شهدت منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج العربية ثلاث زيارات هامة لمسؤولين أمريكيين خلال شهر نيسان الجاري، الأول لوزير الخارجية الأمريكي، (جون كيري) 6 نيسان الجاري، الثانية لوزير الدفاع (آشتون كارتر) منتصف شهر نيسان، والثالثة والاهم كانت زيارة الرئيس الأمريكي (باراك اوباما) يوم 21 نيسان، والتي استهلت بالمملكة السعودية كمرحلة أولى، وذلك ضمن جولة خارجية له تشمل بريطانيا وألمانيا أيضا، وان هدف زيارة الرئيس الأمريكي كما هو معلن في وسائل الإعلام هي لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي والتي عقدت في الرياض برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز، وبحث التعاون الأمني بين الولايات المتحدة ودول المجلس منذ القمة التي استضافها أوباما عام 2015 في كامب ديفيد، ولمناقشة تكثيف جهود مواجهة تنظيم "داعش" والصراعات الإقليمية وسبل تقليل حدة التوتر الطائفي في المنطقة.

وتأتي زيارة "أوباما" إلى السعودية في ظل استمرار فتور العلاقات بين واشنطن والرياض، وهناك تباين واضح في موقف البلدين تجاه مستقبل الصراع على سوريا، وكذلك الموقف من إيران، فضلًا عن أنها تأتي في الوقت الذي تتسع فيه الهوة بين الرياض والولايات المتحدة الأمريكية، على ضوء تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما لصحيفة اتلانتك، اتهم من خلالها السعودية ومجلس التعاون الخليجي بالإرهاب، إلا إن هذه الزيارة تأتي أيضا في ضوء حدوث تطورات هامة على مستوى قضايا المنطقة، وأهمها القضية السورية واليمنية، كذلك زيارة ملك السعودية للقاهرة والاتفاق على إعادة جزيرتي تيران وصنافير للسعودية بعد عقود من السيادة المصرية عليها، وتأتي أهمية الزيارة للدولتين من عدة جهات منها:

1- تأتي زيارة الرئيس باراك أوباما للسعودية يوم 21 نيسان للمشاركة في قمة لدول مجلس التعاون الخليجي، لتخفيف بوادر توتر يشوب أجواء العلاقة بين الرياض وواشنطن بسبب مشروع قرار في الكونغرس الأمريكي يسمح بمحاكمة مسؤولين سعوديين بتهمة التورط في أحداث الـ 11 من أيلول/سبتمبر 2001، وهو أمر غير مسبوق في العلاقات الأمريكية السعودية التي يعتقد بأنها علاقات راسخة ومتينة في المنطقة منذ العام 1945، لهذا يحاول الرئيس الأمريكي أن يخفف من تأثير هذا القرار على العلاقات بين الدولتين.

2- مناقشة موضوع خارطة الشرق الأوسط الجديد والاتفاق عليها والتنسيق بين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والتحالف الإسلامي بقيادة السعودية وتحديد الأهداف والخطط المشتركة بين التحالفين في الحرب ضد الإرهاب، وردم الصدع الذي أصاب العلاقات السعودية الأمريكية بالفتور بعد الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1، وان هذه الزيارات والاتفاقات التي ستتمخض عنها، ستشهد الحرب على الإرهاب تغييرات فعلية على الأرض، خاصة وان إرهاب تنظيم داعش بات على أبواب الرياض بعد العديد من العمليات الانتحارية في السعودية، لهذا فان هناك رغبة سعودية في التعاون مع أمريكا لمواجهة الإرهاب.

3- تحاول السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي من خلال هذه الزيارة التأكيد على تحالفها الاستراتيجي مع أمريكا، وإنها دول مهمة لها، ولا يمكن لأمريكا الاستغناء عنها في أحداث المنطقة، وطرح بعض القضايا التي تخص المنطقة على الجانب الأمريكي ومنها مسألة إدراج فصائل المقاومة الشيعية العراقية المسماة بالحشد الشعبي على لائحة الجماعات الإرهابية حالها حال حزب الله اللبناني، إذ بعد الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني بدأت دول الخليج تنظر لأي تعاون إيراني مع دول المنطقة بأنه موجه اليها، وبهذا تحاول بكل الوسائل الوقوف ضده.

4- إن دول الخليج عامة والسعودية خاصة تحاول أيضا الضغط على الجانب الأمريكي من اجل تعديل الاتفاق النووي مع إيران، وخاصة الضغط على إيران فيما يخص الصواريخ البالستية، التي تعدها دول الخليج تهديدا مباشرا لها، خاصة وان السعودية كانت أولى الدول التي رفضت الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1، وقد أصاب علاقاتها مع أمريكا بعض الفتور بسبب هذا الاتفاق، لهذا فهي تحاول جاهدة حسب اغلب المراقبين من ثني الإدارة الأمريكية عن المضي في هذا الاتفاق والضغط على إيران، ومحاصرتها من خلال ضرب تواجدها في سوريا واليمن والعراق.

5- رغم تكرار زيارة وزير الدفاع الأمريكي للمملكة السعودية، إلا أنه ما زالت العلاقة على أعلى المستويات بين البلدين لم تتحسن منذ القمة بين أمريكا ودول الخليج في كامب ديفيد، لأن كثيرا من صفقات السلاح التي وعدت بها الولايات المتحدة لدول الخليج في كامب ديفيد متوقفة، مثل مبيعات مقاتلات أف 15 لقطر وأف 18 للكويت، كما أن الاختلافات بين السعودية والولايات المتحدة بشأن سوريا أصبحت أكبر، والعلاقات الثنائية تبدو باردة أكثر من أي وقت مضى، لهذا رغبة السعودية من هذه الزيارة أن تقدم أكثر من صفقات السلاح للرياض، لمشروعها الجديد وهو الحلف الإسلامي سواء على المستوى السياسي أي الدعم المعنوي، كذلك الدعم العسكري بالمعدات المتطورة، هذا الحلف الذي ضم 35 دولة، وتجمع قوات رعد الشمال في شمال المملكة وإجراءها المناورات العسكرية، وهناك مناورات جوية وبحرية بين تركيا وأمريكا ودول الخليج، وتطمح السعودية وتوفيق الرؤية بين الولايات المتحدة والسعودية بشأن المنطقة.

6- بحسب المراقبين السياسيين فان هذه الزيارة في هذا الوقت مع التطورات في المنطقة تنبأ بحصول أمر كبير في المنطقة خلال الفترة القادمة، خاصة وإن الولايات المتحدة تريد حسم معركتي الموصل والرقة قبل مغادرة اوباما للبيت الأبيض، وبهذا فالرئيس اوباما بحاجة إلى دعم سعودي للضغط على أفراد المجموعات المسلحة التابعة لها في سوريا للتعاون مع أمريكا ضد داعش، لتحرير الموصل، لكي يحقق الرئيس اوباما نصرا يمكن إن يساعد حزبه في الانتخابات القادمة.

7- كذلك تحاول الرياض ومعها دول الخليج الحصول على الدعم الأمريكي المطلق لدورها في سوريا واليمن، إذ تحاول السعودية أن يكون لها موطئ قدم في مفاوضات السلام السورية وان تراعي مصالحها في سوريا، كذلك الحصول على الدعم الأمريكي في حربها في اليمن خاصة وإنها وبعد عام من انطلاق عملياتها هناك لم تحقق من أهدافها شيئا يذكر. كما إن بعض دول الخليج والتي دخلت الحرب في اليمن ومنها الإمارات العربية المتحدة هي الأخرى تحاول الحصول على الدعم الأمريكي لقواتها المتواجدة في عدن بعد الهجمات التي يقودها تنظيم القاعدة وداعش في عدن وأدى الى مقتل عدد من الجنود الإماراتيين ومسؤولين يمنيين في عدن، وقد قدمت الإمارات طلبا رسميا لأمريكا لدعم قواتها في عدن.

على الرغم من إن تاريخ العلاقات السعودية الأميركية يتأرجح بين "الصعود والهبوط"، وأن علاقة البلدين تتدهور منذ 15 عاما بسبب خلافات عديدة، إلا أن البلدين مازال كل منهما بحاجة إلى الآخر في ملفات مهمة في منطقة الشرق الأوسط تحظى باهتمام مشترك وتوافق بين البلدين، إن تلك الزيارة لن تعيد علاقة واشنطن بالرياض إلى سابق عهدها، وإن الخلاف بين الدولتين لا يرجع إلى شخص الرئيس أوباما، لأن هوية الرئيس تشكل نحو 20% فقط من السياسة الأميركية، في حين أن 80% تشكل موقف مؤسسات الولايات الأميركية، وأن السياسة الأميركية لن تتغير كثيرا برحيل أوباما، خاصة وان الرئيس الأمريكي كان قد حث كلا من إيران والسعودية على إنهاء خلافاتهما، وأكد إنهما جيران وعليهما التعايش معا في المنطقة، وهذا يدل على ان هناك تغير في السياسية الأمريكية تجاه دول الخليج وعلى رأسها السعودية، وان على دول الخليج أن تبني سياستها الخارجية المستقبلية على ضوء تغير السياسة الأمريكية.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

اضف تعليق