منذ سقوط النظام الصدامي، هذه المدينة الثرية التي تربض على نهر الفرات تظهر انها قلعة للتمرد، مدينة متفردة بفسيفساء صعب الهضم، شكل ابنائها صفوة الحرس الخاص والمخابرات في ظل نظام صدام حتى انه كان يعدها ميدان للرماية الجوفاء حين كانت فرق التفتيش الاممية تداهم قصوره الرئاسية في ظل سعيها للكشف عن أسلحة الدمار الشامل ٢٠٠-٢٠٠٢، ولكن في ذات الفترة تعتبر الفلوجة مدينة ذات طابع ديني متشدد تميل للمذهب الوهابي، وهناك حملة في بناء الجوامع وحماسة في إلقاء الخطب وتدريس القرآن.

تحتوي الفلوجة على رجال اعمل وتجار وثروات واكاديميين بنسبة عالية مقارنة بمدن اخرى، حتى تم افتتاح جامعة الفلوجة بقيادة وكوادر(فلوجية) بحتة وهناك ايضا جهل وأمية وتراجع واقع المرأة في هذه المدينة التي رغم قربها من بغداد ٧٠ كم ووقوعها على طريق بحيرة الحبانية كمعلم سياحي وترفيهي مهم، الا انها ظلت عصية على المدنية، رغم ان بعض ساكنيها يعيشون في مدينة بغداد بقيم وآراء وسلوكيات تختلف عن ما يمارسونه في مدينتهم، وكانت القيم تتبدل كالأثواب فشتان بين ان ترتدي الجينز في منطقة المنصور او الدشداشة والغترة في الشارع التجاري للفلوجة.

مارست الفلوجة اول انواع (التطهير) بعد عام ٢٠٠٣ حين طلب من العوائل الشيعية او حتى من الفلوجي اذا كانت زوجته شيعية ان تغادر المدينة او تقتل، بل في فترات متقدمة قتل البعض دون ان يمتلك حق المغادرة مع مصادرة امواله وهويته.

مدينة غريبة، رفعت الراية البيضاء امام الأمريكان وتفاوضت معهم وكان عراب المفاوضات هو السياسي (خلف العليان) وكان الاتفاق هو الاستسلام مقابل عدم الدخول المباشر للمدينة لتبتلع المدينة جزء مهم من ترسانة جيش صدام وتشكل مأوى مثالي لكبار الضباط ومنتسبي الأجهزة القمعية، ولكنها عادت لتقتل وتحرق جثث ثلاث امريكيين في مشهد سادي سيتكرر لاحقا مع اختلاف الضحايا، حيث ان مزيج (السلاح والكراهية) يأبى الا ان يقدح زناده على يد تلك المدينة.

ومرة اخرى تناقض الفلوجة نفسها، حين رفضت العملية السياسية برمتها وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، لتزج لاحقا العديد من ابنائها الى سدة الحكم (رافع العيساوي) و(سلام الزوبعي) وغيرهما ليجني كل منهما حظه في تقلد اعلى المناصب السياسية والحزبية مع الحفاظ على علاقاتهم مع المدينة المتمردة.

وتستمر الفلوجة في رفع راية العصيان في كل مناسبة، وغالبا دون مناسبة ايضا، وتتمادى المدينة في تصدير السيارات والانتحاريين، ولتكون الملاذ الامن للإرهاب تنظيرا وتنفيذا، وتُمارس على جسورها وفي ساحاتها حفلات الشنق والذبح العلني دون اي عقوبة او رادع او تردد، وتحقق سمعة اقليمية وإسلامية وتقدم نفسها برمزية طائفية عالية، وتعلن انها عصية على الانحناء للاسباب التالية؛

1- جغرافيتها المعقدة.

2- وجود الأسلحة والدفاعات.

3- حماية اقليمية وشبه دولية.

4- الواقع السياسي الداخلي الذي يسهم ببقاء الفلوجة متمردة.

5- الهالة الإعلامية.

6- وجود فكرة ان استهداف الفلوجة هو حرب ضد السنة.

ان كل هذه الظروف وغيرها، تم تجاوزها في عمليات ١٥ شعبان، ان الانتصار الذي تحقق في الفلوجة رغم صعوبته وكلفته البشرية والمادية الا ان رمزيته واهميته الاستراتيجية غاية في الأهمية، لان هذه المدينة المتمردة كانت سكين في خاصرة العاصمة، آن الاوان لكسرها، واعادة هذه المدينة العنود الى بيت الطاعة الوطنية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق