على قدر الالم يكون الصراخ، وعلى قدر قسوة ووضوح كلمات الرئيس الامريكي باراك اوباما في حواره المطول الاقرب الى الشقشقة مع جيفري جولدبيرج على مجلة "ذا أتلانتيك"، كانت الردود السعودية التي اتخذت كالعادة -او المتاح على الادق- من الساحة الاعلامية مجالا لتوجيه العتب واللوم الى الرئيس الذي ادار ظهره لـ"صداقة المملكة المستمرة لثمانين عامًا" في عملية مؤسفة من الـ"انحراف بالهوى" كما يقول الامير تركي الفيصل في مقاله المنشور في الشرق الاوسط تحت عنوان يعبر عن الصدمة والغيظ من الحليف الاكبر الذي تنكر للقائمة الطويلة من الايادي البيضاء للمملكة على السياسة والاقتصاد الامريكي والتي يرددها سمو الامير بحسرة الزوج المخدوع وهو يجد نفسه في آخر طابور من يعلمون..

لا.. يا سيد أوباما.. نحن لسنا من يمتطي ظهور الآخرين لنبلغ مقاصدنا. يقول سمو الامير في اول مقاله الذي كان القاطرة لجميع الاقلام السعودية -والممولة سعوديا- في ملء اعمدة الصحف بمقالات التشكي من السياسة الامريكية التي تحاول الولايات المتحدة ورئيسها الملول من خلالها لملمة اذيال الثوب الامريكي من شظايا النزق السعودي العضال..

مقال محشو بالكثير من الـ"نحن" التي وصل بعضها الى حد التوسل بماضٍ طرزته العديد من الخدمات التي كانت المملكة تقدمها للصديق الامريكي والتي قد يثير بعضها شجون وذكريات تعيد المياه الى مجاريها وان كان سمو الامير لم يكن موفقا في ذكر بعض المحطات التي قد توضع في خانة الرشى وشراء المواقف اكثر مما تتحمل علاقات التعاون والصداقة التي يتشبث بها سموه الذي ما زال يحتفظ بحرارة مصافحة تصور انها قد تفتح له ما استغلق من قلب وعقل الادارة الامريكية الصعبة الجحود..

فقد يكون من الصعب على سموه ومن خلفه الحكم السعودي، وفي هذه الظروف المالية الصعبة التي تمر بها المملكة تبرير العلاقة المتكافئة من خلال شراء " السندات الحكومية الأميركية ذات الفوائد المنخفضة التي تدعم بلادك"، او ابتعاث "آلاف الطلبة إلى جامعات بلادك، وبتكلفة عالية" او استضافة " أكثر من ثلاثين ألف مواطن أميركي، وبأجور مرتفعة"، ولو نظرنا للأمر من خلال النتائج المرجوة، نجد ان الخسارة كانت مضاعفة وبشكل يتناسب مع الاسى الذي يقطر من بين سطور سموه..

فلقد كان على المملكة، وقيادتها الحاكمة، ان لا يركنوا كثيرا للمقولات التي يتوسل بها سمو الامير مثل "دور المملكة القيادي في العالمين العربي والإسلامي" او "ضرورة مناهضة النشاطات الإيرانية التخريبية"، التي منّ عليهم بها الرئيس الامريكي، بل كان يفترض الوعي الكامل بذلك التحول السلس والمهذب، ولكنه المستمر منذ عملية انتقال القيادة الجوية للقيادة العسكرية المركزية الأمريكية من السعودية إلى قطر تحت ستار التمرين العسكري، وليتوج بتوقيع الاتفاق النووي مع ايران دون اخذ مركزية العامل الايراني في عقيدة المملكة السياسية والدفاعية في حسبان المفاوض الغربي ولا التضحيات الامنية والاقتصادية التي اتخذتها الرياض لتقوية الموقف التفاوضي لأمريكا والدول الغربية في مواجهة الجار اللدود الجاثم على طول الخاصرة الشرقية للمملكة..

يا سيد أوباما، هذا نحن.. يختتم بها الفيصل مقاله، ولكنها ما نبدأ به السؤال المستعار من آخر ملوك افريقيا.. ومن انتم.. ولم المملكة بالذات من تتموضع في خانة الضحية المستهدف من الاخطار الجلل التي تقرع على بوابته الشرقية.. وما هي الاخطار التي تتسلل الى جزيرة العرب متعلقة بالخيارات الفلسفية لبعض مواطني الجوار او من بين كتب الدعاء ومواضع السجود.. والاهم، هو ماهي الأسباب التي تجعل المملكة تحس انها مستهدفة كيانيا ووجوديا الى هذا الحد.. وما هي المعطيات التي تدفع النظام السعودي للظن بانه معني بهذه التهديدات حد الهلع.. او من كلفه بالتصدي لها على الاقل.. فالسعودية ليست بالدولة العظمى.. ولا تملك النموذج الذي يمكن ان يكون مصدر اشعاع فكري او تنويري للعالم.. وليس لها دور قائد -خارج عناوين الصحف- في مجريات الامور.. وليس لديها ما تقدمه للآخرين على المستوى العربي أو الإقليمي.. لا في التجربة الديموقراطية ولا في حقوق الإنسان ولا في الشفافية ولا في طهارة الحكم ولا في التعددية وتداول السلطة.. وهذا العناصر هي ما تهم الانسان في هذه المنطقة التي نعيش حاليا اكثر من الدخول في صراعات سياسية بامتياز منتحلة طابع التناقضات الايديولوجية والمذهبية والطائفية..

وهذا التوحل بالنزاعات الطائفية هو بالذات ما يجعل العالم غير مستعد للانخراط مع المملكة في مغامراتها العسكرية، وهو ما يقصده اوباما من خلال الدعوة الى ايجاد طريقة للتعايش مع دول المنطقة خارج حصر التدافع ضمن الاطر الطائفية فوق السياسية التي تشكل المستنقع الذي لن يكون الخروج منه بنفس الطريقة الاستعراضية التي واكبت دخولهم اليه..

في الرد على سؤال حول العلاقات بين ايران والسعودية، يقول وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف انه : على السعودية ان تدرك بان ايران حقيقة واقعية، ولكن يبدو ان المملكة تنظر الى ايران، وكذلك العراق وسوريا واليمن ولبنان، وكل العالم خارج حدود المملكة على انه اما وسيلة او مجرد احتمال..

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق