخباراتية في العاصمة والمحافظات القريبة لها تمكنت في أوقات كثيرة من إحباط هجومات مفترضة كانت تخطط لها العصابات الإجرامية ووأدها في مهدها وتقديم مرتكبيها والمخططين لها الى العدالة، لكن هذه النجاحات المتفرقة والمتباعدة في توقيتاتها لم ترتقِ الى مستوى مواجهة العمل الإرهابي قبل حدوثه.. نحن نعترف أن دولاً عظمى مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وتركيا وبلجيكا وبكل طاقاتها الإستخباراتية العملاقة لم تتمكن من درء الخطر الإرهابي عن مواطنيها بعمليات إستباقية.. وحصلت فيها خروقات أمنية دموية ضد الأبرياء.. لكن ثمة أعمالاً متميزة قامت بها القوات الأمنية العراقية لاتقل مهنية ونتائجية عن تلك التي حصلت في الدول آنفة الذكر.. ومع ذلك فإن كل ماتقوم به هذه القوات لن يكون مثمراً وجاداً إلا حين يلوذ الإرهاب باليأس والقنوط وفقدان الحيلة قبل التفكير بإستهداف المواطنين الأبرياء في الشوارع.

وأخيراً وليس آخراً.. على الجهات الحكومية والبرلمانية والقضائية أن توحد صفوفها وتختزل الفراغات التي تباعد بينها والخروج بعمل كبير يرقى الى غاية حفظ الدم العراقي وكرامة البلاد.. ورب قولٍ أنفذ من صول.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق