وبينما كان الدبلوماسيون الأتراك ينسقون المواقف للبحث عن أفضل السبل لإنهاء الخصومة مع موسكو الغاضبة بعد إسقاط طائرتها السوخوي على مقربة من الحدود السورية بينما كانت في طلعة قتالية قرب جبل التركمان الحدودي. وبينما كانت الدبلوماسية التركية تنسق وعلى أفضل وجه مع حكومة نتنياهو لإعادة سفيري البلدين الى أنقرة وتل أبيب، والتمهيد لخطوات أكثر جدية لتعويض ضحايا سفينة مرمرة التي نقلت المساعدات الى مواطني غزة المحاصرين قبل سنوات عدة وتعرضت لهجوم عنيف من البحرية الإسرائيلية.

وبينما كانت تبحث عن طريقة ما لإعادة العلاقات مع مصر الى سابق عهدها وتجاوز مرحلة الإخوان التي إنتهت في غير صالح السيد أوردوغان مع محاولات سعودية لرأب الصدع بين القاهرة وأنقرة. وبينما يجري الحديث عن تخفيف الضغط على نظام الرئيس بشار الأسد خلال المرحلة المقبلة، وبينما تطور تركيا علاقاتها مع الجارة القوية إيران على الصعد كافة، وتحاول الخروج من تبعات سياسات غير منطقية دفعت ثمنها غاليا، وبينما يحاول الأتراك تطبيق سياسة رئيس الوزراء المعزول قسرا أحمد داود أوغلو المسماة (سياسة تصفير المشاكل) وبينما وبينما وبينما إذا بإنفجارات متتابعة تهز المطار الأثير الى قلبي والمطل على ساحل المتوسط في المدينة الرائقة إستنبول، وإطلاق نار أدى الى مقتل العشرات وجرح أمثالهم وعطل الحركة الجوية التي لاتكاد تهدأ على مدار الساعة، وكما جربت ذلك بنفسي طول مايزيد على الستة أشهر حين كنت أستخدم مطار أتاتورك الشهير للسفر عبره الى أوربا والى مدن تركية أخرى، أو حين العودة والذهاب من والى بغداد الغالية.

ليس من مشكلة ولاداع للتفسير سوى بالنسبة لرجال الأمن الأتراك في محاولة لمعرفة الجناة والمنظمات التي يمكن أن تكون قامت بالعمل المشين، فالحكومة التركية لاتحتاج للتفكير مليا بمن قام به طالما أن لها أعداءا كثرا من الأكراد والأتراك الناقمين والحركات القومية في هذا البلد الجميل، وداعش والمخابرات الإسرائيلية والأمريكية والروسية وووووو. فالرسالة قد وصلت، ولابد لحكومة أوردوغان أن لاتتوقف عند فرضية واحدة طالما أن المستفيدين كثر في منطقة مضطربة، ومرشحة للمزيد من الإضطراب والإقتتال والإفتتان بما يمكن أن يحدث في الفترة القليلة القادمة.

خلال السنيتن الماضيتين كانت السياسة التركية تتصف بنوع من الإنفعال الوجداني في التعامل مع القضايا الدينية خاصة حين ساعدت في تمكين الإخوان من حكم مصر ولو لعام واحد كان كافيا لإحداث نوع من الغضب عند المصريين لايمكن أن يهدأ مالم تغير تركيا من سياساتها، فالجيش المصري والأجهزة الأمنية مع قطاع واسع من النخب الثقافية والسياسية والدينية والمجتمعية العادية سحقوا الإخوان دون خشية من ردات فعل من هذا الطرف أو ذاك، وقد بدت نتائج اللامبالاة المصرية بسرعة حيث إستسلم الأمريكيون للأمر الواقع وعادوا يتملقون القاهرة ونشطت عواصم أوربية في إحياء علاقاتها مع القاهرة ونظام الرئيس السيسي تحديدا الذي صمد بالفعل ولم يتردد في إتخاذ مواقف حاسمة على الصعيد المحلي، أو في النظرة الى مايجري من أحداث عربية وإقليمية، وبرغم من علاقته الوثيقة مع الرياض إلا إنه أصر على موقفه من أحداث سوريا التي حصل النظام فيها على مايريد من القاهرة ( الحياد على الأقل).

تركيا تدفع الثمن غاليا. فهي اليوم مضطرة للإعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية المقاتلة، مضطرة للتصالح مع إسرائيل وقبول التعويض المالي عن ضحايا السفينة مرمرة، مضطرة لتخفيف ضغطها على الرئيس الأسد، مضطرة للعودة الى حوار نافع مع القاهرة، مضطرة لتحمل مشاكل التنظيم الأخطر، داعش الذي بدا أول الأمر أن أكثر المستفيدين من نشاطه هم الأتراك أنفسهم، مضطرة لمواجهة الإرهاب بأشكال عدة وغير متوقعة، مضطرة لسماع دوي الإنفجارات في الشوارع والمطارات وفي الأسواق المكتظة، مضطرة لنقل نعوش جنودها القتلى على جبهات الحرب مع العمال الكردستاني، مضطرة للبحث عن عناصر تنظيم (صقور كردستان) الذين يفجرون متى ماشاءوا ويفعلون مايشاءون وفي الوقت الذي يريدون..

إعتذرت تركيا ولكنها إنفجرت..

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق