لا يمكن وصف ما يعيشه "الأزهر" من تقلبات وتبدل في الأمزجة يظهر واضحاً في قراراته وبياناته الأخيرة بغير أنه يعيش حالة من "الهلع"... نعم الهلع والخشية من سريان الفكر الشيعي داخل المجتمعات العربية، حتى داخل تلك التي كانت في يوم من الأيام ترفض بشدة سماع أي شيء عن التشيع. الأزهر بدأ باتهام مواطنين مصريين بأنهم "يثيرون البلبلة" لأنهم شيعة، ثم تحذير أساتذته ودعاة وأئمة وزارة الأوقاف المصرية من السفر نهائيًا إلى إيران، حتى انتهى إلى إعلان حرب عقائدية من خلال مسابقة "البحث في مخاطر انتشار مذهب التشيع".

بقي الأزهر لعقود طويلة خارج الصراع الطائفي بين المذاهب، لكن الميل السياسي الجديد في المنطقة اشتهى أن يكون الازهر احد الادوات التي ينبغي أن تدخل بقوة لخلق بيئة طائفية مشحونة، لتشوه ما تبقى لدى المجتمعات الإسلامية من الاعتقاد بضرورة وحدتهم تحت مظلة الإسلام الوسطي، وقد أشرنا في مواضيع سابقة نشرناها على الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة إلى رفض المشروع السياسي لوجود "دولة" يقودها شيعة في العراق إلى جانب "إيران" وشعوب مجاورة بدأت تتعاطف -على الاقل- مع القضايا الشيعية التاريخية وحتى المعاصرة.. التاريخية التي تسطر "مظلوميتنا" والمعاصرة التي ترسم ملامحها اضطهادات متناثرة في العراق وسوريا ولبنان ومصر ونيجيريا ودول الخليج. هذا الرفض الذي بدأ يتبناه الأزهر مؤخراً بصورة غير مباشرة إنما هو جزء من الاستراتيجية العبثية التي تقودها السعودية لإنهاء الوجود الشيعي، وللمحافظة على ما تبقى من "متشبثين" بمعتقدات محمد بن عبد الوهاب وأقرانه.

في موسم أربعينية الإمام الحسين، عليه السلام، من العام الهجري الحالي، عمل الأزهر بكل ما يملك من نفوذ في مصر على محاربة إحياء هذه الشعيرة، فقد أقدمت وزارة الأوقاف المصرية على إغلاق العديد من المساجد والمقامات التي يحيي فيها شيعة مصر سنوياً هذه المراسيم. كل ذلك جاء أيضاً بإيعازات من مشايخ الأزهر الذين دخلوا لعبة "الحرب الطائفية" مؤخراً، بعد أن كانوا في يومٍ ما رمزاً للإسلام الوسطي المعتدل.

واحدة من أدوات هذه الحرب.. المسابقة التي أعلنت عنها إدارة الأزهر في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي كان موضوعها "نشر التشيع في المجتمع السني: أسبابه ومخاطره وكيفية مواجهته" والتي رصدت للمشاركين فيها جوائز مالية، بالمقابل أبدى ديوان الوقف الشيعي في العراق استعداده لتوفير كتب ومصادر المذهب الجعفري لطلبة الأزهر مجاناً في الوقت الذي اعتبر فيه هذه المبادرة "أسلوباً استفزازياً"، غير أن مشيخة الأزهر قرروا إلغائها على لسان الشيخ أحمد الطيب، في لقائه مع سفير العراق في مصر، وبرر ذلك بما حدث من ضجة حول الموضوع، وأن على "الأزهر الشريف" أن يكون داعيا إلى الوحدة الإسلامية والالتئام بين جميع المسلمين. على حد وصفه.

هذا يؤكد أن الأزهر المعروف في العالم كـ "صرح علمي إسلامي" أسسه "الفاطميون العلويون" لا يمكن له التحول بين ليلة وضحاها إلى راعٍ لجماعات إرهابية أسوة بعلماء دولة "آل سعود" التي تدعم اليوم بنفطها تنظيمات إرهابية في العراق وسوريا وباقي دول المنطقة، ومحاربة التشيّع فكرياً وعلمياً على الطريقة الأزهرية ربما لا تروق جداً لـ "الميل السياسي" الجديد الذي ترعاه أيضا السعودية، لأن الأخيرة تعمل بنمط جاهلي قبلي يعتمد سفك الدم، بينما يرى الأزهر أن وظيفته لا تتعدى غير "دحض" النظريات الشيعية وخوض حرب فكرية، لأن تاريخها يصدرها للعالم كمؤسسة علمية لا منظمة إرهابية أو جهة عسكرية، لكن هذا لا يعني أن المواقف الأخيرة التي تبناها الأزهر لا تحمل "نكهة" سعودية، باعتبار الأخيرة الداعم البترولي الأول لكل الحركات والمؤسسات الإسلامية المتطرفة في المنطقة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق