المفتاح الذهبي الذي ينبغي إن يفتح صناديق أسرار السياسة، ويفكك أحجيتها، ويفسر طلاسمها هو كلمة (المصالح)، هذه المفردة الصغيرة الغامضة التي غابت وتغيب عن أيديولوجية الفعل للطبقة السياسية العراقية، لاسيما إذا دمج ذلك المفتاح مع كلمة الوطنية لتكون (المصالح الوطنية) هي الجواد الأصيل الذي يمتطيه السياسي ويخوض به غمار معركة العلاقات الدولية الشائكة وتعقيداتها المتصاعدة ومستجداتها السرمدية.

والمصالح الوطنية بمختلف أبعادها (الاقتصادية، السياسية، الفكرية والأمنية، وبمختلف أوقاتها (الآنية، المتوسطة، البعيدة) بأمس الحاجة إلى عملية الدفاع عن المصالح وحمايتها من جهة وانتهاز الفرص لتكثيف وتوسيع وتعميق المصالح من جهة أخرى، أي أن تمسك بيدك اليسرى بسلة مصالح العنب وتشغل اليمنى بقطف المزيد من العناقيد لسلتك الوطنية وعيناك تبحثان بلا هوادة عن الثمار الأنضج والأوفر، شاغلا فكرك بالمزيد من مواسم الحصاد، لملء سلال الغد.

أن الأزمة السعودية-الإيرانية هي موسم حقيقي لحصاد المصالح في السلة الوطنية، فلا يجب أن يلعب العراق دور حمامة السلام، بل ربما آن الأوان للعب دور الصقر الذي ينقضّ على مصالحه دون هوادة، فطالما تنافس الجاران اللدودان للعراق على ساحة العراق من أجلهما لا من اجله، وهذه هي طبيعة الأمور ومجراها التي يجب أن نعترف به ونتعامل معه، فمصلحتنا المستقبلية قد تكون في استقرار المنطقة وترسيخ معالم السلام فيها، إلا أن المصلحة الآنية والمتوسطة تدفعنا إلى الدعوة لإلقاء بعض الزيت على جمر العلاقات الإيرانية-السعودية ولأغراض إنارة المستقبل وتدفئة صقيع شتاء هبوط أسعار الذهب الأسود.

ماهي حدود خارطة المصالح العراقية وأين تلتقي وأين تتقاطع مع إيران والسعودية، لعل موضوع التعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي وأثاره الأمنية والاقتصادية والسياسية هو الهم الأول أو هكذا يفترض أن يكون لصانع القرار السياسي العراقي، والمصالح الأمنية في مقارعة الإرهاب والمعلومة الاستخبارية الغالية الثمن لان العراق يدفع ثمن غياب المعلومة دم أبنائه الغالي وكلتا الجارتين وحلفائهما يملكان الكثير منها، لذا يجب أن نساوم الموقف الداعم بالمعلومة المتوفرة، دون أن تغيب عنا المصالح الاقتصادية وجعل العراق ممرا للسلع والزوار والطائرات والأشخاص بين الطرفين، المطالبة بمشاريع استثمارية (عملاقة) لتحسين صورة كل منهما لدى العراق أمر لابد من اللعب عليه لاسيما إزاء السعودية التي إذا ما استطعنا أن نجرها لسياسة التفاخر سنجر منافستها لبذل المزيد من اجل أن لا تترك ساحة البناء العراقي للعقال السعودي الثري وذو المواصفات العالمية العالية، ويجب أن نستخدم عصا الملك السعودي وعمامة المرشد الإيراني لهش المجاميع المسلحة العابرة للحدود بعيدا عن بلادنا في توازن حذّر ورؤية إستراتيجية وانتهاز للفرص لطالما افتقرنا إليها.

إن وقوع العراق بين كفي الكماشة (الإيرانية) و(السعودية) كما هو تحدي فهو فرصة مهمة إذا ما استطاع العراق أن يقنع القوى الدولية لاسيما الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوربي بأن يكون العراق بلدا حياديا يلعب دور الحاجز الإقليمي وصِمَام أمان المنطقة مما سيعطيه زخما وقوة ومبرر لاستقطاب المزيد من المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية في منطقة تموج بالأزمات والربان الماهر هو ليس من يرسو بسفينته في ميناء السلام فحسب بل من ينخر عباب بحر الأزمات لجني الثمار وحصادها.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق