يأتي حديث السيد سليم الجبوري رئيس مجلس النواب عن "أهمية التفكير جديا بمرحلة ما بعد داعش " في كلمته التي ألقاها في مؤتمر "العشائر العراقية في نينوى"، كحلقة من مسلسل متواتر من الدعوات الى اهمية التخطيط الجدي والمسؤول للمآلات التي يبدو انها اصبحت اكثر وضوحا مع اضطراد المؤشرات على قرب اندحار تنظيم داعش الارهابي وانحسار تواجده على الارض العراقية نتيجة الانتصارات الكبيرة التي تحققت بسواعد ابناء القوات المسلحة من الجيش والقوى الامنية وتضحيات الشعب العراقي وطلائعه الحية والفاعلة من حشد ومتطوعين واعلاميين وبناة وناشطين.

وقد تكون هذه القراءات هي وراء الاتساع المضطرد الذي يشغله مصطلح "مرحلة ما بعد داعش" في الفضاء السياسي والاعلامي وما بين سطور واشارات القوى السياسية في تصوراتها للمتوقع من تقاطعات ومستعصيات من الممكن ان يتمخض عنها النزاع الدائر ما بين العراقيين وقوى الارهاب التكفيري الظلامي.

وهنا قد نتفق تماما مع السيد رئيس مجلس النواب في دعوته "للعمل المتواصل الجاد والإسراع في فك اسر نينوى من يد الظالمين وتهيئة كل احتياجات المعركة وعلى رأسها تسليح العشائر ودعم البيشمركة كي تكون كاملة العدد والعدة"، ولن يقدح في اتفاقنا معه في تلك الدعوة استبعاده- الذي تكرر في ندائه الاذاعي الى اهل الموصل- لقوى "الحشد الشعبي" من معادلة التحرير. ولكن ما يلفت الانتباه في تلك الكلمات هو انها تؤشر بوضوح الى اولوية مرحلية قصوى تفرضها الحقائق الموجودة على الارض، والتي قد تكون غابت قليلا عن اذهان القوى المعلية من شعار "مرحلة ما بعد داعش" وهي ان الموصل ما زالت في يد تنظيم داعش وان اهلها ما زالوا " يلاقون من داعش المجرم كل أنواع العذاب"، وهو ما يجعلنا نستغرب من وضع عربة "الحساسيات الطائفية" امام حصان التحرير الجامح.

وهذا الواقع قد يكون المسؤول عن كل تلك الحيرة التي تعتري المراقب امام ذلك السيل العارم من الاشتراطات التي تفرضها بعض القوى السياسية استباقيا، امام اي تحرك عسكري او امني يستهدف تحرير الارض المغتصبة، وما الذي يمكن ان يقدمه لـ "مرحلة ما بعد داعش" كل ذلك التقزيم الممنهج للعديد من الانجازات الامنية لـ"الحشد الشعبي" نحو هدف فلترة القوات التي من المفترض ان تساهم في تحرير الموصل لدواع طائفية بحتة -بل ومعلنة- وبشكل لا يتناسب مع اولية تحرير المدينة، خاصة مع تبسط تلك العناوين السياسية في فتح الباب امام تدخل العديد من القوى من كل حدب وصوب وجوار حتى تلك التي لها اطماع واضحة ومعلنة بالموصل واجزاء كبيرة من نينوى، مما يثير العديد من علامات الاستفهام عن المقاصد الحقيقية التي تقف وراء تلك القوى في طروحاتها المتناغمة مع متبنيات بعض القوى الخارجية المتقاطعة مع امن وامان وسلام العراقيين، والهدف الفعلي من الاصرار على تقديم المسارات السياسية على الجهد العسكري والدفع نحو ضمان استمرار المعطيات التي سهلت دخول قوى الارهاب الى العراق وتوظيف الازمة نحو تعزيز المواقع السياسية لبعض الاطراف على حساب الاخرى..

ومما يثير الريبة هو صدور مثل هذه المواقف عن بعض الرموز التي تقع تحت طائلة الكثير من اصابع الاتهام التي تضعها في خانة المسؤولية الاكبر عن تهيئة الارضية السياسية والامنية التي ادت الى سقوط الموصل، او قد يكون -مع بعض التخلي عن التحفظ السياسي- التواطؤ مع عصابات داعش وتقديم الغطاء السياسي والاعلامي لها في احتلالها للمدينة. مما يمكن عد مثل هذه الممارسات والدعوات محاولة لعرقلة عمليات التحرير اكثر مما هو الحرص على التسليك السياسي والامني لـ"مرحلة ما بعد داعش".

نؤكد مع السيد رئيس مجلس النواب الحاجة الى "الجهد العشائري لتحقيق السلم الأهلي عبر المصالحة المجتمعية وتغليب روح التسامح ومحاصرة الثأر، ورص الصفوف وسحب ردود الفعل العشوائية وغير المنضبطة"، ولكن ذلك الهدف لن تكون له اي قيمة حقيقية دون تهيئة مستلزمات التحرير التي اولها هو توحيد الجهود والقوى ولملمة الصفوف والاستفادة من جميع الموارد المتوفرة وخاصة القوات التي اثبتت حضورها وانتماؤها الوطني في العديد من المواقف والمفاصل الصعبة في مسيرة الصراع، وان تحرير الموصل واعادة الامن والاستقرار اليها "لا يمكن تحقيقه ما لم تتضافر جهود الجميع"، وهذا ما قد يجعلنا نجد صعوبة في فهم ذلك الجهد اللاهث في تثبيت المواقع لمرحلة سياسية لاحقة من خلال مواقف تساهم -قصدا او من دون قصد- في تشتيت المسارات التي من الممكن ان تصب في تخليق الاليات التي من الممكن ان تصل بنا لتلك المرحلة.

"الحرب على داعش حرب وجود ولا خيار عنها". كما وصفها السيد الجبوري، ولكننا -وللاسف، لا نجد في الاداء السياسي للعديد من القوى السياسية المتصدية لتمثيل المكون الاكثر تضررا من داعش ما يجعلنا نأمل في ضبط المسارات الامنية والسياسية تجاه سرعة انهاء هذه الحرب بما يحفظ المصالح الوطنية العليا للعراق.. وهذا ما يجعل من الحديث عن "مرحلة ما بعد داعش" نوع من العبث السياسي الذي لا طائل -ولا فائدة- من ورائه.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق