هناك مشكلة، ومشاكل أيضا بين بغداد وأربيل، فبرغم أن العاصمة بغداد ماتزال تحتفظ ببعض البريق إلا إن أربيل هي العاصمة الفعلية لإقليم كردستان المنفصل واقعيا عن بقية العراق، ولديها سلطات وقدرات وتتحكم بموارد نفطية كبيرة وتصدرها دون رقابة من الحكومة المركزية، ولاتعطي شيئا لبغداد بينما توفر العاصمة نسبة عالية من الموارد للإقليم وفيها سلطة كردية موازية فرئيس الجمهورية ونائب لرئيس الوزراء ووزراء ونواب ومستشارين ووكلاء وزارات ومدراء عامون جميعهم من الكرد الذين يستحقون الكثير، وقد عانوا في مواجهة الدكتاتورية، لكن المشكلة أعقد بكثير من بعض الإمتيازات والحقوق، لأن الغاية التي يبحث الكرد عن تحقيقها هي قيامة الدولة القومية للأمة الكردية.

آخر المشاكل في هذا السياق منع بغداد دخول شحنات الدجاج وبعض الخضار قادمة من الشمال، ويقال، إن السبب يعود لمخاوف من بعض الأمراض التي يعاني منها الدجاج، وقد تنتقل تلك الأمراض للمستهلكين في بغداد ومدن العراق الوسطى والجنوبية وتتسبب بكارثة صحية، والأكراد لم يعجبهم الأمر وأعلنوا أنهم يملكون السلاح أيضا، فهناك روافد مائية تصب في دجلة تنبع من أراضي الإقليم، ويمكن أن تستخدم في وقف تغذية النهر الخالد، بينما يزود نهر ديالى بالمياه من سد دوكان الشهير القريب من السليمانية والذي ينتقل بمحاذاة الحدود الشرقية للعراق ليصب في دجلة شرق العاصمة بغداد، وجل الماء الذي يتدفق في النهر يأتي من بحيرة دوكان، وهناك تهديد بوقف الضخ من السد المقام على البحيرة، وهي أوراق ضغط تحاول حكومة كردستان إستخدامها لتخفيف الأعباء عنها خاصة بعد المشاكل التي أخذت تتصاعد في الآونة الأخيرة، وغياب دعم بغداد وإنخفاض أسعار النفط.

فعديد الموظفين يشكون من عدم صرف رواتبهم، بينما عناصر البيشمركة قطعوا الطريق بين سليمانية وأربيل، وبعض ضباط المرور قدموا إستقالاتهم، وتظاهر عناصر شرطة إحتجاجا على حجز الرواتب كمدخرات لدى الحكومة.

الواقع أن هناك مشاكل بين أربيل وبغداد، وهناك مشاكل داخل الإقليم الذي يعاني من مشكلة الصراع السياسي وفراغ في السلطة بعد إنتهاء ولاية الرئيس مسعود برزاني، وهي مشاكل سياسية وإقتصادية وتتأثر بزخم الصراعات في الدول المجاورة والحرب التي تشنها تركيا ضد اكرادها في جنوب شرق البلاد ومايعانيه الكرد في سوريا إضافة الى عدم وضوح العلاقة مع بغداد، وإمكانية أن يجرى إستفتاء لإعلان الإنفصال الكامل عن العراق، مع سؤال كبير، هل إن الظروف ملائمة للقيام بهذا الإستفتاء في الوقت الراهن؟

في السابق كانت الصفقة بين نظام صدام حسين وواشنطن ( النفط مقابل الغذاء والدواء، واليوم الدجاج مقابل الماء) .

نعم للدولة الكردية

تتصاعد الأحداث في الشرق الأوسط خاصة في سوريا والعراق واليمن، وهي أحداث دامية وعنيفة تقابلها أحداث وحوادث سياسية وعلى درجة من الخطورة تتخللها أعمال عنف وتفجيرات كما في لبنان والبحرين والمملكة السعودي ودول أخرى في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، وبعد فشل مفاوضات جنيف لحل المشكلة السورية وتقدم قوات الرئيس بشار الأسد حتى الحدود التركية بمساندة حزب الله وروسيا وإيران وفصائل مقاتلة، وعزم واشنطن والسعودية وتركيا على تغيير طبيعة الصراع بما يؤدي الى إرسال قوات كبيرة تحت شعار مقاتلة داعش وفي محاولة واضحة لمسك الأرض التي يفر منها مقاتلو المعارضة السورية فإن الأكراد في تركيا وإيران وسوريا والعراق يتحركون في إتجاهات عدة بحثا عن منفذ لطموحات كانت مؤجلة فتحت لها أبواب الأمل بعد سقوط نظام صدام حسين وحضور أمريكا وإنهيار المنظومة العربية بعد الربيع الثوري مع إنشغال حاد تركي إيراني بمشاكل لاتعد ولاتحصى، وقد تحقق للكرد ماهو أكبر من المتوقع حيث إنهيار الدولة العراقية وتمكنهم من بناء منظومة أمنية وسياسية وإقتصادية وسيطرتهم على جغرافيا كبيرة في مناطق مختلفة من العراق بينما يشعر أكراد سوريا إنهم أقرب الى تحقيق بعض الطموح مع تفكك سلطة دمشق وظهور قوى متعددة تتنافس فيما بينها لتحقيق شيء، وساعد ذلك في سيطرة قوات حماية الشعب الكردي على بعض المدن والقرى المهمة من سوريا بمحاذاة تركيا وكردستان العراق، بينما يكافح الأكراد في تركيا ويقاتلون بشراسة من أجل الحكم الذاتي الذي دعا له رئيس حركة الشعوب الديمقراطية وأتهم بالخيانة من قبل أنقرة.

رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني لم يتردد في تكرار تصريحات تتعلق بقيام الدولة الكردية وهو يستعد اليوم لإجراء إستفتاء شعبي عام في كل إقليم كردستان يدعو الى إقامة دولة كردستان من خلال الإنفصال عن بقية العراق، ويرتب لذلك بحفر خندق يمتد من ربيعة غرب الموصل الى جنوب كركوك والى مناطق في شمال وشرق ديالى يبلغ طوله 440 كم وبعمق 3 أمتار توضع عليه أجهزة مراقبة وأبراج حماية ويقوم عناصر البيشمركة بدور المراقبة والدفاع عن حدود الإقليم من خلاله، وبرغم التصريحات الهادئة حول الخندق وضروراته الأمنية لكنه لم يعد خافيا على الجميع إن النية من ورائه هي غير تلك المعلنة وإن الهدف السياسي أعمق بالفعل.

يؤيد العديد من السياسيين العراقيين خاصة السنة منهم الذين يتهمون الشيعة بتهميشهم والسيطرة على مقدرات الدولة المطالب الكردية، ولايبدون رفضا واضحا لتطلعاتهم، فليس لديهم مايخسرونه بعد أن خسروا بغداد، وعلى هذا الأساس فإن قيام الدولة الكردية أو تأكيد إستقلالية كردستان عن بغداد هو مقدمة لقيامة الإقليم السني المستقل، وإذا ما أجري الإستفتاء في كردستان فمن المرجح أنه سيلبي طموح البرزاني، ولايتوقع التصويت بالرفض على سؤال ما إذا كان المواطنون في الإقليم يرغبون بالإنفصال عن بقية العراق، وقد يأتي الجواب، نعم للدولة الكردية.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق