كثيرون هم الذين انساقوا وراء الشعارات التي طرحها النواب المعتصمون، بعد أن رأوا فيها بارقة أمل في القضاء على المحاصصة والطائفية السياسية؛ التي نخرت البلاد وفرقت العباد، دون أن يلتفتوا إلى أن المحاصصة والطائفية أمران قامت عليهما هيكلية السياسة العراقية المعاصرة وفق التخطيط الأمريكي، الذي ورث قاعدة (جلد الثور) البريطانية القديمة، أو ما يعرف بسياسة (موطئ قدم) في المفهوم السياسي المعاصر، وهو أن يبقي المحتل لنفسه موطئ قدم في البلاد التي يريد مغادرتها ظاهرا، يسمح له بالتحرك السريع للتأثير على القرارات وتوجيهها إلى مصلحته، أو مع ما يتوافق مع رؤاه، وفي مثل هذه الحال لا يمكن أبدا التخلص منهما بمجرد رفع الشعارات، لأنهما أكبر من الشعارات ومن مطلقيها.

بل إن الوضع المأزوم للبلاد؛ التي تقف على حافة الانهيار لا يسمح بتجاوز هذه القاعدة الغبية، وهذا يعني أن هذين الشعارين يحتاجان إلى ثورة حقيقية عقائدية تقتلعهما من الجذور، وتعيد بناء المنظومة القانونية والدستورية والسياسية بشكل جديد، وهذا ما لا يمكن تحقيقه على يد الوجوه السياسية المستهلكة؛ التي فشلت في إدارة البلاد على مدى ثلاثة عشر عاما مفصلية.

وسرعان ما بانت ملامح الصورة القديمة، وجاءت التأكيدات على ما نعتقد ونوقن به من خلال ما حدث بعد الاعتصام مباشرة، وفي الجلسة الأولى للمجلس التي نظمها المعتصمون، فبعد أن نجح المعتصمون في جلستهم تلك بالتصويت على إقالة رئيس البرلمان الدكتور سليم الجبوري؛ وهو من المكون السني، وقد رشح لمنصبه وفق ما عرف في حينه باسم (حصة الاستحقاق النيابي)، تم اختيار (رئيس السن) للبرلمان بدعوة من النائب المعتصم حاكم الزاملي وفق قاعدة السن المعروفة، وقد حرص المعتصمون على أن يكون رئيس السن من المكون السني تحديدا في ترسيخ ثابت لسياسة المحاصصة.

ثم لما تم التصويت على إقالة نائبي رئيس البرلمان، بدأت القوائم الشيعية الكبرى بالتقاتل فيما بينها للاستحواذ على منصب النائب الأول، الذي كان وفق قاعدة المحاصصة القديمة من استحقاق (المكون الشيعي) تحديدا.

وبالتالي يتضح بما لا يقبل الشك أن التغيير في العراق يكاد يكون في غاية الصعوبة لأن النظام الانتخابي القائم لا يعطي للنائب المفرد من القوة ما يمكن معه ومن خلاله أن يفرض رأيا أو يتخذ موقفا مخالفا لرأي أغلبية قائمته.

وأنا هنا لا أريد الاستعجال بالحكم على هذا الحراك بالفشل، فالأيام حبلى بالمفاجئات، وما يمكن أن يحدث في الأيام القليلة القادمة لا يعلمه إلا الله تعالى، وأمريكا، ودول الجوار ذات المصلحة بما يحدث، وكبار رجال السياسة العراقيين، ولا ننسى دور الإقليم المتمرد؛ الذي يشترك مع رؤساء الكتل النيابية والأحزاب في سياسة (لو ألعب، لو أخرب الملعب)، وكأن الملعب لم يخرب إلى الآن بفعل لعبهم وضحكهم على الذقون.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق